تُعد القمم الدولية فرصة فريدة للدول المضيفة لإبراز دورها السياسي والدبلوماسي على الساحة العالمية. ويأتي انعقاد قمة شرم الشيخ للسلام في لحظة شديدة الحساسية، تتداخل فيها الحسابات الإقليمية والدولية منذ بدء حرب غزة في 7 أكتوبر 2023 وما أعقبها من توترات وتصعيد شهده إقليم الشرق الأوسط خلال عامين.
وفي هذا السياق، تثور العديد من التساؤلات في مقدمتها؛ ما المكاسب الإقليمية والدولية التي يمكن أن تحققها قمة شرم الشيخ للسلام؟.. وإلى أي مدى يمكن أن ينعكس ذلك على تعزيز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا؟
دلالات مهمة
تمثل قمة شرم الشيخ للسلام تتويجًا لنجاح جهود مصر في التوصل لاتفاق شرم الشيخ الذي تم التوصل إليه في 8 أكتوبر الجاري بين إسرائيل وحركة حماس برعاية مصرية قطرية أمريكية، فهذا الاتفاق يمثّل محطة فارقة في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد منذ أكثر من سبعة عقود. فقد جاء هذا الاتفاق بعد حرب مدمرة بين إسرائيل وحماس استمرت عامين، خلّفت دمارًا واسعًا في قطاع غزة، وأحدثت ضغوطًا إنسانية غير مسبوقة. ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار في مرحلته الأولى لوقف إطلاق النار، فإنه يتجاوز في دلالاته الطابع الإنساني إلى كونه مقدمة لتحول سياسي محتمل في إدارة قطاع غزة ومستقبل العلاقة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، في ظل توازنات إقليمية ودولية متشابكة. وفي ضوء ذلك، يمكن تحديد بعض دلالات انعقاد القمة بالنسبة لمكانة مصر فيما يلي:
(*) تعميق مكانة مصر كقطب وساطة إقليمي: يعزز استضافة مصر قمة دولية بمشاركة قادة دوليين من مكانتها كجهة قادرة على جمع أصحاب المصلحة حول طاولة واحدة، لذلك تؤكد هذه القمة قدرة القاهرة على إدارة التناغم بين مواقف الدول المشاركة وتقديم آليات توازن بين مصالح الأطراف المختلفة.
(*) توسيع نطاق التأثير السياسي والدبلوماسي للقاهرة: تساهم مشاركة الولايات المتحدة ودول غربية وعربية وإسلامية، في تعزيز جهود الوساطة المصرية بين إسرائيل وحماس لتصبح منصة لإطلاق آليات تنفيذية متعددة الأطراف. فاستضافة القمة برئاسة مشتركة بين مصر والولايات المتحدة تعزز من شأن القاهرة دبلوماسيًا وتدعم دورها كلاعب مركزي في ملفات الإقليم.
(*) ربط البُعدين الإنساني بالسياسي: تدعم قمة شرم الشيخ الجهود المصرية فيما يتعلق بدمج ملفات تبادل الأسرى ودخول المساعدات، إلى جانب إطلاق مسارات إعادة الإعمار ضمن إطار سياسي دولي.
مكاسب إقليمية
يمكن أن تساهم قمة شرم الشيخ للسلام في تحقيق العديد من المكاسب على مستوى منطقة الشرق الأوسط، ويتمثل أهم هذه المكاسب فيما يلي:
(-) إنهاء الحرب على غزة وتداعياتها: تستهدف القمة بالأساس وقف شامل لإطلاق النار في غزة، وإطلاق مرحلة انتقالية للإشراف على إعادة إعمار القطاع، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز الاستقرار في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط، ويقلل من التصعيد الذي امتد بالفعل لدول أخرى في الإقليم على مدار أكثر من عامين.
(-) إشراك دول إقليمية في ملف غزة: تُسهم القمة في بحث ملف الحرب على غزة من خلال سعي دول أخرى وأطراف إقليمية ودولية لإنهائها، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع تستند إلى التشاور الإقليمي وليس فقط المواجهة المباشرة.
(-) إعادة إعمار وتنمية غزة بعد الحرب: تساعد القمة في تحديد آلية لإدارة إعادة الإعمار في غزة، الأمر الذي من شأنه وضع أساسات تنموية تساهم في إعادة بناء وتأهيل البنية الأساسية والخدمية، ما يدعّم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي داخل غزة والمنطقة.
(-) تحسين الوضع الإنساني في غزة: من المتوقع أن تُسهم القمة في فتح المعابر أمام المساعدات، وتخفيف الحصار، وضمان دخول الإمدادات وتسهيل عودة النازحين، ما يُقلل المعاناة الإنسانية ويحسّن الأحوال المعيشية في غزة.
مكاسب دولية
يمكن أن تسهم قمة شرم الشيخ للسلام في تحقيق العديد من المكاسب على المستوى الدولي؛ تتمثل أهم هذه المكاسب فيما يلي:
(&) رسالة قوية للتعاون متعدد الأطراف بشأن إنهاء الحرب على غزة: تجمع القمة العديد من القوى الإقليمية والدولية الكبرى، وهذا يدل على رغبة دولية في التعامل مع الملفات من خلال الدبلوماسية والتفاوض بدلًا من القوة فقط، الأمر الذي يعزز من شرعية الإطار الناظم لهذه القمة وهو إنهاء الحرب تحت مظلة دولية.
