الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مكاسب مُرضية.. حسابات التكلفة في المواجهات الإسرائيلية الإيرانية

  • مشاركة :
post-title
المواجهات بين إسرائيل وإيران- تعبيرية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في بداية الربع الرابع من عام 2024 اشتدت المواجهات المباشرة بين كل من الجانب الإيراني والجانب الإسرائيلي، إذ وجهت إيران في مساء الأول من أكتوبر هجومًا صاروخيًا على إسرائيل، الذي وصف أنه الهجوم الأضخم والأكبر، إذ لم تتلق إسرائيل مثل هذا العدد من الصواريخ من قبل، وهو الأمر الذي جعلها تتوعد بتوجيه ضربة على إيران نحو بعض الأهداف، فمن هنا يُمكن القول إن هذه المواجهات ترتبت عليها تكاليف باهظة ومجموعة من المكاسب لطرف تُعتبر خسائر للطرف الآخر.

وتأسيسًا على ما سبق يُحاول هذا التحليل قياس حجم الخسائر والمكاسب التي ترتبت على المواجهات الأخيرة بين الجانب الإيراني والإسرائيلي، كما يُحاول وضع سيناريوهات للرد الإسرائيلي المتوقع على إيران.

قياس التكلفة

يُمكن التعرف على حجم تكلفة المواجهات المباشرة بين إيران وإسرائيل لكل من الجانبين على النحو التالي:

الشكل (1) يوضح تكلفة المواجهات المباشرة بين إسرائيل وإيران

(-) على الجانب الإيراني: إن الهجوم الصاروخي الذي قامت به إيران ضد إسرائيل في الأول من أكتوبر الجاري، تضمن حوالي 200 صاروخ، بحسب ما أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني، وقد رجحت التقديرات المُختلفة أن إسرائيل أطلقت صواريخ بالستية فقط، ولم تستخدم في هذا الهجوم الطائرات المُسيرة الانتحارية أو صواريخ كروز؛ لأنها أكثر عرضه للدفاع الجوي، فمن ترسانة الصواريخ الإيرانية، قدر قائد القيادة المركزية الأمريكية السابق " كينيث ماكينزي" عدد الصواريخ البالستية لدى إيران بأكثر من 3000 صاروخ في عام 2022، وهو الأمر الذي يُرجح أن عددها حاليًا أصبح يتجاوز هذا بكثير، كما أن معظم هذه الصواريخ محلية الصنع.

وعلى هذا الأساس يُمكن تقدير حجم الخسائر على الجانب الإيراني من إطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ البالستية التي تتراوح مداها بين 1500إلى 2000 كيلو متر، والتي تُعرف بمنظومة "سجيل"، خاصة أن الجانب الإيراني استخدم نماذج مُتقدمة من الصواريخ مثل عماد وخيبر وفاتح 1، وتُقدر تكلفة الصاروخ البالستي الواحد حوالي مليون دولار، ونظرًا لأنه تم إطلاق حوالي 200 صاروخ، فيُمكن القول إن حجم الخسائر على إيران يُقدر بحوالي 200 مليون دولار كما يوضح الشكل (1)، فهذا الحجم من الخسارة يُحمل الاقتصاد الإيراني أعباء كبيرة، من جراء حاجته إلى توفير ملايين الدولارات؛ لصناعة صواريخ بالستية أخرى تعوض ما استخدمه في الهجوم، وهو الأمر الذي يُحمل ضغوط على الموازنة العامة للدولة، فكما يوضح الشكل (2) فإن عجز الموازنة في إيران مرتفعًا في الأساس، إذ سجل 5.5 % في عام 2023، وهو ما يُرجح أنه سيزداد مع نهاية عام 2024، كما أن الرد الإسرائيلي على إيران، سيُخلف العديد من المشكلات الاقتصادية.

