الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات الاعترافات الدولية بفلسطين على عملية السلام في الشرق الأوسط

  • مشاركة :
post-title
السفارة الفلسطينية في لندن

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

في خطوة تعطي زخمًا إضافيًا لمسار حل الدولتين أعلنت كل من المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال في 21 سبتمبر 2025 اعترافها رسميًا بدولة فلسطين، قبيل ساعات من انطلاق أعمال الشق رفيع المستوى للدورة 80 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤتمر حل الدولتين الذي ترأسه المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية.

الوضع الراهن للقضية الفلسطينية يعكس إدراكًا عميقًا ببلوغ مرحلة جديدة يسعى فيها مختلف الأطراف لحل الصراع جذريًا وعدم قابلية استمرار الدوران في فلك إدارته، ففي موازاة مساعي تغليب الحل السياسي ضمن مسار حل الدولتين، تسعى إسرائيل على الجانب الآخر لحسم الصراع بتهجير الفلسطينيين وتسريع وتيرة التهويد والضم للقدس وأراضي الضفة الغربية لمنع إقامة دولة فلسطينية.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي الانعكاسات المحتملة للاعتراف الدولي بفلسطين على عملية السلام في الشرق الأوسط ومحددات نجاح ذلك المسار في تجسيد الدولة الفلسطينية المأمولة.

ديناميكية جديدة

مع دورات متواترة من التصعيد والمفاوضات وصولًا إلى انسداد الأفق التفاوضي، قادت متوالية التصعيد لاندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر 2023 وما تلاها من حرب إبادة جماعية تشنّها إسرائيل ضد سكان القطاع. وعاد حل الدولتين إلى صدارة الأجندة الدولية كسبيل وحيد لإنهاء الصراع بمعالجة جذوره التاريخية رغم ما مر به مسار المفاوضات من انتكاسات منذ اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين 1995 وحتى تجميد المفاوضات من الجانب الإسرائيلي في 2014، بينما نمت حركة الاستيطان في الضفة الغربية بصورة مطردة حتى بلغت نحو 140 مستوطنة مرخصة حكوميًا ونحو 200 بؤرة استيطانية، قبل أن تلجأ حكومة نتنياهو لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم لفصل شمال الضفة الغربية المحتلة عن جنوبها، بإيعاز من وزير المالية والوزير الثاني في وزارة الدفاع المسؤول عن الشؤون المدنية والمشرف على تنسيق أنشطة الحكومة بالضفة الغربية بموجب اتفاق مع وزير الدفاع السابق يوآف جالانت في فبراير 2023.

ويمكن النظر في خارطة الاعترافات الدولية الجديدة في سياق المؤشرات التالية:

(*) خارطة جديدة للسلام: ترسم الإعلانات المتوالية للاعتراف بدولة فلسطين رؤية مغايرة لنهج الحكومة الإسرائيلية في استمرار الصراع على أساس تقويض فرص إقامة الدولة الفلسطينية وخلق الظروف الملائمة لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية مع استمرار ضم الأراضي المحتلة. كما تهدف الاعترافات والموافقة على إعلان نيويورك إلى تعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية ودعم استقلالها المالي، في سياق التزام الأخيرة بحل الدولتين والاعتراف بإسرائيل وتحييد الفاعلين الفلسطينيين غير المنضوين لمنظمة التحرير عن اليوم التالي في غزة والضفة، مع الالتزام بتقديم ضمانات أمنية لإسرائيل وفلسطين على السواء، ودعم السلطة الفلسطينية ببعثة أممية مؤقتة لدعم الاستقرار وحماية الحل الدبلوماسي القاضي بإنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

(*) تعزيز الضغوط لإنهاء حرب غزة: مع رمزية مسار الاعترافات الدولية إلا أنه يعزز المواقف الدبلوماسية للأطراف العربية والدولية الراغبة في إنهاء المعاناة الإنسانية في غزة بوقف الحرب وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع وعودة المحتجزين وضمان ألا تكون حركة حماس جزءًا من ترتيبات اليوم التالي في غزة. وعلى الرغم من المراوحة الأمريكية بين رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية وغياب الضغوط الدبلوماسية لإنهاء الحرب أو طرح خطة تحظى بإجماع عربي ودولي لتسوية الحرب، تأمل الدول الفاعلة أن تقود ضغوط الاعترافات الدولية إدارة ترامب على اتخاذ خطوات جادة لإنهاء الحرب والضغط على إسرائيل لعدم تأجيج التوترات سواء في الضفة الغربية أو تفجير الوضع الإقليمي المتأزم من لبنان واليمن إلى إيران.

(*) شراكات جديدة: يخلق المسار الأممي آلية دولية جديدة لتحقيق السلام تعتمد على وجود صيغة متعددة الأطراف تتعلق بدعم التعايش بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية عبر خلق ضمانات أمنية للطرفين وتبني صيغة للتكامل والاندماج الإقليمي المعزز بحضور قوى دولية وازنة قد تعالج تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بصنع القرار الدولي عمومًا ونزوع الإدارة الحالية للتقليل من أهمية التنسيق مع القوى الأوروبية والغربية الأخرى خصوصًا. وتمثل إعادة الانخراط البريطاني والفرنسي في عملية السلام بالشرق الأوسط أولى ثمار ذلك التوجه، وخاصة أن البلدين يرتبطان بروابط وثيقة مع إسرائيل حيث ساهمت الأولى في إنشاء الدولة وبالتالي في اجترار ظلم تاريخي للشعب الفلسطيني على مدار سنوات الصراع والأخرى شاركت بخبراتها العلمية في إنشاء البرنامج النووي الإسرائيلي، مما يعزز من المسئولية التاريخية والأخلاقية ليس فقط في الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإنما بتجسيد تلك الدولة على أرض الواقع مع خلال شراكات خلاقة مع دول المنطقة على غرار الجهد السعودي الفرنسي المشترك في رئاسة مؤتمر حل الدولتين.

محددات وعوائق

على الرغم من إيجابيات الاعتراف الدولي في تعزيز الضغوط الدبلوماسية التي تعزل إسرائيل في الأمدين المتوسط والبعيد، لا تظهر الحكومة الإسرائيلية تراجعًا أو مساومة في الأهداف الأيديولوجية لليمين المتطرف، إذ يرتبط أي مسار دولي بتحقيق ثلاث أهداف أساسية تبدأ من وقف إطلاق نار دائم وغير مشروط في غزة والشروع في مناقشة ترتيبات إقليمية شاملة بمشاركة الأطراف الفاعلة والقوى الدولية الرئيسية وبالتالي محاصرة أي خيار عسكري يؤجج التوترات وينذر بإشعال منطقة الشرق الأوسط وخلق توازن جديد يعزز الأمن والاستقرار الإقليميين.

ويمكن الوقوف على عوائق المسار الدبلوماسي على النحو التالي:

(&) السلوك الإسرائيلي: لم يخرج مسار الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي سوى بعد التفخيخ الإسرائيلي الممنهج لعملية السلام بدءًا من تجميد المفاوضات وصولًا للاستيطان المتواصل في مختلف الأزمنة والحكومات، إذ لم يعد المشروع الصهيوني يحظى بتعاطف ودعم دولي كما كان الأمر في السابق، خاصة في سياق التوحش الإسرائيلي الراهن في غزة والضفة الغربية وعدم وجود مشروع سياسي بديل عن استمرار الإبادة والتجويع والحصار وبالتالي عدم قابلية أي حكومة إسرائيلية مقبلة لإبداء مرونة باستئناف مسار المفاوضات دون وجود ضغط دولي جاد. ومن المحتمل أن يؤدي الاعتراف الدولي لاتخاذ إجراءات أكثر عدوانية وعنفًا كان في مقدمتها مشروع "E 1" الرامية لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس وهي أكبر مستوطنة في الضفة الغربية ويقطنها ما يربو على 40 ألف مستوطن، وقد يمهّد ذلك لضم المستوطنة وترسيخ فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.

(&) توسيع عملية السلام: إن الولوج إلى السلام الدائم والعادل في المنطقة لا ينبغي أن يظل رهين الإرادة الأمريكية أو "حُسن النوايا" المفقود من الجانب الإسرائيلي، وإنما يرتبط بعملية أممية يشارك فيها عدد من القوى الدولية الفاعلة مع أدوار محفزة للقوى الإقليمية تضمن معالجة الخلل في توازن القوى الإقليمي، وذلك عبر العودة لصيغة دولية متعددة الأطراف على غرار الرباعية الدولية أو غيرها من الآليات التي تعزز مصداقية عملية السلام المتجددة دون الدخول في استقطابات الصراع الروسي الأوكراني، وهو ما يتطلب دورًا أكبر للاتحاد الأوروبي إلى جانب روسيا والصين رغم خفوت دورهما في الملف الفلسطيني.

(&) الضمانات الأمنية طويلة الأمد: على الرغم من انحيازها المطلق لإسرائيل في مطالباتها لإنهاء حرب غزة والتماهي مع الأجندة الإسرائيلية في المنطقة، إلا أن إدارة ترامب ترغب في إنهاء حرب غزة وإيجاد مخرج يمكنه من انتزاع إنجاز رئيسي في سياسته الخارجية مع دفع إسرائيل للقبول بالحد الأدنى من مطالبها عبر إيجاد تسوية تقبلها الأطراف العربية والإسلامية. ويمثل البُعد الأمني عامل رئيسي من الممكن أن يساهم في إنجاح سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وهو ما يرتبط جزئيًا بحجم التفاهمات التي قد يتوصل إليها واشنطن مع العواصم العربية والإسلامية بشأن إيجاد تسوية في غزة تضمن عودة السلطة الفلسطينية لممارسة مهامها في الأمد القريب مدعومة بقوات عربية ودولية وأن تقد التزامًا واضحًا برفض مخطط التهجير وإن لم يترافق ذلك مع تغير سياسة الإدارة الحالية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين.

وعلى الجانب الآخر تحتاج المنطقة لالتزام أمريكي واضح بالحلول الدبلوماسية للأزمات الإقليمية وقبول مبادرات الأطراف العربية والإقليمية الفاعلة لحلحلة الملف الإيراني وفك الارتباط الإقليمي بأجندة إسرائيل تجاه الملفات السورية واللبنانية واليمنية التي تهدد بزعزعة استقرار ليس فقط تلك الدول، وإنما أمن دول الخليج العربي الحليفة وأمن الطاقة والممرات الملاحية بالمنطقة كذلك.

وإجمالًا؛ رغم أهمية الاعترافات الدولية لمعالجة الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني وإعطائه حقوقه المشروعة في بناء دولته المستقلة وتعزيز حقوق تلك الدولة تمهيدًا لحصولها على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، إلا أن تلك الاعترافات من المهم أن تترافق مع إجراءات جادة وفعّالة لإجبار إسرائيل على الانسحاب الكامل وغير المشروط من قطاع غزة ووقف الاستيطان والإجراءات غير المشروعة لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.