اتجه الكثير من السينمائيين الفلسطينيين عقب نكبة فلسطين وما تبعتها من حروب لإنتاج العديد من الأفلام التي تفضح كذب المحتل الإسرائيلي، وتشير إلى معاناة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، وكان المخرج إبراهيم حنضل أحد المسؤولين عن هذه المهمة بعد أن أخرج العديد من الأفلام التجريبية القصيرة، وعمل كمساعد مخرج ومدير إضاءة في عدة أفلام، منها "أمبيانس" الذي فاز بالجائزة الثالثة في مهرجان كان السينمائي.
وفي ظل الحروب التي تعيشها فلسطين منذ 7 أكتوبر 2023، قرر "حنضل" خوض تجربة جديدة لدعم القضية الفلسطينية من خلال "فيلم قصير عن الأطفال"، يروي فيه قصة 4 أطفال يعيشون في مخيم للاجئين في بيت لحم ويقررون التسلل دون علم ذويهم لزيارة البحر للمرة الأولى في حياتهم.
يؤكد الفلسطيني إبراهيم حنضل لموقع "القاهرة الإخبارية" أن فكرة العمل ولدت من رحم والمعاناة التي يعيشها أهل فلسطين في وقتنا الحالي، إذ يقول: "الفكرة العامة للفيلم تظهر من خلال الأطفال الأربعة الذين نشاهدهم في العمل، حيث يبدأ الفيلم بأنهم يرغبون في الذهاب لقضاء يوم في البحر بسبب الحر الشديد وأيضًا بسبب قسوة المكان الذي يعيشون به وهو مخيم للاجئين في بيت لحم".
ويضيف: "بسبب تلك الفكرة بدأت بكتابة السيناريو والأحداث التي تحدث لهم وكيف ينظرون إلى مخيم اللاجئين، الذي يعد المانع الحقيقي من الحصول على يوم كباقي أطفال العالم بالذهاب للبحر، خصوصًا أن البحر ليس مجرد صورة موجودة على التلفاز بل هو مكان مليء بالزوار وعربات البوظة المنتشرة في كل مكان، فكنت متحمسًا للفكرة بسبب أننا نعيش في نفس الواقع وجعلت نفسي جزءًا من تلك المجموعة التي تريد الذهاب للبحر، لكن الواقع شيء مختلف تمامًا".
رؤية الفيلم
يؤكد "حنضل" أنه "لا يوجد تسلل في كل الفيلم حفاظًا على سلامة الأطفال وطاقم العمل، ربما اندفاعية الأطفال أو خيالهم بالتحديد هو ما جعلهم يستمتعون بفكرة الذهاب إلى البحر وأن يكونوا مختلفين عن الأطفال الآخرين الذين يتجمعون حول سيارة البوظة الموجودة بالمخيم أكثر من أي شيء آخر، حيث عملوا على تجميع المال وحصلوا على رقم التاكسي الذي يأخذ الزوار الأجانب للأراضي المحتلة لربما الاستمتاع بيوم على البحر أو زيارة مواقع سياحية معينة".
ويضيف: "رؤية الفيلم تختلف من شخص لآخر بسبب الواقع السياسي المعقد، التي قد تتضمن رسائل مختلفة، لذا يجب علي فهم اختلاف ألوان لوحة أرقام السيارات والأماكن التي تستطيع الوصول إليها، وهذا يتبع على كثير من الأشياء الصغيرة الموجودة في الفيلم التي لها دلالات ورسائل مختلفة".
بدون ميزانية
واجه المخرج الفلسطيني تحديات كثيرة لخروج فيلمه إلى النور، وحول ذلك يقول: "تم تصوير هذا الفيلم بدون ميزانية تقريبًا، حيث كان هناك مشروع مشترك ما بين جامعة دار الكلمة في فلسطين وجامعة سيني فابريك في فرنسا، إذ دعوني كمتخرج في الجامعة والعمل على إنتاج فيلم قصير، وقد استغرق نحو عام، وتم تصوير الفيلم في مخيم للاجئين في بيت لحم، الذي يحيط هذا المخيم جدار الفصل العنصري، ومن أهم التحديات التي واجهتني هي الحفاظ على سلامة الأطفال المشاركين في الفيلم من اقتحام الاحتلال الإسرائيلي للمخيم، كما أنها أول تجربة لهم في التمثيل، وأيضًا لا يوجد أرضية خصبة تسمح بإنتاج فيلم بشكل ذاتي ومستقل، وهنا يمكن التكلم عن صعوبات الإنتاج والجهات المانحة وهذا بمفرده موضوع شائك ويعاني منه نصف السينمائيين، إذ لم يكن جميع الوطن العربي في إنتاج سينما مستقلة".
ويضيف: "الفنون والسينما هي جزء من تعبير عن الواقع بشكل طبيعي أو مجازي، وهي تأتي من حضن الواقع لتعبّر عنه، وأي فيلم أو عمل فني ذاتي هو مربوط بواقع العمل والقصة أيضًا، حيث هناك أبعاد عديدة تكون في داخل الإطار السينمائي، لكن هناك إطارًا غير ملموس وأبعادًا أخرى في خلفية القصة وهو التأثير الحقيقي على واقع القصة الذي يمكن لمس ذلك الشعور بدون التكلم عنه، فإن أي عمل هو عبارة عن نافذة من واقع كبير مليء بالعديد من القصص التي لم تحك بعد، ومن المؤكد أن كل واحدة منها لها بُعد ومنظور لم نره بعد".
الجونة السينمائي
الفيلم الذي يشارك في النسخة السابعة لمهرجان الجونة السينمائي الذي تقام فعالياته حاليا، أعرب مخرجه عن سعادته بهذه المشاركة، إذ قال: "من المؤكد أنه يزيدني الشرف لعرض فيلمي في مهرجان الجونة السينمائي، فهي فرصة مهمة للفيلم وأيضًا للمشاهدين لمشاركتهم هذا العمل والأعمال الأخرى، لأن كل فيلم من الأفلام هو عبارة عن "نافذة عن فلسطين" ومن خلال هذا المهرجان، باستطاعتنا رؤية عدة نوافذ لربما لم تُر قبل وأيضًا قصص مختلفة".
ويضيف: "تم طرح الفيلم في العام السابق في مهرجان بووف السينمائي في استونيا، وبعدها تم اختيار الفيلم في مهرجان كليرمونت فيراند السينمائي وأيضًا في مهرجانات عديدة ومهمة مثل مهرجان لندن السينمائي التابع لمؤسسة الفيلم البريطاني ومهرجان مؤسسة الفيلم الامريكي AFI FEST في مدينة لوس انجلوس، الذي سوف يعرض في أواخر شهر أكتوبر الحالي، وعربيًا سوف يتم عرض الفيلم في مهرجان أجيال السينمائي في قطر في منتصف شهر نوفمبر المقبل".