لا تزال القضية الفلسطينية تشكل محورًا رئيسيًا وعنصرًا مشتركًا في أعمال المبدعين الفلسطينيين حاملين هموم شعوبهم وقضاياهم ونقلها للآخر وفضح الكيان المحتل، ليشكلوا حائط صد لنشر كل ما يتعرضون له عبر صورة سينمائية بديعة تكشف جوانب متعددة في حياة أصحاب الأرض ومعاناتهم اليومية ضد المحتل، ومن هذا المنطلق واصلت المخرجة الفلسطينية إبداعها بتقديم تجربة جديدة تحمل اسم "ما بعد" تطرقت خلالها لقضية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبها على مدار أكثر من عام، وتأثير الحرب على النفس البشرية بعد أن تفقد كل شيء، من خلال "سليمان ولبني"، اللذين يعيشان في مزرعة منعزلة يهتمان بالأشجار ويجريان مناقشات حادة ومستمرة حول خيارات حياة أطفالهما الخمسة بعد أن يشعران بالتهديد فور وصول شخص غريب يكشف لهما حقيقة مروعة.
الفيلم الذي حصد جوائز عدة كان آخرها جائزة نجمة الجونة الذهبية بمهرجان الجونة السينمائي في نسخته السابعة الذي أسدل الستار على فعالياته أخيرًا، قالت عنه مخرجته مها حاج لموقع "القاهرة الإخبارية": "سعدت للغاية بفوز فيلمي في مهرجان الجونة السينمائي، إذ يأتي الفوز من أحد أهم المهرجانات في الوطن العربي، وهو ما يعني أن رسالتنا وصلت للجمهور المصري والعربي، خصوصًا أنه بعد عرض الفيلم ضمن الفعاليات أخبروني أن الجمهور تفاعل مع قصة الفيلم وتعاطفوا معها للغاية".
تضيف: "تخصيص برنامج خاص لفلسطين تحت عنوان "نافذة على فلسطين"، أمر ممتاز ويحسب لإدارة المهرجان كونها اهتمت بالسينما الفلسطينية وحرصت على إيصال صوتنا من خلال أفلامنا القصيرة والطويلة، وهذا الشيء يشعرني بالفخر والاعتزاز لكوني جزءًا من هذا المهرجان".
وتابعت: "للفن والسينما دور مهم في دعم القضايا المجتمعية، لقدرتها على الوصول إلى قلوب وعقول الجمهور بشكل سريع، ما يجعلها أداة توعية وتحمل رسائل عدة إذا قرر المخرج أن يوجه فيلمه بهذا الشكل، فالفن السابع حاضن لكل الرسائل التي تصل بشكل أسرع من أي شيء، لذا من الواجب علينا كصنّاع سينما إلقاء الضوء على ما يحدث في فلسطين عبر أعمالنا".
كواليس الفيلم
تشير المخرجة الفلسطينية إلى أن فكرة فيلم "ما بعد" حضّرتها في إحدى ليالي الصيف الماضي، إذ تقول: "كتبت الفيلم في يوم واحد بعد أن تبلورت الفكرة في ذهني، فكوني إنسانة ومخرجة كان دافعًا لي لتقديم شيء عن القضية، ثم تواصلت بعدها مع المنتج حنا عطا الله، وشرعنا في التحضير، واستغرق تصوير الفيلم خمسة أيام فقط، وأصعب ما واجهني فيه كان التمويل، خصوصًا أنني أمتلك العديد من الأفكار التي من الممكن أن أقدمها لدعم القضية الفلسطينية لكن التمويل يظل العائق أمامي، لذا أشعر بسعادة بخروج إحدى أفكاري "ما بعد" للنور، وعرضه في المهرجانات الدولية والوصول به لأكبر عدد ممكن".
وتضيف: "كواليس العمل رغم صعوبتها لكنها كانت ممتعة ومُحمسة كوننا نقدم عملًا لدعم القضية الفلسطينية، فكل فريق العمل على رأسهم الفنان الفلسطيني محمد بكري كان مؤمنًا بالقصة ومتحمسًا لتقديم أفضل شيء".
الفقدان
تؤكد مها حاج أن قوة الإنسان الفلسطيني هي ما أرادت تسليط الضوء عليها في فيلمها "ما بعد"، إذ تقول: "يتناول الفيلم الصدمة التي تصيب الأشخاص بعد فقدانهم لكل شيء، كما نحاول تسليط الضوء على قوة الإنسان الفلسطيني وثباته ومقاومته رغم الظروف والصعوبات التي يتعرض لها من قِبل المحتل، وهذا ما أردت توصيله للجمهور من خلال فيلمنا وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك".
وتضيف: "كان عرض الفيلم العالمي الأول كان في مهرجان "لوكارنو"، وحصد عدة جوائز ثم عُرض في مهرجان الجونة السينمائي، وقريبا سيُعرض في مهرجان روما، ومهرجان الشارقة بالإمارات، وأتمنى أن يصل لكل العالم، وتصل معه رسالتنا بأكبر شكل ممكن".