الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد جولة وزير الخارجية الصيني في جنوب شرق آسيا

  • مشاركة :
post-title
جولة وانج يي وزير الخارجية الصيني في جنوب شرق آسيا

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتي جولة وانج ويي، وزير الخارجية الصيني، التي زار خلالها سنغافورة وماليزيا وكمبوديا، في الفترة من 10 إلى 13 أغسطس 2023، بناءً على دعوات وجهت إليه من وزراء خارجية الدول الثلاث، وفقًا لما أعلنته ماو نينج، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية، لتعكس الرغبة الصينية في تعزيز دور رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، ومركزية التوجه الآسيوي في السياسة الخارجية الصينية، فضلًا عن دعم مبادرة الحزام والطريق التي يمر على تدشينها هذا العام عشر سنوات.

أهمية الزيارة

تكتسب الزيارة أهميتها من عدة أوجه أولها أنها تعد الزيارة الأولى الرسمية للخارج لوانج يي، إلى دول جنوب شرق آسيا "سنغافورة، ماليزيا، وكمبوديا"، بعد إعادته لتولي وزارة الخارجية، 25 يوليو 2023 خلفًا لتشين جانج، التي تحمل دلالة رمزية ترتبط بمحورية البعد الآسيوي في السياسة الخارجية الصينية، التي تعد بمثابة الفناء الخلفي للصين، التي تسعى إلى تعميق علاقاتها مع دول القارة الآسيوية.

وثانيها: جاءت سنغافورة المحطة الأولى لجولة وزير الخارجية الصيني، فهي الدولة التي تشهد تنافسًا من قبل القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز علاقاتها بها، إذ تتميز بموقعها الاستراتيجي عند مدخل مضيق ملقا الذي يعد من إحدى مناطق عبور السفن التجارية ذات الكثافة العالية، باعتباره أقصر الطرق مرورًا من بحر الصين الجنوبي إلى المحيط الهندي، كما أن الزيارة تأتي عقب التوتر في بحر الصين الجنوبي، إذ اتهمت السلطات الفلبينية خفر السواحل الصينيين بإطلاق خراطيم المياه على زوارق لخفر سواحلها تنقل عتادًا لجنودها المتمركزين في جزيرة سيكند توماس، التي تسيطر عليها مانيلا في جزر سبراتلي، وهي الجزر التي تشهد تنازعًا عليها بين الفلبين والصين.

وثالثها، أن الجولة تتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن قيود جديدة على الاستثمارات الأمريكية في التقنيات الحديثة بالصين، وهو إجراء من المتوقع أن يعيق تطور التكنولوجيا الفائقة في الصين، كما تتزامن الجولة أيضًا مع توجيه دعوة من أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى نظيره الصيني وانج يي، لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه لم يتلق ردًا من الصين.

محطات الزيارة

جاءت ترتيب جولة وانج يي، وزير الخارجية الصيني، لزيارة الدول الثلاث على النحو التالي:

(*) سنغافورة: شكلت سنغافورة المحطة الأولى لجولة وانج يي، وزير الخارجية الصيني، التي التقى خلالها وزير الخارجية ورئيس الوزراء، إذ تناولت المباحثات تعزيز التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق. وللمفارقة فإن الزيارة لسنغافورة جاءت عقب قرار بايدن بيوم واحد بمنع الاستثمارات الأمريكية في مجال التقنيات الحديثة بالصين، بما جعل وانج يي، وزير الخارجية الصيني، ينتقد خلال لقائه رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونج، قمع الولايات المتحدة للدول الناشئة، واصفًا واشنطن بأنها أكبر مصدر لعدم الاستقرار في العالم، وأن دوافع الولايات للحفاظ على هيمنتها من خلال الأحادية القطبية، وأنها غير مستعدة لرؤية تطور وتنشيط الصين وغيرها من الدول الناشئة، بما يمزق ادعاء أمريكا بشأن المنافسة العادلة، ويجبر البلدان الأخرى على الحمائية أحادية الجانب ضد الصين.

