- صنعت نفسي دون أن يتبناني أحد
- استفدت كثيرًا من بدايتي المسرحية.. ولا أراهن على أعمالي
- والدتي صاحبة تأثير كبير في حياتي وعلمتني أن أكون قوية
- تجسيدي لأدوار مختلفة وحبي للقراءة ساعداني على التميز
- بكيت عندما نادتني طفلة من أصحاب الهمم بـ"ماما"
- لا أحد يستطيع إخراج فيلم مثل "الرسالة" كما فعل مصطفى العقاد
محطات فنية مضيئة لـ"سيدة الدراما السورية" منى واصف، بأعمال حُفرت في ذاكرة المشاهد، وأداء مُقنع لشخصية المرأة القوية القادرة على مواجهة أشد الأزمات والمصاعب، وبأسلوب سلس عندما تجسد دور الأم الحنون، إضافة إلى أدوار مهمة ومميزة قدمتها خلال مسيرتها الفنية، بلغت أكثر من 200 عمل، حيث تعد واحدة من أبرز المساهمين في صناعة الدراما السورية خلال مسيرة ممتدة إلى 6 عقود.
لُقبت منى واصف بنجمة العالم العربي، وحصلت على العديد من الجوائز والتكريمات بمهرجانات مختلفة، كما شغلت منصب سفيرة النوايا الحسنة في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أنها قليلة الظهور الإعلامي وتحديدًا بالإعلام المقروء، خصّت موقع "القاهرة الإخبارية "بحوار مطول استعادت فيه ذكرياتها مع أبرز أدوارها، منها شخصية "هند بنت عتبة" في الفيلم العالمي "الرسالة"، كما أنها عبّرت بشغف عن تواصل حلمها بتجسيد شخصية سيدة عالمية شهيرة لها دور مؤثر، وتفاصيل أخرى في السطور التالية.
** رغم حرصك الدائم على انتقاء أدوارك فإنك لم تراهني على نجاح أي منها.. فما السبب؟
بدايتي كانت من خلال المسرح العسكري، ثم جلست في المنزل بعد زواجي، لأعود مرة أخرى من خلال المسرح الدرامي، ثم اتجهت إلى المسرح القومي وقدمت أعمالًا باللغة العربية الفصحى، ومن خلال هذه التجارب تعلمت أن الممثل المسرحي لا يراهن على دوره فقط ولكن على المسرحية بشكل عام، وهو الأمر الذي اعتدت عليه منذ بدايتي الفنية، خاصة أننا في المسرح القومي لا نختار الأدوار التي نجسدها، بل تختارنا هي لنقدم عروضًا لمسرحيات عالمية وكلاسيكية شهيرة، جعلت لدي حصيلة ثقافية وخبرة كبيرة.
وتعلمت من المسرح أيضًا مفهوم التواضع المسرحي بمعنى أن نتحدث بصيغة "نحن" وليس "أنا"، الأمر الذي طبقته في أعمالي الدرامية وبالسينما أيضًا، فما يهمني ليس دوري وإنما العمل بشكل عام.
صحيح أنني انتقي أعمالي لكنني لا أحب المراهنة على أدواري، والقول إن هذا الدور سيحقق نجاحًا كبيرًا، هذه ليست شخصيتي، فالمسرح حصنني لأن أكثر أصدقائي من الكتاب العرب المثقفين، وزوجي الراحل أيضًا من المثقفين وضابط ومخرج مسرحي.
** تردد أنك في بدايتك عملت عارضة أزياء قبل دخولك عالم التمثيل.. ما حقيقة ذلك وكيف جاء هذا التحول؟
لم أكن عارضة أزياء بالمعنى المعروف، ولكن بدأت عندما قصّرت في دراستي، لأخرج إلى الحياة العملية، لأعمل بائعة بدار ومحل أزياء شهير وأنا في الـ18 من عمري، وكنت أعرض الأزياء للسيدات من زبائن المحل.
ومع مهنتي كبائعة، التحقت بفرقة الرقص الشعبي، ثم وقفت على خشبة المسرح العسكري راقصة دبكة، ولم أكن أدرك أنني موهوبة حينها، لكن وقتها في الستينيات كانت الملامح الجميلة بوابة الفتيات والورقة الرابحة أكثر من الموهبة، ثم جاء الدور على اختيار ممثلات لدور في مسرحية بعنوان "العطر الأخضر"، وهي مشتقة من عمل أجنبي ولكن لم أنجح في الدور، وتعرضت لانتقادات كثيرة من النقاد، أحدهم قال لي "أنت جميلة عودي إلى منزلك لتنتظري العريس، فليس هناك أي بارقة أمل في مجال التمثيل".
هجوم النقاد جعلني أتحدى نفسي، حتى تزوجت ضابطًا عام 1963، وجلست في البيت عامًا كاملًا، وعندما أصبح زوجي مدنيًا، رجعت مرة أخرى إلى العمل، والفضل هنا للناقد والسيناريست الراحل الدكتور رفيق الصبان فعندما التقيته استفدت من خبرته الكبيرة.
** بما إنك عملت في مجال الأزياء.. هل تتدخلين في اختيار ملابسك بالعمل الفني أو يكون لديك وجهة نظر فيها؟
لا أتدخل، وتوجد مصممات للأزياء ومن الممكن أن أعطي رأيًا صغيرًا ولكن دون تدخل، كل فنان وله اختصاصه.
** هل واجهت صعوبة في دخولك مجال التمثيل أو اعتراضات من العائلة؟
كانت والدتي مُتحكمة في جميع أموري وقرارات حياتي في حين أن والدي لم يتدخل كثيراً، لذا عندما أهملت في دراستي ورسبت، اعترضت على خروجي للعمل إذ كانت تريدني أن استكمل الدراسة، فهي كانت متفحتة ولم تكن تعترض على الفن ولكن العمل بشكل عام، ولكنني أقنعتها بأنني سأفعل الاثنين معًا، واحترمت والدتي موهبتي كثيراً عندما شاهدتني على المسرح.
** هل هناك ما ندمت عليه في حياتك؟
كنت أحب تلبية رغبة والدتي واستكمل دراستي، لأنها كانت رائعة وصاحبة تأثير كبير في حياتي، وعلمتني ألا أخاف من الزمن أو الدنيا وأن أكون قوية الشخصية، ولكن ربما هذا ندم جميل لأنه لولا تركي لدراستي لما كنت تعرفت على زوجي.
وعلى الصعيد الفني، ندمت على بعض الأدوار في بداية حياتي خاصة في السينما، إذ تعرضت بسببها للهجوم من نقاد، وتساءلوا عن سبب قبولي أدوارًا تافهة بالسينما رغم أنني أقدم أعمالًا مميزة على المسرح.
لكن اتجاهي للأفلام رافق تأسيس جهاز للسينما في سوريا بالستينات، الذي أنتج عدة أعمال بممثلين من مصر ومختلف البلدان وكنت أشارك بها، ولم أكن أعرف أنها أدوار لا تليق بعملي المسرحي، لكن بعد ذلك عندما بدأت أقرأ الآراء النقدية تعلمت أهمية احترام رأي النقاد حتى هذه اللحظة.
وفضل من الله أنني توقفت سينمائيًا، وأتى التليفزيون السوري ليعطيني قيمة ثانية، كانت من المحطات الأولى والرائعة في حياتي، ثم المحطة الثانية عند طريق التليفزيون الأردني الذي أسهم كثيراً في انتشاري، لتأتي المرحلة الثالثة في الخليج وتحديدًا دبي، الذي عملت به ما يقرب من 17 مسلسلاً، أما المحطة الرابعة كانت في لبنان.
** إلى أي كفة تميلين أكثر.. المسرح أم التليفزيون أم السينما؟
أميل إلى المسرح كثيرًا لأنني دخلته في بدايتي ولا أعرف من وليام شكسبير أو موليير، إذ إنه أمدّني بقوة شخصيتي وثقافتي المُكتسبة التي أعتز بها كثيراً وساعدتني كي أكون ممثلة متميزة، فمن خلال الروايات التي قرأتها عرفت التاريخ والظروف السياسية والمجتمعية التي تناولتها هذه الأعمال، إنها حصيلة محترمة لمدة 40 عامًا، وأيضا أدمنت القراءة كثيراً وعشقتها للغاية، وقرأت روايات في الأدب الروسي والفرنسي باللغة العربية، لذلك عندما أقول إنني أميل إلى المسرح لا يعني أنني لا أعتز بجميع أدواري التليفزيونية، لكن المسرح أكسبني خبرة ميزتني عن غيري.
** ذكرت من قبل أنك من المتمردات بشكلٍ أو بآخر على العادات الاجتماعية السائدة.. حدثينا أكثر عن ذلك؟
الجيل الذي عشته في الستينات كان لا يوجد به ممثلة تحمل الهوية السورية، ودخلنا مجالًا غير مألوف للسيدات، وأيضًا عملت بائعة في دار الأزياء وكانت الفتيات وقتها لا يعملن في هذه المهنة، وليست لديهن خبرة في البيع أو عرض الأزياء، هذا ما تمردت عليه مع بعض من بنات جيلي.
** ما الأدوار الأقرب إلى قلبك في جميع أعمالك الفنية؟
إجمالاً، في البداية كانوا يعطونني أدوارًا كوميدية خفيفة أو لفتاة جميلة، ثم أخذت أدوارًا مختلفة اعتذرت عنها ممثلات قبلي، حتى أنني جسّدت دور الأم في سن صغير للغاية، ولعبت جميع الأدوار في المسرح والسينما وأيضًا التليفزيون ولم أكن أعرف هل ستحقق نجاحا أم لا؟ هذا كان نوعاً من التحدي، لكنني كنت نهمة في القراءة وسعيت لتقديم أدوار متميزة لا تعتمد على ملامحي الجميلة فقط، وأعتقد أن تجسيدي لأدوار مختلفة وحبي للقراءة ساعداني على أن أتميّز فنيًا.
** بالحديث عن تجسيدك لدور الأم رغم عمرك الصغير وقتها.. لماذا أقدمت على هذه الخطوة؟
لم اختر أن ألعب دور الأم، ولكن كانوا في هذا الوقت يبحثون عن ممثلة لتجسّده وكنت أنا وجيلي من الممثلات في سن صغير تقريبًا 18 عامًا، ولم يقبل به أحد غيري، وبعد نجاحي به شاركت في أدوار كثيرة في نفس القالب، على سبيل المثال لعبت دور أم الفنان الراحل عدنان بركات في التليفزيون رغم أنه من مواليد الثلاثينات وأنا من مواليد 1942، وبعد 20 عامًا لعبت دور ابنته، وقبل أن يتوفى بسنة لعبت أيضًا دور زوجته.
وحتى الآن جمهوري يناديني بـ"ماما"، نظراً لأن أدواري كانت مؤثرة في جيلي، حتى الجيل الأصغر ينادونني بـ"تيتة" أو الجدة لأنهم وجدوا آبائهم يُعرفونني بدور الأم.
** ألا تريّن أن هذا حصرك في دور الأم؟
لا.. هذا لم يحصرني في دور الأم، لأن كل شخصية أم كنت أجسّدها كانت مختلفة ونابعة من بيئة مختلفة وتطلعات مغايرة، وزوجي عندما أصبح مخرجًا أعطاني دور الأم أيضًا، ولكن عندما عملت في لبنان شاركت في 3 مسلسلات هي "قادم من الضباب" لعدنان الرمحي "زمن الحب"، "أرحل وحيداً" لأنطوان ريمي بأدوار الزوجة والحبيبة والممثلة، ومن هنا ظهرت المرأة التي بداخلي، واكتسبت أرضية جديدة من المعجبين، حتى أن أحدهم سألني كيف كنت أخفي هذا الدفء النسائي، لذا لا أشعر أنني انحصرت في دور واحد.
** لكنك تتحمسين أكثر لأدوار المرأة القوية.. لماذا؟
أختار دائمًا أن أجسّد شخصية المرأة القوية، وهذا سبب منحي تجسّيد شخصيات أكبر من سني، لأن الأدوار القوية لا يعطونها للممثل الصغير، مما جعلني أتميز بالمسرح والتليفزيون والسينما والإذاعة، ولا أحب أدوار البكاء والمرأة الضعيفة، وهناك أشكال من الفن أسهمت في خروج صورة المرأة الضعيفة التي يتم استغلالها جنسيًا وماديًا واجتماعيًا، وهذا لا يناسبني لذلك أختار الدور الذي يناسب شخصيتي وشكلي.
