بـ12 قاعدة سرية في أوكرانيا، حوّلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" كييف إلى إحدى قواعدها الرئيسية في التجسس على روسيا على مدى عقد من الزمان مر منذ تحرك "ميدان" عام 2014، بحسب ما كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، خاصة بعد زيارة ويليام بيرنز، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، الخميس الماضي، السرية العاشرة إلى أوكرانيا منذ بداية الصراع.
تحرك "ميدان" عام 2014
يعد تحرك "ميدان" عام 2014 في أوكرانيا هو سلسلة من الأحداث المُعقدة والمتصلة التي وقعت بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في كييف وتصاعد الاحتقان السياسي داخل البلاد، إذ بدأت هذه الأحداث بعد رفض الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، التوقيع على اتفاقية اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي واختار بدلًا من ذلك التقارب مع روسيا، ما أثار غضب المعارضة والمواطنين الذين اعتبروا ذلك خيانة لمسار الاندماج الأوروبي.
وتصاعدت الاحتجاجات بسرعة وتحولت إلى صراعات عنيفة مع الشرطة، وفي النهاية، هرب يانوكوفيتش إلى روسيا، وأُطيحت حكومته، بعد ذلك، وتم تشكيل حكومة انتقالية جديدة في أوكرانيا، يُعتبر تحرك "ميدان" 2014 تحولًا مهمًا في تاريخ أوكرانيا، إذ شكل نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين أوكرانيا وروسيا وأثر بشكل كبير على السياسة الدولية بالمنطقة.
بيرنز في أوكرانيا
وفي محاولة لطمأنة القادة الأوكرانيين، أجرى ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية، زيارة سرية إلى أوكرانيا، الخميس الماضي، وهي العاشرة منذ اندلاع الصراع.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في الآونة الأخيرة، ومع تأخر الموافقة على حزمة المساعدات الأمريكية، بدأ مسؤولو الاستخبارات الأوكرانية يسألون زملاءهم الأمريكيين ما إذا كانت الولايات المتحدة على وشك التخلي عنهم.
وفي حديثه عن زيارة "بيرنز" إلى كييف الأسبوع الماضي، قال متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية: "لقد أظهرنا التزامًا واضحًا تجاه أوكرانيا على مدى سنوات عديدة، وكانت هذه الزيارة بمثابة إشارة طمأنة قوية أخرى وتأكيد أن التزام الولايات المتحدة سيستمر".
مقرات سرية ومنصات تجسس
وقالت الصحيفة إن المتخصصين الأمريكيين قاموا بتمويل وتنظيم شبكة من القواعد السرية على أراضي الدولة السوفيتية السابقة وجعلوا كييف جزءًا من "تحالف سري" ضد موسكو، نقلًا عن مجموعة من المسؤولين الحاليين والسابقين في الولايات المتحدة وأوكرانيا وأوروبا.
وتستضيف أوكرانيا حاليًا ما لا يقل عن 12 قاعدة تجسس سرية تقع بالقرب من الحدود الروسية، التي تجمع كل أنواع المعلومات عن روسيا، فضلًا عن تنسيق ضربات الطائرات دون طيار وشبكة من العملاء الذين يفترض أنهم يعملون داخل روسيا.
وتمكن صحفيو نيويورك تايمز من زيارة إحدى قواعد العمليات الأمامية الموجودة في مخبأ تحت الأرض، وقال المراسلون إن المكان كان يستخدم للتنصت على الاتصالات العسكرية الروسية والإشراف على ضربات الطائرات دون طيار على الأراضي الروسية.
وقالت الصحيفة الأمريكية نقلًا عن مسؤول كبير في المخابرات الأوكرانية، الجنرال سيرجي دفوريتسكي، إن القاعدة تم تمويلها وتجهيزها من قبل وكالة المخابرات المركزية.
وقال الجنرال لنيويورك تايمز إن وكالة المخابرات الأمريكية جهزت القاعدة بشكل خاص بمعدات اتصالات وخوادم كمبيوتر كبيرة، مضيفًا أن المخبأ تم استخدامه لاختراق الأقمار الصناعية الروسية والبيلاروسية والصينية.
