في محافظة قنا جنوب مصر، ولد الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، 11 أبريل عام 1938، هذه المحافظة نفسها التي خرج من رحمها أيضًا في توقيت متقارب شعراء بارزون بحجم أمل دنقل وعبدالرحيم منصور، ليتربى الفتى الصغير في فترة شبابه المبكرة على شعارات القومية العربية والارتباط بالأرض والدفاع عنها، ودعوات الاستقلال وثورة 23 يوليو وتحول النظام السياسي في مصر من الملكية إلى الجمهورية.
تكونت لدى الشاعر الراحل علاقة حب وثيقة الصلة مع الكلمة منذ صغره، خصوصًا أن والده كان يعمل مُدرسًا للغة العربية ومأذونًا شهيرًا في قنا، وتخرج من تحت يديه شعراء منهم مصطفى الضمراني، وانطلق شغفه للمرة الأولى مع السيرة الهلالية، إذ وقع في عشقها بعدما سمعها في مناسبات كثيرة ومن رواة مختلفين، حتى إنه قرر جمعها ونجح في ذلك بالفعل، واستغرق في هذا المشروع المهم نحو 30 عامًا، وتعد أحد أبرز مجهوداته الأدبية التي زينت مسيرته.
رفض الأبنودي أن يعمل موظفًا بالقطاع الحكومي، إذ أراد التعبير عن موهبته ومشاعره الخاصة، لذا انتقل إلى القاهرة ليسكن في "عوامة" على النيل مع صديقه أمل دنقل، بحثًا عن فرصة أفضل، فهو كما يقول في حوار تلفزيوني عن هدفه من أشعاره: "أريد أن أخبر الناس وأعلمهم حب تاريخهم وماضيهم وحاضرهم، وأيضًا يحبوا معاناتهم وجهادهم".
جاء الأبنودي إلى القاهرة لكن روحه ما زالت حاضرة في مسقط رأسه بجنوب مصر، يتذكر أيام الشقاء وطلوع النخل والعمل أيام الحصاد، حتى إن لكنته الصعيدية لم تتغير بل ظلت بارزة في حديثه العادي وأيضًا أشعاره، لتكتب قيمة مضافة جعلته واحدًا من أشهر شعراء العامية في التاريخ الحديث، ونجد أيضًا حبه وعلاقته بالأرض بارزة في عدة دواوين شعرية لعل أبرزها "الأرض والجمال"، الذي يعد الأول في مسيرته الأدبية وصدر عام 1964.
ويقول الأبنودي في قصيدته "الأرض والجمال": "قلبي اللي كان قرب يموت، لسه بيحلم بالبيوت، زي الخرز والدرب خيط حرير.. ولاضم كل حيط، وفي كل دار يترش حَب الحُب غيط، يتنفس اللبلاب على الباب الكبير، وبرضه ملضوم بالحرير".
في قصائده ودواوينه كان الأبنودي يصنع من شخوص عادية أبطالًا، فهو يرى في المواطن البسيط ما قد لا يراه غيره، فهو يشعر بهم من نبع تجربة خاصة خاضها في طفولته وشبابه، التي قال عنها في كتاب "مذكرات عبدالرحمن الأبنودي.. في طفولته وصباه" للباحث إبراهيم عبدالعزيز: "أنا مدين لكل سنوات العوز والشقاء الأولى"، إذ صنعت هذه السنوات من المعاناة مبدعًا قلما يتكرر، ليسجل مشواره عدة دواوين شعرية منها "الزحمة" الصادر عام 1967، و"عماليات"، و"جوابات حراجي القط"، "الفصول"، "أنا والناس"، و"السيرة الهلالية"، وغيرها من الدواوين، التي تعد من أبرز ما كتب في الأدب الشعبي.
إبداع وعطاء الأبنودي جعل العديد من الكتاب والباحثين يهتمون بالبحث في إنجازه الأدبي ومحاولته تفنيده، إذ يقول الكاتب محمد هلال ريان في كتابه "رواية لبطل مهمش"، بأنه الوريث الحقيقي لأجيال من الرواة المخلصين لأمتهم والمبدعين الواعين بصنعة فنّهم وحال أمتهم.
الشاعر الذي اشتهر بلقب "الخال" وضع بصمته على العديد من الأغنيات لمطربين كبار منهم عبدالحليم حافظ، الذي تعاون معه في أغنيات وطنية منها "أحلف بسماها وبترابها"، "صباح الخير يا سينا"، "عدى النهار، "راية العرب"، "ابنك يقول لك يا بطل" وأيضًا أغنيات عاطفية منها "أحضان الحبايب"، "أنا كل ما أقول التوبة"، وتعاون مع شادية في أغنيات منها "قالي الوداع"، و"آه يا أسمراني اللون"، وتغنت ماجدة الرومي من أشعاره "بهواكي يا مصر"، و"جاي من بيروت".
وتعاون الأبنودي مع ابن الجنوب أيضًا محمد منير في أغنيات عدة منها "كل الحاجات بتفكرني"، "يونس"، "ياحمام"، و"برة الشبابيك"، وغنت له صباح غنت له "ساعات ساعات".