كشفت صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية عن وجود قاعدة عسكرية إيرانية سريّة تُستخدم لتصنيع وتخزين الصواريخ الباليستية، قبل شحنها إلى حلفاء طهران في الخارج، نقلًا عن تقارير استخباراتية غربية.
ويأتي هذا الكشف وسط تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، ليسلط الضوء على الدور الذي تلعبه إيران في المشهد الأمني بالشرق الأوسط.
حامية الشهيد سلطاني
وفقًا للتقرير الاستقصائي الذي نشرته "ذا تليجراف"، تنفذ إيران توسعًا سريعًا وملحوظًا لموقع عسكري سري يُعرف باسم "حامية الشهيد سلطاني".
هذا التوسع ليس مجرد زيادة في المساحة، بل يشير إلى تكثيف كبير في الأنشطة العسكرية الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بتطوير وإنتاج الصواريخ الباليستية، ولكن ما يثير القلق هو توقيت هذا التوسع، حسب رؤية "ذا تليجراف"، أنه لوحظ تكثيف للأنشطة في هذا الموقع خلال النصف الثاني من العام الجاري، بالتزامن مع عدة تطورات إقليمية مهمة.
ونقلت الصحيفة عن معلومات استخباراتية غربية أن إيران بدأت في شحن صواريخ باليستية إلى روسيا، مما يشير إلى تعميق التعاون العسكري بين البلدين، وفي الوقت نفسه، صعّد الحوثيون من هجماتهم بالصواريخ الباليستية على السفن التجارية في البحر الأحمر، ما أدى إلى اضطراب حركة الملاحة الدولية.
ويشير هذا التزامن إلى استراتيجية إيرانية متكاملة تهدف إلى توسيع نفوذها الإقليمي من خلال دعم حلفائها بالأسلحة المتطورة، حسب الصحيفة.
موقع استراتيجي
أوضحت الصحيفة البريطانية أن هذا الموقع العسكري الاستراتيجي يقع شمال شرقي العاصمة طهران، في منطقة جبلية وعرة تقع بين مدينتي كرج واشتهارد، توفر حماية طبيعية للقاعدة، ما يجعل من الصعب اكتشافها أو استهدافها، وتخضع القاعدة لقيادة وحدة الصواريخ "الغدير" التابعة للحرس الثوري الإيراني.
هذه الوحدة ليست مجرد وحدة عسكرية عادية، بل هي كيان متخصص يتمتع بأهمية كبيرة في المنظومة العسكرية الإيرانية، وفق رؤية الصحيفة البريطانية.
وتتولى وحدة الغدير مسؤولية التحكم التشغيلي في الترسانة الإيرانية من الصواريخ الباليستية، وبالإضافة إلى ذلك، تنقل الوحدة الأسلحة والمتخصصين لتدريب حلفاء إيران على استخدام هذه الأنظمة الصاروخية المتطورة، حسب الصحيفة.
تجدر الإشارة إلى أن وحدة الغدير ليست بعيدة عن أعين المجتمع الدولي، إذ تم فرض عقوبات عليها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عقد.
مكونات القاعدة العسكرية
ووفقًا للصحيفة، تتكون القاعدة من مجموعة معقدة من المنشآت السطحية وتحت الأرضية، إذ إن المستودعات القديمة، التي تم بناؤها قبل نحو 15 عامًا، تشكل الجزء الأقدم والأكثر ظهورًا من القاعدة.
أما شبكة الأنفاق الحديثة، التي تم تطويرها في الآونة الأخيرة، فتوفر حماية إضافية وقدرة على إخفاء الأنشطة الحساسة.
وفقًا للمعلومات الاستخباراتية، تحتوي القاعدة على أنواع متعددة من الصواريخ الباليستية، من بينها "شهاب 3"، وهي صواريخ باليستية متوسطة المدى يتم إطلاقها من منصات متحركة، ما يزيد من صعوبة رصدها واستهدافها.
