الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل تُحد دعوة "وانج يي" لواشنطن من الصراع الأمريكي الصيني؟

  • مشاركة :
post-title
شي جين بينج وجو بايدن

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

يعكس إعلان أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، مطلع أغسطس 2023، عن توجيهه دعوة إلى وزير الخارجية الصيني وانج يي، لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، تجسيدًا للرغبة في تعزيز التعاون الأمريكي الصيني بعد تزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن صعوبة فك الارتباط بين أكبر اقتصادين لارتباط الاقتصاد العالمي بهما، وأن التنسيق بين الولايات المتحدة والصين ربما يجنب العالم مخاطر المواجهة، في ظل وجود قضايا دولية مشتركة تدفع إزاء ذلك التعاون في مقدمتها التغير المناخي، التحديات الاقتصادية، الأمن الغذائي العالمي، الحد من الانتشار النووي، والنزاعات الدولية المسلحة.

مؤشرات متعددة:

هناك العديد من المؤشرات التي تدفع بمجالات التعاون الأمريكي الصيني إلى آفاق أرحب لعل أبرزها يتمثل في التالي:

(*) الزيارات المتبادلة: تشكل الزيارات المتبادلة في الآونة الأخيرة لمسؤولين رفيعي المستوى أحد ملامح التعاون الأمريكي الصيني، منها زيارة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الصين في يونيو 2023، التي تعد الأولى لمسؤول أمريكي بارز إلى بكين، منذ خمس سنوات، بعد آخر زيارة أجراها مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق، عام 2018.

والتقى بلينكن خلالها عددًا من المسؤولين رفيعي المستوى وفي مقدمتهم الرئيس الصيني شي جين بينج، إذ أكد بلينكن على هامش الزيارة أن واشنطن لا تسعى لتقويض اقتصاد الصين أو القطيعة الاقتصادية معها، في ظل وجود مصالح اقتصادية وتجارية ضخمة بين البلدين. كما شدد الرئيس الصيني شي جين بينج، على احترام الصين للمصالح الأمريكية، وأنها لا تسعى لإزاحتها أو تحديها، وينبغي أن تحترم الولايات المتحدة حق الصين في التنمية وعدم الإضرار بمصالحها. وتماشيًا مع ذلك النهج جاءت زيارة جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، الصين، 6 يوليو 2023، بهدف تعميق وتيرة الاتصالات بين البلدين وتعزيزها وتحقيق استقرار في العلاقات الاقتصادية، وتجنب سوء الفهم.

(*) المصالح الاقتصادية: تشكل شبكة المصالح الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين "يمثلان معًا 40% من الناتج العالمي" دافعًا لتغليب التعاون على الصراع، ويبدو أن ثمة اتفاق ضمني على تجنيب المصالح الاقتصادية التدهور في ظل التنافس الاستراتيجي بينهما، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 2022 ما يقرب من 690 مليار دولار، منها 536 مليار دولار صادرات صينية مقابل 153 مليار دولار صادرات أمريكية. كما أن استثمارات الصين، بحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، تأتي في المرتبة الثانية ضمن قائمة كبار المستثمرين في سندات وأذون الخزانة الأمريكية، التي بلغت في يناير 2023 بنحو 859.4 مليار دولار.

وعبر تصريح وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، خلال زيارتها إلى الصين عن حجم التداخل بين الاقتصادين وارتباطهما باستقرار الاقتصاد العالمي، قائلة: "إن فصل أكبر اقتصادين في العالم من شأنه أن يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، وسيكون من المستحيل عمليًا القيام به".

(*) التعاون عبر الأطر المؤسسية الدولية: تمثل عضوية الولايات المتحدة الأمريكية والصين في عدد من الأطر المؤسسية والتكتلات الاقتصادية الدولية مجالًا، لتعزيز التعاون وبحث القضايا الخلافية، فبالإضافة للأطر التقليدية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والهيئات التابعة للأمم المتحدة، هناك التكتلات الاقتصادية الفاعلة وفي مقدمتها مجموعة العشرين، التي عقدت قمتها الأخيرة في مدينة بالي الإندونيسية، نوفمبر 2022، التي شهدت لقاءً هو الأول بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شى جين بينج، اللقاء الذي مثل بداية لعهد جديد من التنافس التعاوني، يختلف عن تصور إدارة ترامب للعلاقة مع الصين، التي انتهجت العقوبات الاقتصادية مبدأ راسخًا لإدارتها، لذلك جاء تأكيد الرئيس بايدن خلال اللقاء، أنه بإمكان الصين والولايات المتحدة الأمريكية إدارة الخلافات والحيلولة دون تحول المنافسة إلى صراع وإيجاد سبل للعمل سويًا بشأن القضايا العالمية الملحة التي تتطلب التعاون المتبادل، فيما تطلع الرئيس الصيني شي جين بينج للعمل مع نظيره الأمريكي، لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح.