(*) ماليزيا: جاءت ماليزيا المحطة الثانية في زيارة وانج يي، التي اجتمع خلالها مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، كما أجرى محادثات مع زامبري عبدالقادر، وزير الخارجية الماليزي، تناولت مناقشة قضايا التجارة والاستثمار والثقافة والتعليم والجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار الإقليمي، إذ أكد وانج أن الصين تدعم ماليزيا في اتباع مسار تنموي يتفق مع ظروفها الوطنية ولعب دور أكبر في الشؤون الإقليمية والدولية، بما يتطلب تعزيز التواصل والتنسيق، وزيادة الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وحماية المصالح المشتركة المشروعة والتمسك بالأعراف الأساسية التي تحكم الدول. كما تطرق النقاش إلى المشروعات المشتركة، منها بناء مشروع خط سكة حديد الساحل الشرقي ومشروع "دولتان، مجمعان توأمان"، وهما مشروعان رائدان في إطار مبادرة الحزام والطريق، فضلًا عن الـتأكيد أن الصين وماليزيا تحققان تعاونًا جيدًا في مجال تصنيع السيارات، والاقتصاد الرقمي، والطاقة الجديد، واستعداد الصين لتعميق التعاون الثنائي في التكنولوجيا الزراعية والأمن الغذائي واستيراد المزيد من المنتجات عالية الجودة من ماليزيا. من جانبه؛ عبر زامبري عن أن ماليزيا ستواصل دعم البناء المشترك للحزام والطريق وستبذل قصارى جهدها لدفع مشروعات التعاون الرئيسية، كما أن ماليزيا تقدر وتدعم سلسلة المبادرات العالمية التي طرحتها الصين، وتدعو إلى تعايش متناغم بين مختلف الحضارات.

(*) كمبوديا: جاءت كمبوديا المحطة الأخيرة لجولة وزير الخارجية الصيني، التي أكد خلال لقائه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية المكلف سوك تشيندا سوفيا، أن الصداقة التقليدية بين الصين وكمبوديا، التي أقامها الجيل الأقدم من قادة البلدين، متينة ولا تتزعزع، وهي أثمن ثروة للجانبين وتستحق الاعتزاز بها، وأن الصين ستكون دائمًا شريكًا موثوقًا لكمبوديا في السعي إلى تحقيق التنمية والنهضة وداعمًا قويًا، كما أضاف "وانج" أن الصين مستعدة لتعزيز التعاون والتضامن مع كمبوديا، وإثراء إطار التعاون الثنائي "السداسي الماسي"، الذي يُغطي مجالات السياسة، القدرة الإنتاجية، الزراعة، الطاقة، الأمن، والتبادلات الشعبية. من جانبه؛ عبر سوك تشيندا سوفيا عن أن الصين تقدم دائمًا يد العون لكمبوديا في اللحظات الحرجة، لمساعدتها على تحقيق السلام والاستقرار والتنمية والنهضة بما عزز ثقتها وقدرتها على حماية الاستقلال.

دلالات متعددة

تتنوع دلالات جولة وانج يي، وزير الخارجية الصيني، التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) مركزية التوجه الآسيوي: تتمتع الصين والدول الثلاث التي زارها وزير الخارجية الصيني، هي: "سنغافورة، ماليزيا، وكمبوديا"، بعضوية رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، وتأمل الصين في تعزيز تواصلها الاستراتيجي مع دول الرابطة، التي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات الاستثمار والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتجارة الإلكترونية، والاقتصاد الرقمي، وتطوير الطاقة المتجددة ومجالات النقل والقطاع الرقمي والبنية التحتية. وعقدت دول الرابطة قمة وزراء خارجيتها في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، 14 يوليو 2023، وتصنف دول الرابطة بأنها من بين المناطق الأسرع نموًا اقتصاديًا على المستوى العالمي، كما أنها ذات كثافة سكانية مرتفعة، إذ يبلغ عدد سكان دول آسيان العشر مجتمعة 600 مليون شخص، تمتد على مساحة 4.5 مليون كيلومتر مربع، ويقدر إجمالي الناتج المحلي لدول الرابطة 3.1 تريليون دولار أمريكي عام 2020، بما يمثل 9.13 من الناتج المحلي الإجمالي لقارة آسيا. وتتوقع التقديرات الاقتصادية زيادة بـ4.64% بحلول عام 2025، بما يعكس الأهمية المحورية لدول الرابطة على مستوى الاقتصاد العالمي، ما جعلها تستحوذ على نسبة 7% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا و34% في قارة آسيا.