(&) إعادة صياغة الأجندة الدولية للقضية: تشكل القمة نقطة تحول في كيفية معالجة الأزمة الفلسطينية بإشراك الأطراف الدولية وتقديم خطة لما بعد الحرب على غزة تتضمن نقاطًا واضحة؛ مثل وقف النار والإعمار والمساعدات وإيجاد أفق سياسي لحل الدولتين.
(&) التخفيف من الضغوط الدولية على الدول المعنية بالحرب على غزة: تثير القضايا الإنسانية في غزة ضغوطًا داخلية كبيرة على الحكومات بالمسؤولية الأخلاقية، فمن شأن إنجاز مسار شرم الشيخ لوقف إطلاق النار وإحلال السلام، أن يوفر إطارًا مقبولًا للدول المعنية وفي الرأي العام فيها.
(&) تحقيق استقرار المنطقة يدعم المصالح الدولية: يعد الاستقرار في الشرق الأوسط مهمًا لدول العالم سواء من الناحية الأمنية والاقتصادية باعتبارها محورًا رئيسيًا في مسارات التجارة العالمية وتستحوذ على ثروات نفطية هائلة، إلى جانب ما تحمله حالة عدم الاستقرار الأمني من مخاطر تدفق واسع للاجئين إلى أوروبا، وبالتالي فإن نجاح القمة سيُسهّل تقليل المخاطر المرتبطة بالحرب على غزة وتداعياتها الدولية.
الانعكاسات على مكانة مصر
في ضوء ما سبق تناوله، يمكن استخلاص الآثار المحتملة لاتفاق شرم الشيخ وقمة السلام على تعزيز مكانة مصر من خلال البُعديين التاليين:
(*) البُعد الإقليمي: لطالما لعبت مصر دور الوسيط التاريخي في القضية الفلسطينية واستضافتها لقمة شرم الشيخ تؤكد استمرار هذا الدور وتعميقه. القمة، التي تجمع أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، تُمثل إشارة قوية على ثقة الأطراف الدولية في مصر كوسيط موثوق، قادر على تجميع الفرقاء ومحاولة بناء توافقات.
فنجاح القمة، حتى على مستوى تهدئة أولية أو اتفاق مرحلي، يعزز مكانة مصر كقوة عربية قادرة على التأثير في المشهد الفلسطيني الإسرائيلي، وسط تراجع دور دول أخرى أو انشغالها بقضايا داخلية. كذلك، فإن التنسيق مع دول الخليج والأردن والسلطة الفلسطينية يعزز صورة القاهرة كداعم رئيس للقضية الفلسطينية، وهو ما يكسبها احترامًا شعبيًا ورسميًا في العالم العربي.
(*) البُعد الدولي (تعزيز صورة الدولة المصرية القادرة على القيادة وتحقيق التوازن عالميًا): تمنح استضافة مصر لقمة بهذا الحجم وفي توقيت بالغ التعقيد، دفعة في المشهد الجيوسياسي العالمي، إذ يُنظر إليها كدولة قادرة على جمع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودول إقليمية كتركيا والسعودية.
كما أن مشاركة شخصيات ذات ثقل دولي (مثل الرئيس الأمريكي ترامب والعديد من القادة العرب والأوروبيين وأمين عام الأمم المتحدة) يُعطي القمة ثِقلاً سياسيًا كبيرًا، ما ينعكس بدوره على صورة مصر كركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار والسلام العالمي في ضوء مكانتها المستقلة، قادرة على التواصل مع مختلف الأطراف دون أن تُختزل في محور سياسي واحد. إضافة إلى ذلك، تُسهم هذه القمة في الترويج لمصر كدولة مستقرة وآمنة قادرة على تنظيم أحداث دولية كبرى، ما يدعم صورتها أمام المستثمرين وشركاء التنمية في الغرب والشرق.
وفي النهاية، يمكن القول إن قمة شرم الشيخ 2025 تمثل لحظة سياسية مفصلية لمصر وإقليم الشرق الأوسط والعالم، وتؤكد على دورها التاريخي كقوة إقليمية ووسيط موثوق في النزاعات الكبرى، خصوصًا إذا أفرزت نتائج حقيقية تنعكس على الأرض. فنجاح القمة أو تحقيق اختراقات أولية في ملف الحرب على غزة، سيعزز مكانة مصر إقليميًا ويرسخ صورتها كفاعل دولي متوازن الرؤى والتصورات. ورغم الإيجابيات والمكاسب المحتملة لقمة شرم الشيخ للسلام إقليميًا ودوليًا، سيظل تحقيق أهدافها مرتبطًا بمدى ما تُحققه فعليًا هذه القمة بشأن توحيد الرؤى والتصورات إزاء كيفية إنهاء هذه الحرب وإدارة غزة في المرحلة التالية في إطار شامل لتحقيق الاستقرار في المنطقة. ويظل التحدي الأكبر لهذه القمة في مدى صدق النوايا وتحويل مواقف الدول المشاركة إلى التزامات ميدانية تنهي مأساة حرب غزة وما ارتبط بها من تداعيات إقليمية ودولية.