رئيس مجلس الدولة الصيني ووزيرة الخزانة الأمريكية

(*) الأزمة الروسية الأوكرانية: مثلت الأزمة الروسية الأوكرانية مجالًا لاختبار مدى الانخراط الصيني والأمريكي في حروب بالوكالة لتحقيق أهدافهما الاستراتيجية، لكن برغم قيام واشنطن بتقديم الدعم اللا محدود اقتصاديًا وعسكريًا لأوكرانيا، نجحت الصين في تحييد موقفها برغم ترفيع علاقاتها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية مع روسيا. كما قدمت الصين خطة لإحلال السلام في أوكرانيا، اعتبرتها القوى الغربية أقرب لمبادئ عامة للقانون الدولي.

(*) التغيرات المناخية: تشكل التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، التي يأتي في مقدمتها التغير المناخي واستقرار الاقتصاد الكلي العالمي، وتخفيف الديون والأمن الغذائي العالمي، والأمن الصحي من القضايا التي تمثل مجالًا للاهتمام المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لذلك جاء اتفاق الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج، خلال لقائهما على هامش قمة العشرين بمدينة بالي الإندونيسية، نوفمبر 2022، على تمكين كبار المسؤولين من الحفاظ على التواصل وتعميق الجهود البناءة بشأن هذه القضايا وغيرها.

وتحظى قضية التغير المناخي باهتمام البلدين، وتجسد ذلك الاهتمام في زيارة المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون المناخ جون كيري، الصين في 18 يوليو 2023، الذي دعا خلال الزيارة إلى ضرورة تحرك البلدين بشكل طارئ على عدد من الجبهات، لا سيما تلوث الفحم والميثان.

مساران محتملان

على خلفية تنامي آفاق التعاون الأمريكي الصيني، فإن ثمة مساران محتملان لمستقبل العلاقة بين البلدين:

(&) المسار الأول هو المسار التعاوني، ويستند هذا المسار إلى أن لدى البلدين مصالح اقتصادية مشتركة ومتشابكة ومتداخلة، وأن شبكة المصالح التجارية والاقتصادية ستجعل التعاون هو الخيار الأفضل للقوتين العظمتين، لأن تكلفة المواجهة بينهما سينعكس تأثيرها المباشر على تفاعلات الاقتصاد العالمي ككل، لذلك جاء تعبير هنري كيسنجر خلال زيارته الصين، 19 يوليو 2023، في أن تنتقل العلاقات بين الجانبين إلى المسار الإيجابي، مع تأكيده أهمية مبدأ الصين الواحدة.

(&) المسار الثاني وهو الأقرب إلى التحقق، وهو المسار التنافسي أو بتعبير جوزيف ناي مسار التنافس التعاوني الذي يغلب عليه الطابع التنافسي في العلاقة بينهما، لا سيما وأن ثمة قضايا خلافية تعزز التنافس بين الولايات المتحدة والصين، منها الموقف الأمريكي من تايوان التي تعتبرها الصين جزءًا من الأراضي الصينية، وإصرار الولايات المتحدة على زيارات متكررة لمسؤولين رفيعي المستوى من الإدارة الأمريكية إلى تايوان، كانت أبرزها في أغسطس 2022، بزيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي، وأعقبتها الصين بمناورات عسكرية ضخمة في مضيق تايوان. كما يشكل التنافس بين البلدين في منطقة الإندوباسيفيك ملمحًا واضحًا لهذا التوجه، إذ كثفت واشنطن تحالفها الاستراتيجي في المنطقة، منها تحالف أوكوس سبتمبر 2021، الذي يتشكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا، ويهدف إلى تزويد أستراليا بغواصات بتكنولوجيا نووية بهدف مواجهة الصعود الصيني. واعتبرت الصين ذلك التحالف بمثابة عودة لعقلية الحرب الباردة.

واتجهت الولايات المتحدة إلى تشديد إجراءات حصول الصين على المواد الخام اللازمة لتصنيع الرقائق الإلكترونية، وضغطت إدارة بايدن على اليابان وهولندا للانضمام إلى الولايات المتحدة في تقييد بيع معدات تصنيع الرقائق الرئيسية إلى الصين، ورغم مساعي التقارب وقع الرئيس الأمريكي أمرًا تنفيذيًا، 9 أغسطس 2023، يفرض قيود على الاستثمارات الأمريكية الجديدة في الصين بقطاعات تكنولوجية حساسة، مثل الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية المتطورة والحوسبة الكمية. كما تبدي واشنطن قلقها من الاستثمارات الصينية في بعض الموانئ في الشرق الأوسط، ومن الدور المتزايد والنشط للصين في إفريقيا التي تشهد تنافسًا بين القوى الكبرى.

مجمل القول إن التنافس التعاوني هو الوصف الواقعي لعلاقة واشنطن وبكين، فبرغم التصريحات المعلنة بين الجانبين عن أهمية التعاون، يبقى التنافس هو الملمح الأهم لمسار تلك العلاقة، لا سيما وأن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو محاصرة الصين ومنع صعودها لقمة النظام الدولي، ومنع تغيير قواعده للحفاظ على التفوق الأمريكي. في حين تسعى الصين لترجمة قوتها الاقتصادية البازغة إلى مكانة في تراتبية النظام الدولي حتى تتحقق الصيرورة التاريخية في هبوط وصعود الأمم.