(*) تهدئة التوتر في بحر الصين الجنوبي: يشهد بحر الصين الجنوبي العديد من التوترات ما بين الدول المشاطئة له، إذ تتهم واشنطن الصين بمحاولاتها الرامية إلى عسكرته والهيمنة عليه، بهدف إقامة إمبراطورية ملاحية في المنطقة. وربما تهدف الجولة التي يقوم بها وانج يي، إلى تسوية بؤر التوتر في بحر الصين الجنوبي، الذي تطالب الصين بالسيادة شبه الكاملة عليه. لذلك تجري دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) مفاوضات مع الصين حول مدونة سلوك تهدف إلى تهدئة التوتر في بحر الصين الجنوبي، في ظل عضوية كل من سنغافورة وماليزيا وكمبوديا والصين في تلك الرابطة.

(*) الذكرى العاشرة لمبادرة الحزام والطريق: يسعى وانج يي إلى تعميق التعاون الاقتصادي مع دول جنوب شرق آسيا الثلاث خلال الجولة، وتعد هذه الدول شركاء نشطين في مبادرة الحزام والطريق، التي يوافق هذا العام الذكرى العاشرة لإطلاقها، وبلغت التجارة بين الصين والدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق 964 مليار دولار في النصف الأول من 2023. ووفقًا للرؤية الصينية، كانت دول جنوب شرق آسيا في طليعة الدول التي عملت على دفع رؤية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، كما أنها شريكة مهمة في تعاون الحزام والطريق. وفي إطار تلك الرؤية فإن علاقات الصين مع سنغافورة وماليزيا وكمبوديا حافظت على زخم سليم للنمو. فالصين وسنغافورة أسستا شراكة شاملة عالية الجودة موجهة نحو المستقبل، كما أن الصين وماليزيا توصلتا إلى تفاهمات مشتركة بشأن البناء المشترك لمجتمع مصير مشترك، في حين أن الصين وكمبوديا تعملان على تدشين عصر جديد لبناء مجتمع مصير مشترك عالي الجودة ورفيع المستوى بين البلدين.

(*) تفعيل المبادرات الصينية الدولية: تعلن الصين أنها على استعداد للعمل مع الدول الثلاث لتنفيد مبادراتها العالمية مثل: مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، وتعزيز التعافي الاقتصادي، وحماية السلام والهدوء، وتعميق التبادلات والتعلم المتبادل، وتقديم إسهامات أكبر في إحلال السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة وخارجها.

مجمل القول إن جولة وزير الخارجية الصيني، في سنغافورة وماليزيا وكمبوديا، التي تعد أول زيارة رسمية للخارج له بعد إعادته لمنصبة تعكس مركزية البعد الآسيوي في السياسة الخارجية الصينية، التي تعد مجالها الاستراتيجي والحيوي، والأهمية التي توليها بكين لمبادرة الحزام والطريق، لا سيما وأن الدول الثلاث أعضاء في تلك المبادرة التي تسعى الصين من خلالها، لتوظيف قدراتها الاقتصادية من خلال التشبيك مع دول المبادرة التي تسعى للحصول على منافع المبادرة من الناحية الاقتصادية، كما تسعى الصين لترجمة قوتها الاقتصادية إلى مكانة استراتيجية على المستوى الدولي.