الشكل (2) يوضح عجز الموازنة الإيراني كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، المصدر: صندوق النقد الدولي

(-) على الجانب الإسرائيلي: يتحمل الجانب الإسرائيلي تكلفة كبيرة، من جراء تصديه للصواريخ التي يتم إطلاقها عليه من الجانب الإيراني، ويُذكر أن إسرائيل تستخدم في صد الهجمات الصاروخية أربعة من أنظمة الدفاع الجوي، وهي منظومة آرو (منظومة السهم) التي تشتمل على صواريخ آرو -2 وآرو -3، التي تبلغ تكلفتها حوالي3 و2 مليون دولار على الترتيب، وقد استخدمتها إسرائيل لأول مرة في صد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، ومنظومة قلاع داود متوسطة المدى التي تستخدمها إسرائيل؛ لإسقاط الصواريخ البالستية التي يتم إطلاقها من مسافة تتراوح بين 100 و200 كيلومتر، بالإضافة إلى استخدامها في اعتراض الطائرات وصواريخ كروز، ومنظومة القبة الحديدية قصيرة المدى، التي تُستخدم في اعتراض الصواريخ التي تطلقها حماس في غزة، ويُكلف إنتاج كل صاروخ اعتراضي من هذه المنظومة من 40 إلى 50 ألف دولار.

ونظرًا لأن الصواريخ الإيرانية كانت من الصواريخ البالستية المتوسطة والبعيدة المدى، فإن القوات الجوية الإسرائيلية استخدمت في صدها منظومة "آرو"، وتذهب التقديرات أن إسرائيل استخدمت حوالي 180 صاروخًا اعتراضيًا من طراز آرو -2 وآرو- 3، وبالتالي ووفقًا للشكل (1) فإن إسرائيل تكبدت في هجوم الأول من أكتوبر حوالي 450 مليون دولار، وهو الأمر الذي يؤكد أن الدفاع أغلى من الهجوم، فتكلفة الصاروخ الاعتراضي أعلى دائمًا من تكلفة الصاروخ الذي يتم اعتراضه، وهو ما يوضحه الشكل (1) أن التكلفة على إسرائيل تفوق ضعف التكلفة على إيران.

تقدير المكاسب

تتنوع المكاسب التي نتجت عن المواجهات الإسرائيلية الإيرانية، وذلك على النحو التالي:

(-) مكاسب سياسية: تأتي معظم المكاسب التي حصل عليها الجانب الإسرائيلي من المواجهات مع الأذرع الإيرانية في المنطقة، في الشق السياسي، إذ نجحت إسرائيل في القضاء على قيادات في الأذرع الإيرانية، أبرزهم الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله"، بالإضافة إلى فؤاد شكر قائد العمليات العسكرية في جنوب لبنان، و"إبراهيم عُقيل" القيادي العسكري في حزب الله اللبناني، وعلي كركي قائد جبهة الجنوب في الحزب، وإبراهيم قبيسي القيادي العسكري في الحزب، وغيرهم من القادة، هذا فضلًا عن اغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" في يوليو 2024، فهذه الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل، تُعد مكسبًا سياسيًا كبيرًا للجانب الإسرائيلي، بأنه أحدث ربكة داخل هذه الأذرع باغتيال قادتها.

وعلى مستوى الجانب الإيراني يأتي الهجوم الأخير على الداخل الإسرائيلي، بمثابة إعادة تموضع لإيران في الشرق الأوسط بعد عمليات الاغتيال التي تعرضت لها أذرُعها، وأثبتت أنها تستطيع خرق الداخل الإسرائيلي وإحداث خسائر به، كما أن هذا الهجوم يُعد دعمًا كبيرًا من إيران لوكلائها في المنطقة، إذ يأتي المكسب السياسي الكبير لإيران، في محاولتها لكبح جماح العدوان الإسرائيلي على دول المنطقة، خاصة فلسطين ولبنان واليمن.

(-) مكاسب أخرى: تشكلت مجموعة من المكاسب الأخرى من جراء المواجهات الإسرائيلية الإيرانية، والتي تتمثل في إحداث إيران لاختلالات اقتصادية في الداخل الإسرائيلي، فالصواريخ الاعتراضية تُكلف الموازنة العامة في إسرائيل خسائر كبيرة، ففقدان حوالي 450 مليون دولار في ليلة واحدة، فضلًا عن الخسائر غير المباشرة التي تمثلت في استهداف 3 قواعد عسكرية "نيفاتيم، حتسريم، تل نوف"، ترفع خسائر الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة مع اشتداد الهجمات من الأذرع الإيرانية تجاه الداخل الإسرائيلي، في ظل تقارير خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من مؤسستي فيتش وموديز.

