الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعد عامين من العقوبات.. لماذا لم ينجح الغرب في تركيع الاقتصاد الروسي؟

  • مشاركة :
post-title
فلاديمير بوتين

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

منذ أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، واجهت موسكو عددًا كبيرًا من العقوبات من واشنطن وبروكسل وخارجهما، التي كان آخرها ما تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي، والمرتبطة بوفاة المعارض المسجون أليكسي نافالني.

ووفق الدول الغربية، صُممت العقوبات، وعلى رأسها العقوبات الاقتصادية، لاستنزاف خزائن روسيا، لكن مع ذلك، وبعد مرور عامين، انتعش الاقتصاد الروسي، بينما يبدو الرئيس فلاديمير بوتين مُسيطرًا بقوة عن الكرملين، على الرغم من الآمال في أن تنقلب النخبة الروسية عليه، مع تزايد الضغوط الاقتصادية.

لماذا لم تُثمر العقوبات؟

لتنفيذ العقوبات المختلفة، هناك حاجة إلى موارد قانونية ومالية، وحتى عسكرية، سواء كان ذلك لدرء الدعاوى القضائية من الروس الذين تم تجميد أموالهم، أو تعيين مفتشين لمتابعتها.

لكن في الواقع، ليس جميع فارضي العقوبات يمتلكون نفس القدرة أو الموارد المالية، ما يجعل التنفيذ غير متوازن بالنسبة للحلفاء.

أيضًا، من الصعب على حكومة ما أن تضغط على حكومة أخرى لحملها على التوقف عن شراء المنتجات الروسية. فلا تريد واشنطن أن تضغط بقوة على شريك محتمل ضد الصين مثل الهند، ولا تريد بروكسل عزل تركيا عن الشرق الأوسط.

في المقابل، يجادل مهندسو العقوبات بأن الاقتصاد الروسي تعرض لأضرار بالغة، ويزعمون أن ما يفعله الكرملين لدعم هذا الاقتصاد لن ينجح في الأمد البعيد، وأن تأثير بعض عناصر الضغط -مثل ضوابط التصدير- قد يستغرق سنوات.

وأشار مسؤول كبير في إدارة بايدن لمجلة "بوليتيكو"، إلى أن روسيا -من بين أمور أخرى- تستهلك احتياطاتها السائلة، وتدفع أصولها نحو اقتصاد الحرب بطرق من شأنها الإضرار باستقرارها الاجتماعي.

وقال المسؤول الكبير -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- للمجلة: "هدفنا هو محاولة جعل الأمر أكثر صعوبة".

عقوبات متفاوتة

الأداة الأكثر أهمية التي استخدمتها الولايات المتحدة وشركاؤها ضد روسيا هي العقوبات الاقتصادية التقليدية، التي تستهدف الأفراد والشركات وهيئات الدولة، ويمكنها أيضًا ضرب المؤسسات المالية.

وتتمتع الولايات المتحدة بسجل طويل في فرض العقوبات الاقتصادية على الكيانات الخارجية، ولأن الكثير من الأشخاص والشركات يقومون بأعمال تجارية باستخدام الدولار الأمريكي، فإن واشنطن تتمتع باليد الطولي، ومن المحتمل أن يواجه المخالفون اتهامات جنائية وغرامات باهظة وأصولًا مجمدة.

أيضًا أنشأت واشنطن تشريعات وموارد وهيئات حكومية، مثل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، المخصص لتعقب منتهكي العقوبات.

مع هذا، تتمتع بلدان أخرى، مثل إيطاليا، بأنظمة أقل قوة ومن المرجح أن تسمح للمخالفين بالمرور.

ولردع الحلول البديلة، تلجأ واشنطن بشكل متزايد إلى "العقوبات الثانوية"، ما يسمح للولايات المتحدة بمعاقبة الكيانات الأجنبية بسبب التعامل مع الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات.

لكن إحدى الثغرات الكبيرة هنا هي الإعفاء، الذي يسمح بالمعاملات المتعلقة بالطاقة مع البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات.

وفي حين أدى ذلك الإعفاء إلى منع حدوث اضطرابات كبيرة في أسواق الطاقة العالمية، فإنه سمح أيضًا لكمية كبيرة من المال بالاستمرار في التدفق إلى الاقتصاد الروسي.

في الوقت نفسه، يبذل الاتحاد الأوروبي جهودًا لتوسيع نظام عقوباته ليشمل دولا أخرى، وترسل بروكسل مبعوثها الخاص للعقوبات، ديفيد أوسوليفان، لتقديم أدلة على التهرب والتحايل إلى الحكومات الأخرى، على أمل أن تنضم بعد ذلك إلى خطة العقوبات الخاصة بالكتلة.

كما تطرح أوروبا فكرة إنشاء سلطة على مستوى الاتحاد الأوروبي للإشراف على تطبيق العقوبات، لكن هذا الأمر سيستغرق الكثير من الوقت.

صادرات خارج السيطرة

كان استخدام ضوابط التصدير لضمان عدم قدرة روسيا على جلب مواد عالية التقنية للحرب يمثل تحديا للغرب، حيث تم تصميم ضوابط التصدير للحد من قدرة موسكو على الوصول إلى أنواع معينة من المنتجات، مثل الرقائق الدقيقة.

وفي كثير من الأحيان، تكون هذه السلع "ذات استخدام مزدوج"، ما يعني أنه يمكن استخدامها للأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء. مثل الشاحنات الصغيرة التي يمكن استخدامها للوجستيات العسكرية، أو أشباه الموصلات الموجودة في الصواريخ والمُسيّرات الروسية.

كما أن الغرامات التي تفرضها الولايات المتحدة على انتهاكات ضوابط التصدير تُعّد بسيطة مقارنة بتهم مثل الفساد الأجنبي، التي تتجاوز في كثير من الأحيان مليار دولار، وفقا لتقرير صدر في نوفمبر الماضي عن كلية الحقوق بجامعة نيويورك.

ولتجاوز ضوابط التصدير، يتم إعادة تسمية الشحنة في دولة ثالثة -مثل تركيا والصين- أو التظاهر بأن الشحنة ستسافر عبر روسيا إلى آسيا الوسطى أو جنوب القوقاز، وعندها لن تخرج المنتجات من روسيا.

وبالفعل، حدث هذا العام الماضي، عندما باعت شركة فنلندية معدات رادار إلى مطار في كازاخستان، لكن من غير الواضح ما إذا كانت المعدات -التي يُفترض أنها نقلت بالشاحنات إلى روسيا- قد وصلت إلى وجهتها.

أسعار النفط

في نهاية عام 2022، اتفق أعضاء مجموعة السبع للاقتصادات الكبرى، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وأستراليا، على فرض قيود غير مسبوقة على النفط الروسي، وتحديد سعر بيعه بنحو 60 دولارًا فقط للبرميل.

وقد تم تصميم هذه الخطوة لإجبار موسكو على الحفاظ على تدفق الوقود الأحفوري، ما يضمن بقاء سوق الطاقة العالمية مستقرة، مع التأكد من أن البلاد تكسب منها أقل بكثير.

في البداية، ضرب هذا الكرملين، وكلفه نحو 36 مليار دولار من عائدات التصدير التي كان من الممكن أن تستخدمها لتمويل الحرب.

لكن تضاءل التأثير منذ ذلك الحين، حيث ارتفعت صادرات موسكو الرئيسية إلى نحو 70 إلى 80 دولارًا للبرميل خلال الأشهر الستة الماضية.

وحذّر المحللون من أنه لا يتم الآن بيع أي برميل من النفط الخام الروسي بأقل من سقف سعر النفط البالغ 60 دولارًا.

ووفقا للخبراء، فإن عدم كفاية مراقبة المعاملات، والفشل في قمع الذين ينتهكون القواعد، قد قوض هذه السياسة، وبدأت عائدات النفط في موسكو في التعافي.

كما تستغل موسكو الثغرات التي تسمح لها بشحن النفط الخام إلى دول مثل الصين وتركيا والهند، ليتم تكريره وتحويله إلى وقود يتم بيعه بعد ذلك إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وكلاهما جزء من سقف الأسعار لمجموعة السبع.

وطالما يتم التعامل مع النفط نفسه من قبل وسطاء، فلا البائع ولا المشتري ينتهك القواعد فعليًا.

شراء المكونات العسكرية

تضع روسيا التهرب من العقوبات أولوية في استراتيجيتها، حيث وجّه الكرملين أجهزة المخابرات الروسية لإيجاد قنوات للتهرب من العقوبات.

وفي وقت سابق، أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى قائمة من الشركات الوهمية التي استخدمتها روسيا خلال العامين الماضيين لشراء المكونات المستخدمة في الأسلحة، واستخدام عدد كبير من السفن تحت ملكية غير معروفة، للتحايل على سقف أسعار النفط الذي فرضه الغرب.

وقد استطاعت موسكو من تشكيل أسطول من ناقلات النفط التابعة لجهات غامضة أو تفتقر إلى التأمين المناسب، يُعرف باسم "الأسطول الشبح" لتصدير النفط والالتفاف على العقوبات. 

كما اعترف جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، الخميس الماضي، بأن إيران تقوم بتسليم طائرات مسيّرة وصواريخ إلى روسيا. 

ويعزّز التعاون بين روسيا وإيران وكوريا الشمالية قدرة هذه الدول على الصمود أمام العقوبات الغربية. 

وفي سبتمبر الماضي، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الإنتاج الروسي من الصواريخ والذخيرة "يزدهر حتى في مواجهة العقوبات الغربية"، حيث يتجاوز التصنيع العسكري مستويات ما قبل الحرب في البلاد.

ووفقًا للصحيفة، قدر المسؤولون الأمريكيون أن العقوبات المبكرة في بداية الحرب أجبرت روسيا على إبطاء إنتاجها من الصواريخ والأسلحة الأخرى لمدة ستة أشهر على الأقل. ولكن منذ ذلك الحين، تمكنت موسكو في الغالب من التحايل على العقوبات، واستغلال الثغرات واستيراد التكنولوجيا من خلال الدول المجاورة.

وقال أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الإستونية لصحيفة "التايمز" البريطانية إن إنتاج روسيا الحالي يعادل سبعة أضعاف ما ينتجه الغرب. حيث إن تكاليف التصنيع أقل بكثير في روسيا عنها في الغرب.

ورغم أن عام 2022 شهد انخفاضًا كبيرًا في إيرادات مصنعي الأسلحة الروس بنسبة 12% لتصل إلى 20.8 مليار دولار وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. لكن يرجع هذا الانخفاض، جزئيًا، إلى العقوبات المفروضة على روسيا، ونتيجة لتأخيرات في الدفع من جانب الدولة الروسية.