استقل المغني المصري محمد منير القطار من بلدته في قرية المنشية بالنوبة في سبعينيات القرن الماضي قادمًا إلى القاهرة، مثل غيره من الباحثين عن مستقبل أفضل والراغبين في التعبير عن إمكانياتهم وتحقيق ذواتهم، لكن رحلة منير كانت مختلفة، وبتعبير أدق، كانت شديدة التميز والخصوصية، رافقه خلالها عدد من الشعراء والملحنين اشتركوا في الحلم ذاته، وكانوا لآلئ في تاج الملك "منير"، الذي عبر حدود الوطن العربي إلى العالمية.
محمد منير الذي ولد في مثل هذا اليوم 10 أكتوبر عام 1954، لم يكن يسعى في رحلته إلى القاهرة الانخراط في مجتمع الحداثة وأن يصبح واحدًا منه، بل رمى إلى التعبير عن ذاته وثقافة أهل مجتمعه شديدة الثراء والخصوصية، إذ إن الشاب الذي التحق بكلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، والذي عانى كثيرًا في بدايته، كان بداخله شعور قوي بأنه سينجح في مسعاه رغم كل العقبات التي واجهته.
عبد الرحمن الأبنودي
المتاعب الكثيرة التي واجهها الكينج "منير" في بداية شبابه، ومنها أزمات مادية، جعلت الإصرار داخله على النجاح يزيد، وربما يتشابه ذلك مع رحلة كفاح الشاعر عبد الرحمن الأبنودي أحد أبرز المؤثرين في مشوار "منير" الفني، فهو الآخر جاء من الجنوب وعاش سنوات من ضيق الحال حتى حقق ذاته.
التقت أحلام المطرب النوبي والشاعر المولود بمحافظة قنا، لتنسج 9 أعمال غنائية شديدة التميز، هي "بره الشبابيك"، "كل الحاجات بتفكرني"، "يا حمام"، "يونس"، "شيكولاتة"، "في حبك مش جرئ"، "والليلة دية"، "قلبي ما يشبهنيش" و"يا رمان".
منير ومنيب
لكن قبل لقاء الأبنودي ومنير المثمر فنيًا، التقى محمد منير بالملحن أحمد منيب، الذي يعد الأب الروحي لـ"منير"، فكلاهما من النوبة واقتسما حلم التعبير عن ثقافتهما، وكان للموسيقي منيب تأثير كبير في حياة المطرب منير ليس فقط عبر أغنيات قدماها سويًا، لكن أيضًا في أن الكثير من إدراك منير لمواطن القوة في صوته يأتي من التدريبات التي خضع لها مع منيب.
"أحببته منذ اللحظة الأولى التي التقيته فيها، وكان بالنسبة لي والدي وأخويا الكبير وصاحبي أيضًا بالمعنى الطاهر الأمين لهذه الكلمة"، هكذا تحدث محمد منير عن صديقه الراحل أحمد منيب في لقاء مصور، مضيفًا: "كنت دائمًا أريد أن أغنى نفسي، واكتشفت أن نفسي هي ألحان أحمد منيب، وأيضًا أن حنجرتي هي الحلم الذي كان يبحث عنه الملحن".
أثمر التعاون بين منيب ومنير عن عدة أغنيات منها "دنيا رايحة"، "في عينيكي غربة وغرابة"، "قول للغريب"، "يا صبية"، "الرزق"، "يا أماه"، والصادرة جميعها في ألبوم المطرب الأول "علموني عينكي" عام 1977، واستمر ذلك التعاون عبر عدة سنوات في أغنيات منها "يا عروسة النيل"، "سيلي"، والأغنية الشهيرة والأكثر طلبًا في حفلات محمد منير "حدوتة مصرية" التي كتب كلماتها الشاعر عبد الرحيم منصور.
عبد الرحيم منصور وعبد العظيم عويضة
أصبحت جملة "حدوتة مصرية" مرادفًا لمشوار محمد منير الغنائي، فالأغنية تقف شاهد عيان على النجاح الكبير الذي حققه "منير" أيضًا مع عبد الرحيم منصور، المولود في محافظة قنا بجنوب مصر، ومن أبرز أغانيهما معًا "عطشان"، "علموني عينيكي"، "أمانة يا بحر"، "بنتولد" "أشكي لمين"، و"هيلا هيلا".
المميز في مشوار "منير" أنه كان دائمًا يذكر فضل رفاقه في الرحلة على تحقيق الحلم المشترك، حتى من لم يحظو بأضواء الشهرة، ومنهم الملحن عبد العظيم عويضة ابن الجنوب أيضًا، الذي تعاون معه في الأغنية الأشهر "الجيرة والعشرة" التي يقول مطلعها "في كل حي ولد عترة وصبية حنان وكلنا جيرة وعشرة وأهل وخلان"، كما التقى المطرب مع الموسيقي في أغنيات "يا أميرة"، "فين الحقيقة"، "أبويا قالي" و"الحقيقة والميلاد".
"الملك"، لقب وضعه محبو "منير" تاجًا على رأسه تأكيدًا لقيمته الفنية وتأثيره في نفوس ووعي الشباب بأجيال مختلفة على مدار اقترب من نصف قرن، لكن المطرب الذي أرّخ قصة حياته في مسلسل "المغني" يؤكد في العديد من حواراته الإعلامية على أهمية الدور الذي لعبه رفاق المشوار في وضع "التاج" على رأسه.