سيناريوهات الرد الإسرائيلي

إن الهجوم الإيراني على الداخل الإسرائيلي في الأول من أكتوبر، سيترتب عليه سيناريوهان في الرد الإسرائيلي، وذلك على النحو التالي:

(-) السيناريو الأول: يُعتبر هذا السيناريو هو السيناريو الأقرب في الهجوم الإسرائيلي المُحتمل على إيران، إذ إنه وفقًا لهذا السيناريو فمن المتوقع بشكل كبير أن تقوم إسرائيل بضرب منشآت وأهداف تؤثر على إيران اقتصاديًا، إذ إنه من المتوقع أن يستهدف الهجوم النظام المصرفي أو المالي الإيراني: والهدف من ذلك إحداث خلخلة في الاقتصاد الإيراني تجعله لا يستطيع الانتهاء من تصنيع الخمس قنابل نووية في عام 2025 كما هو مُخطط له، والحالة القصوى من هذا السيناريو تتمثل أن تقوم إسرائيل باستهداف منشآت وقود ونفط في الداخل الإيراني، ويؤيد هذا توقع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود باراك" بأن تشن إسرائيل غارة جوية واسعة النطاق على صناعة النفط الإيرانية، إذ أوضح أن نموذج الرد الإسرائيلي يُمكن رؤيته في الغارات الجوية الانتقامية التي تم تنفيذها ضد منشآت النفط ومحطات الطاقة والأرصفة التي يُسيطر عليها الحوثيون في ميناء الحديدة اليمني، وأنه يعتقد أن الهجوم سيكون ضخمًا ويمكن أن يتكرر أكثر من مرة، وبالإضافة إلى تصريحات "إيهود باراك"، أوضحت القناة الـ 12 الإسرائيلية أن من الأهداف المُحتملة لإسرائيل هي منشآت النفط والغاز ومقار الحرس الثوري الإيراني.

(-) السيناريو الثاني: يتمثل هذا السيناريو في أن تقوم إسرائيل بضرب منشآت إيران النووية، ولكن يُعتبر هذا السيناريو هو السيناريو الأبعد في الرد الإسرائيلي على إيران، فالهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية في إيران، يتطلب إجماعًا دوليًا، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه، كما أن المصادر الإسرائيلية التي تُشير إلى أن واشنطن عرضت "حزمة تعويضات" على تل أبيب؛ للامتناع عن مهاجمة أهداف معينة في إيران، توضح عدم التوافق الأمريكي الكامل على ضرب منشآت إيران النووية، إذ يرفض الرئيس الأمريكي "جو بايدن" هذا السيناريو، ومن المُرجح بشكل كبير أن تأخر الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني يرجع إلى المباحثات الموسعة حول الأماكن والمواقع التي ستستهدفها إسرائيل في الهجوم، كما يذهب العديد من المُحللين أن إسرائيل إذا استهدفت البرنامج النووي الإيراني، فستقوم إيران بضرب حقول الغاز الثلاثة التابعة لإسرائيل في البحر الأبيض المتوسط، التي تعتمد عليها إسرائيل في تسييل الغاز، الأمر الذي سيترتب عليه "ظلام إسرائيل"، وبالإضافة إلى ذلك فإن ما أفادت به قناة الـ12 الإسرائيلية نقلًا عن رئيس أركان سلاح الجو الإسرائيلي السابق بأنه يجب عدم ضرب منشآت إيران النووية بدون مساعدة أمريكية، يستبعد هذا السيناريو الذي يُمكن وصفه بالسيناريو المُتشائم؛ حيث إنه سيجر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة.

وفي النهاية يُمكن القول إن المواجهات الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، تسببت في تحقيق خسائر جمة لكلا الجانبين، في الوقت الذي يُعاني منه الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصاد الإيراني من مشكلات كبيرة، وهو الأمر الذي يعطي احتمالًا أن هذه المواجهات من المُحتمل ألا تتسع بشكل كبير في المُستقبل القريب، مما يرُجح أن الرد الإسرائيلي على إيران لن يأخذ مسار السيناريو الثاني الذي تم ذكره، فالولايات المتحدة الأمريكية مُقبلة على حدث كبير في الخامس من نوفمبر هو الانتخابات الرئاسية؛ لذلك لا ترغب في توسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط.