الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الشراكة الاستراتيجية.. دوافع زيارة بايدن إلى فيتنام

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي بايدن ونظيره الفيتنامي فو فان ثيونج

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، 10 سبتمبر 2023، إلى فيتنام، عقب مشاركته في قمة مجموعة العشرين بنيودلهي، في إطار الرغبة لإرساء ركائز الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع عدد من الدول المجاورة للصين من بينها فيتنام - العدو القديم للولايات المتحدة الأمريكية - بهدف مواجهة الصعود الصيني في منطقة جنوب شرق آسيا، لا سيما وأن فيتنام التي تحرص على علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين تخشى من هيمنة الصين على بحر الصين الجنوبي والاتجاه نحو عسكرته، وهو ما يتماشى مع المخاوف الأمريكية من ذلك التوجه الصيني.

دوافع متعددة:

تتنوع دوافع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فيتنام، التي يمكن الإشارة إلى أبرزها في العناصر التالية:

(*) إرساء الشراكة الاستراتيجية: تمتلك فيتنام شراكة استراتيجية مع كل من الصين، الهند، روسيا، وكوريا الجنوبية، إلا أن تأطير العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية يخضع لاتفاق الشراكة الشاملة، الذي وقعه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2013، الذي عزز التعاون الثنائي في مجالات الصحة العامة وتقديم المساعدات لخفر السواحل بفيتنام والتعاون في عمليات مكافحة الجريمة عبر الحدود. وفي إطار الرغبة الأمريكية لترفيع العلاقات من مستوى الشراكة الشاملة إلى الشراكة الاستراتيجية، جاء تأكيد الرئيس الأمريكي، خلال الزيارة أن علاقات بلاده دخلت مرحلة جديدة، مضيفًا أن الدولتين توطدان تعاونهما في مجالات الحوسبة السحابية وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، كما تعززان الشراكة بشأن تغير المناخ وحقوق الإنسان، كما شدد على أن فيتنام مهمة للغاية بالنسبة لإمدادات المعادن الحيوية. وأوضح نجوين فو ترونج، الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، أن العلاقات بين فيتنام والولايات المتحدة تم ترقيتها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.

(*) مواجهة الصعود الصيني: يشكل مواجهة الصعود الصيني في منطقة الإندوباسيفيك أحد الدوافع الرئيسية لزيارة بايدن إلى فيتنام، لا سيما وأنها تشترك مع الصين في حدود يبلغ طولها 1300 كيلومتر، إذ يسعى بايدن إلى تطويق الصين من خلال علاقات راسخة تعزز الشراكات الاستراتيجية مع الدول المجاورة للصين، فقد سبق وأن استقبل في غضون الأشهر الماضية، رئيس الفلبين في البيت الأبيض، لأول مرة منذ أكثر من عقد، واستقبل ناريندرامودى، رئيس الوزراء الهندي، في حفل رسمي كبير، كما استضاف رئيسيّ وزراء اليابان وكوريا الجنوبية في قمم تحمل العديد من الرسائل الرمزية في المنتجع الرئاسي الشهير بكامب ديفيد، وربما كان القاسم المشترك في تلك اللقاءات هو مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في آسيا.

الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور

(*) التغلب على إرث الماضي: لا يزال الاحتلال الأمريكي يحتل مكانة بارزة في التاريخ المشترك للدولتين وفي العقل الجمعي لفيتنام تحديدًا، التي حققت انتصارًا تاريخيًا وأجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على الانسحاب من فيتنام بعد تكبيد الجيش الأمريكي خسائر كبيرة. لذلك أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال الزيارة، إلى الخطوات التي تتخذ نحو تحسين العلاقات بقوله "يمكننا تتبع 50 عامًا من التقدم بين بلدينا من الصراع إلى التطبيع، إلى هذا الوضع الرفيع الجديد، وأن الشراكة مع فيتنام جزء من مسعى إدارته، حتى نثبت لشركائنا في منطقة المحيطين الهندي والهادي والعالم، أن الولايات المتحدة دولة في المحيط الهادى ولن تبتعد عنه". فيما عبر جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، عن نفس التوجه بأن زيارة بايدن لهانوي جزء من جهد مستمر منذ عقود للتغلب على الإرث المشترك لحرب فيتنام.

(*) تغيير الموقف الفيتنامي من الأزمة الأوكرانية: تجسد الموقف الفيتنامي من الأزمة الروسية الأوكرانية برفض إدانة الحرب في الأمم المتحدة، كما صوّتت ضد تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان. وتمتلك فيتنام علاقة شراكة استراتيجية مع روسيا، لا سيما في مجالات التعاون الدفاعي والطاقة. ويسعى بايدن من خلال إرساء الشراكة الاستراتيجية مع فيتنام للحد من علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، في إطار الدعم اللا محدود الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا، وسعيها لتكبيد روسيا خسائر بشرية ومادية تجلت في تعدد العقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد الروسي والدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا.

(*) تعزيز دور فيتنام العالمي: تهدف الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز علاقاتها مع فيتنام على أساس أنها دولة محورية في الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى تأمين سلاسل التوريد العالمية من المخاطر المرتبطة بالصين، لا سيما وأن فيتنام تمتلك ثاني أكبر رواسب في العالم من المعادن النادرة، التي تستخدم في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح. وفي إطار حرب الرقائق بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من خلال حرمان بكين من المواد الخام اللازمة لإنتاج الرقائق، يسعى بايدن إلى تعزيز دور فيتنام العالمي في هذا المجال، لاسيما وأن ثمة تصريحات أمريكية تشير إلى أن صناعة أشباه الموصلات هي محور خطة العمل التي اُعتمدت خلال زيارة بايدن لفيتنام.

مسارات محتملة:

في ضوء دوافع الرئيس الأمريكي جو بايدن، لزيارة فيتنام، فإن المسار المحتمل للعلاقات الأمريكية الفيتنامية ربما يرتبط بأحد السيناريوهين التاليين:

السيناريو الأول: هو المسار الأقل احتمالًا أن تعزز الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وفيتنام من أوجه التعاون الثنائي الشامل، بعد أن تم ترقية العلاقات بينهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، ليكون ذلك على حساب شراكات فيتنام الاستراتيجية مع المحور المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية وفي مقدمتها الصين وروسيا، ويتوقف ذلك السيناريو على حسابات هانوي لمصالحها الاستراتيجية، ومدى قدرتها على تحمل الضغوط الدولية من بكين وموسكو.

السيناريو الثاني: هو المسار الأكثر ترجيحًا ويرتبط بتبني فيتنام لعلاقات شراكة استراتيجية متوازنة مع القوى الكبرى: "الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، وروسيا" دون قطيعة مع أي منها فهي تحتاج للتعاون الأمريكي، لمواجهة الخلاقات مع الصين حول الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وتعبره عدوانًا صينيًا عليها، لكنها تحتاج في الوقت نفسه إلى عوائد العلاقات التجارية والاقتصادية مع بكين، باعتبارها الشريك التجاري الأول لهانوي، كما ترتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا في مجال التعاون الدفاعي والطاقة.

مجمل القول إن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فيتنام، التي جاءت عقب مشاركته في قمة العشرين بنيودلهي في الهند، تعكس الرغبة الأمريكية لتنويع روابطها وشراكاتها الاستراتيجية في آسيا، وهي الاستراتيجية التي تعكس التوجه الأمريكي شرقًا لمحاصرة الصعود الصيني عبر احتواء ذلك الصعود، من خلال تعزيز العلاقات الأمريكية بدول جوار الصين، من خلال إرساء ركائز للشراكة الاستراتيجية في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والدفاع والطاقة.