التركيز على العلاقات الإنسانية في القضية الفلسطينية أكثر تأثيرا من مشاهد القتل والدمار
معايشتي للفصل العنصري في مراهقتي دفعتني إلى تقديم "200 متر"
الإعلام الغربي هدفه تشويه صورة الفلسطيني ولا بد من التصدي له بالقوى الناعمة
أسلوب فريد يتمتع به المخرج الفلسطيني أمين نايفة، ميزّه عن غيره من باقي مخرجي جيله، متخذًا العلاقات الإنسانية منهجًا في تنفيذ أعماله التي يقدمها من منظور جديد عن تلك الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية، لينضم إلى قائمة المخرجين المؤثرين الذين يحاربون من خلال القوى الناعمة لمناصرة القضية، وإيصال صوت الحقيقة إلى العالم، وما يحدث في بلده من ظلم وطغيان على أيدي الكيان الصهيوني.
أمين نايفة الذي بدا عليه التأثر الشديد لما يحدث في غزة من اعتداءات وقتل وحشي للنساء والأطفال والشيوخ أكد في حواره لـ موقع "القاهرة الإخبارية"، أن ما يحدث في غزة والأماكن المجاورة لها ما هو إلا تطهير عرقي لشعب يحاول التحرر من الاستعمار، ضد محتل يمارس جرائم بشعة بكل ما يملك من قوة وجبروت بغرض القضاء على الشعب الفلسطيني، وما يحدث الآن ما هو إلا مأساة كبيرة، بالإضافة إلى ما نراه من قبل وسائل الإعلام الغربي التي تحاول تزييف الحقيقة وإظهار الواقع بطريقة مختلفة".
ويضيف "نايفة": "المشاهد التي تحدث في غزة منها ما هو متكرر وحدث من قبل، ومنها مشاهد فريدة من نوعها مثل مشهد تقبيل الجد لحفيدته الشهيدة وموقفه المؤثر تجاهها، لذا لابد من استغلال كل ما هو فريد وجديد كسينمائيين في عمل فني لتوضيح معاناة الفلسطينيين من خلال التركيز على العلاقات الإنسانية، إذ أصبح الاعتماد على الدمار والقتل والدم ما هو إلا تكرار للحدث وبالتالي سيصبح التأثير أقل في كل مرة يتم مشاهدتها، لذا أعتقد أن التركيز على هذه اللقطات الإنسانية ستجعل العالم يعرف الحقيقة ويتأثر بها".
يمثل دور الفن أحد الأسلحة المهمة التي يستخدمها مبدعو فلسطين، وهو ما يؤكده نايفة إذ يقول: "للفن تأثير كبير ومهم في دعم القضية الفلسطينية حيث أعتبره أحد وسائل المقاومة، لما يفعله من تأثير في رفع الوعي للمشاهد ليكون مواجهًا لأكاذيب الإعلام الغربي الهادف إلى تشويه صورة الفلسطيني أمام العالم وإعطاء الحق لجرائم الكيان الصهيوني، لذا لزامًا على كل مبدع حر استغلال إمكانياته لدعم القضية، ومناصرة الحق، وهو أقل شيء يمكن تقديمه لهذا الشعب المثابر".
فضحت حقيقة الكيان الصهيوني في 200 متر بعد 8 سنوات من المعاناة
كان للمخرج الفلسطيني أمين نايفة تجربة مميزة لدعم القضية الفلسطينية من خلال فيلم 200 متر، الذي حصد العديد من الجوائز في المحافل الدولية، إذ عرض لأول مرة عالميًا عبر برنامج "أيام فينيسيا"، في مهرجان فينيسيا السينمائي عام 2020، وتناول هذا الفيلم قصة عائلة فلسطينية فرّقها جدار الفصل العنصري الإسرائيلي حيث صار الأب يسكن في الجانب الفلسطيني، بينما الأم والأبناء في الجانب الإسرائيلي.
وحول التحديات التي واجهته لخروج هذا العمل بعد 8 سنوات، يقول مخرجه: "كانت تجربة طويلة ومليئة بالأحداث والمواقف، لاسيما أن هذا العمل نابع من تجربتي الشخصية، إذ أنني عشت في هذا الفصل العنصري، لأنني ابن إحدى القرى في الضفة الغربية في فلسطين المحتلة عام 1948، وقبل الانتفاضة الثانية، الجدار لم يكن موجودًا، وكانت الحركة سهلة نوعًا ما، ولكن مع الانتفاضة ووجود الجدار بات هناك فصل عنصري، وأصبحت لا أستطيع رؤية عائلتي وأصدقائي، أو التحرك بحرية ووصل الأمر حتى مُنعت من دخول الأقصى، فهذا الواقع المرير الذي عشته في مراهقتي وطفولتي جعلني أتحمس لخوض هذه القصة وتناولها في أول فيلم روائي لي".
ويضيف: "واجهت العديد من التحديات لخروج هذا العمل إلى النور، إذ ظهرت الصعوبة في فكرة تمويل الفيلم خاصة أنها كانت التجربة الروائية الطويلة الأولى لي كمخرج، وبالتالي لا يوجد ممولين، بالإضافة إلى عدم فهمهم فكرة الفيلم، وكذلك عدم اقتناعهم بها، لذا كان الأمر في غاية الصعوبة للحصول على ممول، وأيضًا اعتمادي في الفيلم على الأماكن الحقيقية وبالتالي كان التصوير صعبًا ومتعبًا ولم أتمكن من إعادة اللقطات أو المشاهد في الفيلم بسبب الاحتلال الصهيوني".
من يافا إلى مونتريال أعمال جديدة تحمل توقيعي
رغم أن المخرج الفلسطيني أمين نايفة عانى من صعوبات عدة بين تحضير وتصوير فيلمه حتى خروجه للنور، فإن الفيلم كان انطلاقته الحقيقية إلى عالم السينما وحصد عنه العديد من الجوائز في المحافل الدولية، إضافة إلى ما حققه من تأثير قوي على الجمهور، إذ يقول: "في وسط العتمة تخرج الفرحة وأنا فخور بهذه التجربة التي ظن الجمهور أنه فيلم وثائقي من فرط الواقعية التي تمتع بها العمل، وهو أمر يُحسب لي وميزة كبيرة، خصوصًا أنني قدمت المشهد الفلسطيني بشكل إنساني واضح للجمهور دون اللجوء إلى مشاهد عنف وقتل، فكان شيئًا جديدًا لم يتوقعه أحد وتأثيرًا عظيمًا على المشاهد العربي والغربي".
وحول أعماله الفنية التي يستعد لتقديمها خلال الفترة المقبلة، قال: "لديّ مشروع بعنوان "أول عائد إلى يافا"، إذ يتناول العمل قصة أول عائد ليدفن في وطنه وليس للعيش فيها حيث يتم تهريب جثمانه الممنوع من قبل الاحتلال، وآخر بعنوان "مونتريال"، وهو فيلم عائلي يحكي عن قصة طفل يعيش في بلد غربي، وليس على اتصال بجذوره وهويته ولغته، ولكن الظروف تجبره على العودة إلى بلد والده "جنوب الأردن"، وهناك تبدأ مغامرات هذا الطفل.