الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل لا تزال خطة السيطرة على غزة من أولويات إدارة ترامب؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

أثارت الوثيقة التي كشفت عنها صحيفة "واشنطن بوست" بشأن مستقبل غزة في 31 أغسطس 2025، العديد من المخاوف إزاء استثمار الإدارة الأمريكية فيما تحققه الآلة العسكرية الإسرائيلية، التي كانت أولى ثمارها تصريحات الرئيس دونالد ترامب بالسيطرة على غزة وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط. تأتي تلك التطورات مع تصاعد لهجة الرئيس الأمريكي تجاه الفصائل الفلسطينية وتأييد "الضغط العسكري الإسرائيلي" لإلحاق الهزيمة بحماس ورفض المقترحات الجزئية لوقف إطلاق النار مقابل إبرام صفقات تبادل، بالتوازي مع تقييد التواصل مع السلطة الوطنية الفلسطينية ورفض منح الرئيس محمود عباس والدبلوماسيين الفلسطينيين تأشيرات دخول لنيويورك في إطار الضغط لمنع الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي الرؤية الأمريكية الإسرائيلية لليوم التالي في غزة استنادًا للوثيقة التي كشفت عنها صحيفة "واشنطن بوست" وأبعاد رؤية ترامب بشأن "الوصاية" على قطاع غزة.

محددات الرؤية

جاءت الوثيقة التي نشرت عنها للمرة الأولى صحيفة "فينانشال تايمز" البريطانية في 6 يوليو الماضي وحصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست"، وتقع في 38 صفحة، في إطار رؤية مدعومة من مجموعة رجال أعمال إسرائيليين بقيادة ميشيل أيزنبرج وليران تانكمان، وتشمل مشروع صندوق التحول الاقتصادي وإعادة تأسيس غزة، أو ما يُعرف اختصارًا بـ"GREAT Trust"، الذي يشهد تعاونًا بين مجموعة بوسطن للاستشارات التي تقف خلف تطوير "مؤسسة غزة الإنسانية" ومعهد توني بلير للتغير العالمي.

(*) الخلفية القانونية: يروّج مخططو المشروع وفق ما نشرته "واشنطن بوست" إلى أن فكرة الوصاية الأمريكية تستند للأعراف القانونية الدولية التي كانت سائدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأسفرت عن مشاريع إعادة بناء ضخمة على غرار مشروع مارشال الأوروبي وخطة الجنرال دوجلاس ماك آرثر في اليابان، وبالتالي تمهّد الرؤية لنقل "السيطرة الإسرائيلية" على قطاع غزة إلى الوصاية الأمريكية، إلى جانب تملك الصندوق لنحو 30% من أراضي القطاع التي تمثل ملكية عامة كضمان لتمويل تكاليف المشروع المخطط.

(*) الكتلة السكانية: تشمل التسريبات الأولى للمشروع وفق ما ورد في "فاينانشال تايمز" تهجير نحو نصف مليون فلسطيني من قطاع غزة تحت مسمى "الهجرة الطوعية" والوعود بحياة أكثر أمنًا، وإعطاء كل مهاجر 5 آلاف دولار نقدًا ووعودًا بدفع بدل إقامة لمدة أربع سنوات في أي مكان آخر خارج غزة مقابل حقوق نقل ملكيتهم في عملية إعادة بناء القطاع، وهو ما سيوفر على الصندوق المقترح نحو 23 ألف دولار لكل شخص من تكاليف إدخال المنازل المؤقتة وخدمات دعم الحياة للنازحين داخليًا بعد إعادة تجميعهم في "مناطق آمنة" مع حق الحصول على المساعدات الغذائية.

(*) المدن الذكية والاستثمارات الخاصة: تتضمن الوثيقة إنشاء من 6 إلى 8 مدن حديثة وذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي في أنحاء وسط القطاع بارتفاع 10 طوابق، ويقدم المشروع وعودًا للغزيين الذين اختاروا البقاء أو الذين اختاروا اللجوء المؤقت والعودة حين انتهاء الصراع بتوفير مليون وظيفة وتملك شقق سكنية بمساحة 1800 قدم مربع (167.22 متر مربع تقريبًا) تبلغ قيمتها 75 ألف دولار، حسب "واشنطن بوست".

(*) ترسيخ الحضور الأمريكي: تمنح الخطة الولايات المتحدة موقع القيادة في تطوير وإعادة بناء قطاع غزة عبر توليها الوصاية على القطاع أو ما يتبقى منه لمدة 10 سنوات في إطار خطة تستهدف الحصول على دعم مالي وسياسي وأمني عربي، في إطار إعادة إحياء مسار الاتفاقيات الإبراهيمية؛ حيث تسمي الوثيقة المركز اللوجيستي الإقليمي المقترح بـ"بوابة إبراهيم" التي ستسيطر عليها الولايات المتحدة وتشرف على دعم محور الهند-الشرق الأوسط-أوروبا عبر تدشين 10 مشاريع رئيسية من بينها إقامة مشروع "ريفييرا الشرق الأوسط" بالجزر الاصطناعية والنخيل على امتداد ساحل غزة بما يشبه مدينة دبي، وعلى الحافة الشمالية الشرقية للقطاع تُقام مناطق صناعية ذكية على رأسها مصانع لإنتاج السيارات الكهربائية والتي كانت في بداية المناقشات بين مارس وإبريل الماضيين تحمل اسم مؤسس شركة "تسلا" إيلون ماسك.

كما تهدف الخطة للحصول على الدعم الخليجي من خلال اقتراح محاور الطرق السريعة التي تخترق وسط القطاع بأسماء رئيس دولة الإمارات وولي عهد المملكة العربية السعودية، وجذب الاستثمارات الكبرى لإنشاء مراكز بيانات أمريكية في أقصى جنوب شرق القطاع، بالتوازي مع محور البنية التحتية الإبراهيمية بين غزة وإسرائيل والخليج، كما تتضمن تدشين ميناء بحري ومطار دولي وتدشين منشأة لتحلية مياه البحري في أقصى جنوب القطاع.

10 مشاريع ضخمة لغزة
خيارات التطبيق وتحديات الشرعية

تحمل الخطة في صيغتها الحالية عوامل جذب كبيرة للإدارة الأمريكية، فهي تخدم نموذج ترامب للسلام الاقتصادي، الذي يحقق مصالح الولايات المتحدة ويعيد تموضعها في بيئة من المأمول أن تكون أكثر أمنًا وتحقق مكاسب مؤكدة للحكومة الفيدرالية مع عدم تحملها تكاليف تمويلية مباشرة، فضلًا عن قدرة المشروعات المقترحة وفق الوثيقة على توليد أرباح بنحو 4 أضعاف المبلغ المقترح، الذي يبلغ 100 مليار دولار بعد 10 سنوات. كما تضمنت الإيحاء بعدم معارضة القانون الدولي من خلال اقتراح الوصاية الأمريكية وحق تطوير غزة بصيغة تعاقدية مع سكان القطاع مع تقييد خيار "التهجير القسري" لنسبة من سكان القطاع، واقتطاع المناطق الطرفية لصالح تدشين بنية تحتية إقليمية تخدم إحياء مسار السلام الإبراهيمي.

ومع تلك الاعتبارات، وطرح ذلك المشروع على إدارة ترامب خلال اجتماع الرئيس وأركان إدارته مع عدد من الفاعلين المنخرطين في رسم خريطة ما بعد حرب غزة ومن بينهم مبعوث ترامب للشرق الأوسط في ولايته الأولى جاريد كوشنر ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في 27 أغسطس 2025 حسب موقع "أكسيوس"، فإن مشروع إعادة بناء القطاع وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية المطروحة تعترضه العديد من العوامل:

(&) غياب الشرعية القانونية: على الرغم من الطرح الذي استندت إليه الوثيقة بفرض الوصاية الأمريكية، إلا أن سجالًا قانونيًا ودوليًا يظل مفتوحًا حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، فلا تمتلك القوة القائمة بالاحتلال الحق في التصرف بالأراضي المحتلة وبملكيتها. كما لا يجوز النقل القسري للسكان خارج نطاق الأراضي المحتلة، وتقيد اتفاقية جنيف الرابعة في المادة (49) نقل السكان المدنيين داخل القطاع المحتل أو خارجه بغرض الحماية من الأعمال الحربية وتشترط إعادتهم فور توقف العمليات الحربية. كما تُنكر الخطة أي حق لسكان القطاع من الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

(&) غياب الدعم الدولي: تفترض الخطة دعمًا ماليًا وأمنيًا عربيًا دون وجود أي التزام بالعودة للمسار السياسي الذي ارتضته الشرعية الدولية عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع وجود ضمانات أمنية لتنفيذ حل الدولتين لشعبين في أن تنتشر قوات عربية وأممية لحماية الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وهو ما يمثل ضمانة دولية لكلا الدولتين، من خلال وجود سلطة وطنية موحدة تحتكر حمل السلاح في الداخل الفلسطيني.

(&) المحدد الزمني: على الرغم من عدم وجود ضمانات كافية لأن تلعب الولايات المتحدة دورًا كافيًا لكبح جماح الآلة العسكرية الإسرائيلية من فرض الأمر الواقع على الأرض خلال أشهر الحرب، ناهيك عن إيجاد مكاسب استراتيجية أمريكية في نهاية الحرب، فإن تأمين تنفيذ تلك الخطة يتطلب إنهاء العمليات الحربية واستسلام المقاومة الفلسطينية ونجاح الضغوط لمنع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقبول المجتمع الدولي بالخطة، وذلك بالتوازي مع استكشاف محاولات نقل وتهجير السكان الفلسطينيين للعديد من الدول التي تعاني أزمات داخلية وصراعات مسلحة أو تشهد تعاطفًا شعبيًا مع القضية الفلسطينية وتعي مخاطر تصفيتها.

ويظل أن استمرار أسباب الصراع في فلسطين والمنطقة بالتوازي مع عدم وجود وجهات ثالثة قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الفلسطينيين تحت ضغط الدبلوماسية العربية والأوروبية قد تفشل تلك الخطة بشكلها الحالي، خاصة في حال سقوط حكومة نتنياهو التي تسعى لترحيل الفلسطينيين إلى بعض الوجهات الإفريقية مثل جنوب السودان مقابل الدعم المالي، وإقليم أرض الصومال الانفصالي مقابل الاعتراف الأمريكي باستقلاله، بالتوازي مع احتمالات تغير المعادلة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي نهاية 2026.

وإجمالًا؛ تظل الخطة المطروحة لمستقبل غزة، التي كشفت عنها "واشنطن بوست"، نسخة أولية قيد المناقشة داخل أروقة البيت الأبيض، وعلى الرغم من الأهمية المركزية للقوى العربية في رسم مستقبل غزة، فإن الخطة لم تتضمن إشراك أطراف عربية في المناقشات الأولية وحتى اجتماع 27 أغسطس 2025، بالتوازي مع وجود بصمات إسرائيلية واضحة في صياغة المقترح عبر مجموعات الضغط ورجال الأعمال الأمريكيين الإسرائيليين ومداولات وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مع المسؤولين الأمريكيين.

وتكمن أهمية الخطة المصرية لإعادة الإعمار في تفردها بوضع نموذج للحوكمة يسند مسؤولية إدارة القطاع لحكومة تؤول صلاحياتها للسلطة الوطنية بهدف توحيد الأراضي وتجسيد الدولة الفلسطينية في إطار زمني محكم، كما أنها تتوافق مع مقررات الشرعية الدولية. وتمثل الجهود الدبلوماسية المصرية والعربية حجر الزاوية في قطع الطريق على أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم أو تمرير مخططات تخريبية تساهم في توسيع رقعة الصراع وخلق بؤر توتر جيوسياسية جديدة في مناطق البحر الأحمر والقرن الإفريقي.