في خطوة جريئة تهدف إلى معالجة العجز المتزايد في الميزانية، كشفت الحكومة الفرنسية عن خطة مالية تقشفية لعام 2025 تستهدف بشكل أساسي الشركات الكبرى، ووفقًا لصحيفة "بوليتيكو"، تسعى هذه الخطة لجمع ما لا يقل عن 13 مليار يورو من خلال زيادة الضرائب وتقليص الإعفاءات.
هذا التحول الكبير في السياسة المالية يأتي كجزء من مشروع قانون المالية (PLF) وقانون تمويل الضمان الاجتماعي (PLFSS) للعام المقبل؛ مما يشير إلى تغيير جذري في نهج الحكومة تجاه تمويل الميزانية.
الدوافع وراء الميزانية التقشفية
يبرر وزير الاقتصاد الفرنسي، أنطوان أرماند، هذا التحول الحاد في السياسة المالية بقوله إن هذا الإجراء "ضروري على المدى القصير لاستعادة التوازن في الحسابات العامة" و"للحفاظ على مصداقيتنا أمام شركائنا الأوروبيين".
وفي محاولة لتهدئة مخاوف قطاع الأعمال، أكد أرماند أن هذه الزيادات الضريبية "يجب ألا تعيق تطورنا ولا تستمر على المدى الطويل".
ومع ذلك، فإن هذا التحول في السياسة، الذي يتعارض مع النهج الذي اتبعه الرئيس إيمانويل ماكرون ووزراؤه على مدى السنوات السبع الماضية، يثير تساؤلات حول استدامة سياسة العرض التي طالما دافعت عنها الحكومة.
وتشير بوليتيكو إلى أن هذه الخطوة تأتي في سياق ضغوط متزايدة على الحكومة الفرنسية لخفض العجز في الميزانية، خاصة مع ارتفاع مستويات الدين العام.
وتنقل الصحيفة عن محللين اقتصاديين قولهم إن هذه الإجراءات، رغم قسوتها، قد تكون ضرورية لتجنب تخفيض التصنيف الائتماني لفرنسا، الأمر الذي قد يكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الفرنسي ككل.
الشركات الكبرى في مرمى النيران
تُعد المُساهمة الاستثنائية على أرباح الشركات الكبرى العمود الفقري لخطة زيادة الإيرادات، إذ وفقًا للتفاصيل التي كشفت عنها بوليتيكو، ستطبق هذه المساهمة على الشركات التي يتجاوز رقم أعمالها مليار يورو، وهو ما يعني أنها ستشمل حوالي 440 مجموعة كبرى.
ومن المتوقع أن تدر هذه المساهمة وحدها 8 مليارات يورو في عام 2025، و4 مليارات يورو في عام 2026.
وتفصل الصحيفة آلية تطبيق هذه المساهمة، موضحة أن الشركات التي يتراوح رقم أعمالها بين 1 و3 مليارات يورو ستشهد ارتفاعًا في معدل ضريبة الشركات من 25% حاليًا إلى 30% في 2025، قبل أن ينخفض إلى 28% في 2026، أما بالنسبة للشركات الأكبر حجمًا، والتي يتجاوز رقم أعمالها 3 مليارات يورو، فستواجه زيادة حادة في الضريبة لتصل إلى 36% في 2025، قبل أن تنخفض إلى 30% في العام التالي.
وتنقل بوليتيكو عن مسؤول في وزارة المالية قوله إن "هذه المساهمة الاستثنائية تهدف إلى ضمان أن تساهم الشركات الكبرى، التي استفادت بشكل كبير من دعم الدولة خلال الأزمات الأخيرة، في جهود تحسين الوضع المالي للبلاد." ويشير هذا التصريح إلى محاولة الحكومة لتبرير هذه الزيادة الضريبية الكبيرة بأنها نوع من رد الجميل من قبل الشركات التي تلقت دعمًا حكوميًا خلال فترات الأزمات السابقة.
النقل البحري تحت المجهر
في إجراء آخر يستهدف قطاعًا محددًا، كشفت بوليتيكو عن خطط الحكومة الفرنسية لفرض ضريبة مؤقتة على شركات النقل البحري الكبرى.
وفقًا لبوليتيكو، سيتم احتساب هذه الضريبة بنسبة 9% في عام 2025، و5.5% في عام 2026، على جزء من نتائج التشغيل المتعلقة بعمليات الشحن البحري. ومن المتوقع أن تجمع هذه الضريبة 500 مليون يورو للخزينة العامة في العام المقبل، و300 مليون يورو في العام الذي يليه.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا الإجراء يأتي بعد تصريحات رودولف سعادة، رئيس شركة CMA CGM للنقل البحري، الذي أبدى انفتاحه على فكرة المساهمة الاستثنائية.
وتنقل بوليتيكو عن محللين في قطاع النقل البحري تحذيرهم من أن هذه الضريبة قد تؤثر على القدرة التنافسية للموانئ الفرنسية على المدى الطويل. ويشير هؤلاء المحللون إلى أن ارتفاع التكاليف قد يدفع بعض شركات الشحن إلى تحويل عملياتها إلى موانئ أخرى في أوروبا، مما قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الفرنسي ككل.