ووفقًا للصحيفة، فإن وكالة المخابرات المركزية ووكالات استخبارات أمريكية أخرى زودت أوكرانيا بمعلومات عن تحركات القوات الروسية والضربات الصاروخية، طوال الصراع المستمر بين موسكو وكييف على مدى عامين.
تعاون وثيق منذ 2014
وقالت الصحيفة إن التعاون النشط بين أجهزة المخابرات في البلدين بدأ على الفور تقريبًا بعد تحرك "ميدان" عام 2014، وتحولت كييف منذ ذلك الحين إلى "أحد أهم شركاء واشنطن الاستخباراتيين ضد الكرملين".
وقالت الصحيفة الأمريكية إن السلطات الأوكرانية بعد تحركات 2014 سعت بنشاط للحصول على رضا الولايات المتحدة من خلال تسليم الأسرار الروسية إليها بشكل خاص، إذ لم يكن لدى الولايات المتحدة اهتمام كبير بالأصول التي لا يمكن أن تنتج أي معلومات استخباراتية ذات قيمة عن موسكو.
في عام 2015، سلم رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية آنذاك، الجنرال فاليري كوندراتيوك، مجموعة من الملفات السرية للغاية، بما في ذلك معلومات عن الأسطول الشمالي للبحرية الروسية وتصميمات الغواصات النووية في اجتماع مع نائب رئيس مكتب وكالة المخابرات المركزية بكييف.
وقبل عام من ذلك، تواصل رئيس جهاز الأمن الداخلي الأوكراني آنذاك، فالنتين ناليفايتشينكو، الذي تم تعيينه من قبل سلطات ما بعد تحرك 2014، مع رؤساء وكالة المخابرات المركزية المحلية والمخابرات البريطانية MI6، بحثًا عن شراكة ثلاثية وطلب منهم مساعدته في إعادة بناء خدمته من الصفر.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في عام 2016، بدأت وكالة المخابرات المركزية في تدريب قوة من النخبة الأوكرانية تعرف باسم الوحدة 2245، والجنرال كيريل بودانوف، الذي يرأس حاليًا المخابرات العسكرية الأوكرانية، كان عضوًا سابقًا في هذه الوحدة.
وحدة اغتيالات
وقالت الصحيفة إن الجواسيس الأمريكيين قدموا تدريبًا متخصصًا لأعضاء المديرية الخامسة، وهي وحدة شبه عسكرية أنشأتها كييف للقيام بعمليات اغتيال ضد روسيا، مؤكدة أن أعضاء فرقة الاغتيال شاركوا في بعض الاغتيالات البارزة في دونباس، بما في ذلك اغتيال القائد أرسين بافلوف، المعروف أيضًا باسم "موتورولا"، الذي تم تفجيره في مصعد عام 2016.
وكشف ناليفايتشينكو عن وجود وحدة الاغتيال في مقابلة منفصلة مع مجلة الإيكونوميست، سبتمبر 2023.
دور الاستخبارات المركزية في الحرب
وكان لعملاء المخابرات الأمريكية أيضًا دور فعّال في رد كييف على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، فبراير 2022، إذ ظل عملاء وكالة المخابرات المركزية في مكان معين بغرب أوكرانيا، بينما كانت الولايات المتحدة تُجلي أفرادها من البلاد قبل الصراع.
وقال إيفان باكانوف، الذي يعد رئيسًا سابقًا آخر لجهاز الأمن الأوكراني، لنيويورك تايمز: "لولاهم، لم يكن من الممكن أن تكون لدينا طريقة لمقاومة الروس".
وأشارت موسكو مرارًا وتكرارًا إلى التهديدات التي يتعرض لها أمنها القومي نتيجة للأنشطة الأمريكية المتزايدة على الأراضي الأوكرانية وتطلعات كييف في حلف شمال الأطلسي، مشيرة إلى ضرورة ضمان أمن روسيا كأحد أسباب بدء عمليتها العسكرية، فبراير 2022، في حين أكدت كييف أن تصرفات موسكو كانت "غير مبررة على الإطلاق".