كما تضم القاعدة صواريخ "فتاح"، وهي نوع متطور من الصواريخ الباليستية.
وتنقسم القاعدة إلى منطقتين رئيسيتين، كل منهما تخدم أغراضًا محددة، تضم الأولى مجمع المستودعات الرئيسي، وهي 5 مستودعات كبيرة على الأقل، تغطي مساحة إجمالية تقدر بنحو 6500 متر مربع.
ويبرز في هذه المنطقة مبنى رئيسي يصل ارتفاعه إلى نحو 20 مترًا، ما يشير إلى وجود رافعة داخلية ضخمة، يُعتقد أن هذه المنطقة تستخدم لتجميع وتخزين الصواريخ الكبيرة والمكونات الضخمة.
أما المنطقة الثانية، فتتكون من نحو 10 مبانٍ ذات أسقف بيضاء، وتغطي مساحة تقدر بنحو 3000 متر مربع، قد تكون هذه المنطقة مخصصة للعمليات الإدارية، أو لتخزين المكونات الأصغر حجمًا، أو لإجراء الاختبارات والصيانة.
بالإضافة إلى المنشآت السطحية، تتميز القاعدة بوجود شبكة معقدة من الأنفاق، إذ يوجد نفقان رئيسيان يمتدان لمسافة تصل إلى 305 أمتار تقريبًا.
بدأت أعمال حفر هذه الأنفاق في عام 2017 واستغرقت أربع سنوات لإتمامها، مما يشير إلى تعقيد وضخامة المشروع.
بالقرب من مداخل الأنفاق، توجد ما يبدو أنها فتحات تهوية، مما يشير إلى وجود أنظمة متطورة للتحكم البيئي داخل الأنفاق.
وكشفت صور الأقمار الصناعية التي التُقطت للموقع في يوليو 2024 عن زيادة ملحوظة في النشاط، إذ تم رصد أكثر من 10 مقطورات خارج المنشأة، مما يشير إلى تكثيف العمليات داخل القاعدة، سواء كان ذلك لزيادة الإنتاج أو لنقل المعدات والصواريخ.
ويثير هذا التصعيد في النشاط عدة مخاوف، إذ يشير إلى تسارع في إنتاج الصواريخ الباليستية، أو احتمال زيادة شحنات الأسلحة إلى حلفاء إيران في المنطقة، كما قد يكون مؤشرًا على اختبار أو إنتاج أنواع جديدة من الصواريخ.
إجراءات أمنية مشددة
وتحيط بالقاعدة إجراءات أمنية صارمة تعكس أهميتها الاستراتيجية، إذ وفقًا لمصادر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، يؤكد المسؤولون المحليون الطبيعة الحساسة والسريّة للمنطقة المحيطة بحامية سلطاني.
يتم نشر حراس على الطريق المؤدي إلى المنشأة، ولا يُسمح سوى للمركبات التابعة لموظفي موقع الصواريخ بتجاوز نقطة التفتيش.
وتتمتع القاعدة بمستويات متعددة من الحماية المادية، إذ يتم حماية الموقع بصفين من الأسلاك الشائكة، مما يوفر حاجزًا ماديًا ضد التسلل، كما لا يُسمح للسكان المحليين بالاقتراب من القاعدة أو التقاط صور في اتجاهها، مما يزيد من غموض وسرية العمليات التي تجري داخلها.
تعتمد إيران على تقنيات التمويه والإخفاء لحماية منشآتها الحساسة، ويساعد الموقع الجبلي للقاعدة في إخفائها عن أعين الأقمار الصناعية والطائرات الاستطلاعية.
كما أن الاعتماد على الأنفاق والمنشآت تحت الأرضية يوفر حماية إضافية ضد الهجمات الجوية المحتملة، مما يجعل من الصعب على القوى المعادية استهداف هذه المنشأة الحيوية.