** لك موقف إنساني عندما بكيتي لمناداة طفلة لك بـ"ماما ".. حدثينا عنه؟
بالفعل تمت دعوتي من قبل مركز لأصحاب الهمم في دبي من كل الجنسيات، ذهبت وقضيت وقتًا جميلًا معهم، وعندما كنت ذاهبة رأيت فتاة مريضة بالتوحد ونظرت لي وقالت "أنت أمي وأم كل أحد"، فبكيت وشعرت وقتها بمدى تأثير أدواري بجميع أنحاء العالم، ولا أنسى هذه الزيارة أبدًا.
** رغم كونك امرأة قوية.. لكنك تجمعين بين القوة والحنية ببعض أعمالك.. ما علاقته بشخصيتك؟
لا أشبه أدواري سواءً في الحنية أو القوة، وأذهب إلى الدور لأدرسه جيدًا، وفي الواقع أنا أم، ولا يمكن ألا يوجد بالأم غير الحنان حتى عند قسوتها على أبنائها، فالأم تعني الأرض.
وكما قلت أدرس تفاصيل الشخصية جيدًا لأعيشها، مثلما فعلت في مسلسل "الحوت" وقتلت ابني لأنه يظلم الناس، وأيضًا دور آخر قتلت ابني لكي أحافظ على كرسي السُلطة في مسلسل "الذئاب"، وأستطيع أن أمزج بين القوة والحنية لأنني أعرف نموذج المرأة الذي أقدمه.
** كيف تصفين المرأة القوية؟
المرأة القوية هي التي تعرف ما تريده من الدنيا، وتنتقي زوجها وحياتها وتتحكم في قرارتها ومصيرها، وصاحبة رأي في حياتها.
** لماذا لم تصور جميع أدوارك المسرحية تليفزيونيًا؟
لأنها بالمسرح القومي التابع لوزارة الثقافة والدولة، والقرارات وقتها ليس لي دخل بها بعدم تصويرها، لذا أغلب الأعمال المسرحية لم تصور تلفزيونيًا.
** كان دور هند بنت عتبة بفيلم "الرسالة " نقلة نوعية في حياتك الفنية.. حدثينا عن ذلك؟
بدأنا تصوير الفيلم عام 1974، وهو أول عمل يصدر في نسختين إحداهما عربية والأخرى أجنبية، بمشاركة ممثلين عرب وأجانب، ولا أعتقد أن أحدًا يستطيع أن يخرج الفيلم مثل المخرج الراحل مصطفى العقاد.
** ما القضية التي تشغلك وتتمنين أن تناقشيها في عمل فني درامي؟
ليست بالضرورة مناقشة قضايا ولكن ممكن أن يتعرض لفكر إنساني، ولا أتطلع لمناقشة قضية محددة، ولكن أحلم بتجسيد شخصية السياسية الهندية "أنديرا غاندي" في فيلم عالمي، وهي المرأة الوحيدة التي استطاعت أن تتولى منصب رئيس الوزراء بالهند لثلاث فترات متتالية، كما أنها قُتلت بشكل تراجيدي يشبه روايات شكسبير، وعندما اُغتليت كتبوا عن وفاتها "رحيل الأم"، وقصة حياتها تشبه المسرحيات التي أحب تقديمها، وهذه النوعية من الأعمال تتطلب إنتاجًا ضخمًا، ولا يوجد منتجون يفكرون بهذه الطريقة، أما إذا تم إنتاجها في هوليوود على سبيل المثال ربما يذهب الدور لممثلة عالمية شهيرة أخرى.
** كيف تقيمين مسيرتك الفنية؟
لا أستطيع تقييم مسيرتي، وأترك هذا للنقاد والجمهور، لكنني فخورة بكل عمل شاركت به، وسعيدة بجميع أعمالي، لأنني فنانة سورية جسّدت أدواراً متميزة دون أن يتبناني أحد فنيًا، وإذا جاز القول فأنا فنانة صنعت نفسي أو هذا قدري.
** كيف تتعاملين مع مواقع التواصل الاجتماعي وهل أنت من المتفاعلين عليها؟
لا أحب التعامل على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس لدي أي حساب رسمي على أي منها.
ما خططك الفنية في الفترة المقبلة؟
عُرض لي مؤخرًا فيلم "الهيبة" بعد إصدار 5 أجزاء درامية تليفزيونية منه، وحالياً عُرض عليّ أعمال أقرأها ولم أقرر بعد لأنني أريد عمل أفضل ومميز أيضًا، ولا أعتقد أني سأظهر في رمضان المقبل بعمل فني.