ترتبط العلاقات المصرية الإماراتية بوشائج متنوعة، عكسها حرص مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على تعزيزها والدفع بها في مختلف المجالات سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. ولم تكن مقولته عن مصر بأنها بالنسبة للعرب هي القلب "وإذا مات القلب فلا حياة للعرب"، إلا تقديرًا لدور مصر الريادي والتزامها التاريخي تجاه أشقائها العرب، ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة احتفال مصر والإمارات بمرور 50 عامًا على العلاقات بين البلدين خلال الفترة من 26 إلى 28 أكتوبر 2022 بالقاهرة تحت شعار "50 عامًا.. مصر والإمارات قلب واحد".
من هذا المنطلق، جاءت مشاركة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في فعاليات حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية 2024، في 3 أكتوبر 2024 والذي رحّب به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشكر حرصه وإصراره على الحضور رغم مشاغله. وتتزامن تلك المشاركة مع احتفالات مصر بمرور 51 عامًا على انتصارات حرب أكتوبر 1973، والتي نجحت مصر خلالها باسترداد أرضها وكسرت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.
وكما برهنت حرب أكتوبر على بسالة الجندي المصري في ميدان المعركة، وصموده الأسطوري، وإصرار مصر على استعادة كامل تراب الوطن بالحرب وبالمفاوضات وبالتحكيم الدولي، فإنها أيضًا جسدت محورية التضامن العربي الذي ساند مصر في معركتها المصيرية، لذلك لا تُنسى مقولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان خلال حرب أكتوبر بأن النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي، لتعكس ملحمة فريدة من التضامن أسهمت ضمن عوامل عديدة أخرى في دعم انتصار مصر في حرب السادس من أكتوبر، وإدراكًا بأن مصر لم تبخل عبر تاريخها الممتد على أمتها العربية بتقديم يد العون والمساعدة، بل وخوض الحروب إذا استلزم الأمر دفاعًا عن الكرامة والأرض العربية، ولطالما تعددت القمم العربية الطارئة التي دعت إليها القاهرة لدعم قضايا الأمة العربية، وكل هذا من منطلق دور الشقيقة الكبرى وهو التزام تاريخي لمصر تجاه أشقائها. وتجلت المواقف العربية المساندة لمصر بعد ثورة 30 يونيو 2013؛ إدراكًا للارتباط الوثيق بين الحفاظ على استقرار مصر وأمنها واستقرار المنطقة العربية ككل.
مرتكزات داعمة
تجسد العلاقات المصرية الإماراتية نموذجًا للشراكة الاستراتيجية في العلاقات بين الدول، والتي قامت على ركائز داعمة لتطور تلك المسيرة لقرابة ما يزيد على نصف قرن من الحفاظ على الاحترام المتبادل تحت مظلة أواصر الصداقة التي تربط قادة البلدين، وهو الأمر الذي انعكس على العلاقات الثنائية في مجالاتها السياسية الاقتصادية والتجارية والثقافية والتنموية، لذلك يمكن الإشارة إلى أهم مرتكزات تلك الشراكة على النحو التالي:
(*) مواجهة التهديدات المتنامية: ثمة إدراك مشترك لدى مصر والإمارات يقوم على مواجهة التحديات الإقليمية بإرساء الاستقرار في المنطقة، والحفاظ على وحدة الدولة الوطنية، وحماية مقدرات شعوب المنطقة، من خلال تبني رؤية مشتركة تقوم على تسوية أزمات المنطقة بالطرق والوسائل السلمية، لذلك فإن هناك رفض مشترك للتصعيد الإسرائيلي في المنطقة، والمطالبة بحل الدولتين والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، لذلك جاءت مساندة المجموعة العربية في الأمم المتحدة، من خلال مشروع القرار العربي الذي تقدم به الأردن ممثلًا عن المجموعة، في الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي حمل عنوان "الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة". والذي تم التصويت عليه في 27 أكتوبر 2023، وحظي بأغلبية 121 دولة، وعارضته 14 دولة، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت. ودعا القرار إلى هدنة إنسانية وفورية دائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية الإسرائيلية، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورًا ودون عوائق.
(*) المدخل التنموي: يجسد المدخل التنموي أحد أهم ركائز التعاون المصري الإماراتي، فتعد الإمارات أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، فيما تعد مصر خامس أكبر شريك تجاري عربي لدولة الإمارات، وتجسيدًا للتعاون التنموي شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد في 4 أكتوبر 2024 إطلاق مشروع رأس الحكمة التنموي والذي يمثل نموذجًا للشراكة التنموية البناءة بين مصر والإمارات، وفقًا للمتحدث الرسمي للرئاسة المصرية.
وشاهد الرئيسان عرضًا مرئيًا حول أهداف المشروع ومكوناته، وما ينطوي عليه من أهمية اقتصادية واستثمارية وعقارية وسياحية وبيئية كبيرة، كما استمعا لشرح بشأن مميزات المنطقة والخدمات المتكاملة والفرص التنموية والاقتصادية التي يوفرها المشروع، وشهدا أيضًا توقيع عدد من الشراكات المصرية والإماراتية عقود بدء العمل بالمشروع.
وبشكل عام تتنوع مجالات التعاون الاستثماري بين البلدين، إذ بلغ عدد الشركات الإماراتية المُستثمِرة في مصر نحو 1485 شركة في مختلف المجالات الاقتصادية الاستراتيجية كالاتصالات والسياحة والقطاع المالي والمصرفي والعقاري والبنية التحتية والموانئ إلى جانب الزراعة والتجارة والصناعة وغيرها. كما تستثمر الشركات المصرية في الأسوق الإماراتية في المجالات الإنشائية والعقارية والمالية وتجارة الجملة والتجزئة.
ومثلت استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP27، واستضافة الإمارات لـ 28 COP فرصة مواتية لتعزيز التعاون بينهما في مجال العمل المناخي والبيئي، لا سيما وأن مصر حققت نجاحًا فريدًا بالاتفاق على إنشاء صندوق للخسائر والأضرار، وذلك بهدف تعويض الدول التي تتضرر من الانبعاثات الملوثة للبيئة، والتي أدت لارتفاع درجات الحرارة، وازياد معدلات التصحر التي بلورت ظاهرة اللاجئ البيئي في العديد من دول العالم النامي التي تحتاج لمساندتها لمواجهة التداعيات السلبية مع التغيرات المناخية الحادة.
(*) المدخل الثقافي: تمثل الروابط الثقافية أحد مجال التعاون المصري الإماراتي، لاسيما وأن المجتمعين المصري والإماراتي من المجتمعات التي تتبنى مبادئ الدين الإسلامي الوسطي المعتدل والبعيد عن الغلو والتطرف. من هنا كان للأزهر الشريف مكانته في العالمين العربي والإسلامي باعتباره منارة الفكر الوسطي المعتدل. ودشنت الإمارات مجلس حكماء المسلمين في 19 يوليو 2014، برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، بهدف العمل من أجل تعزيز السلم ونشر قيم الحوار والتسامح والتعايش الإنساني، وبناء جسور التواصل ولم شمل الأمة الذي يعد واجبًا تضامنيًا يجب العمل عليه من خلال تكثيف الجهود البناءة، وتقديم المبادرات الملهمة.
وبشكل عام، يعد التعاون الثقافي المصري الإماراتي ركيزة أساسية في تشكيل الوعي العربي، باعتبار أن الثقافة والتعليم الأكثر تأثيرًا في تشكيل كيان الإنسان، لذلك تتنوع فعاليات معارض الكتب التي تقام في الدولتين، وما يقام على هامش تلك المعارض من ندوات تثقيفية ولقاءات مع مفكرين وصناع الرأي العام، فضلًا عن تعزيز مجالات التعاون في مجال المسرح التجريبي والمشاركة البناءة في العديد من المبادرات الثقافية مثل مبادرة تحدي القراءة بالعربي، وإطلاق الإمارات لجائزة الإعلام العربي التي تتضمن العديد من الجوائز في المجالات الإعلامية المختلفة ومنها المجال الثقافي.
مجمل القول، ترتكز العلاقات المصرية الإماراتية على مقومات راسخة تجسد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في ظل إقليم يموج بالعديد من التحديات، بما تحتاج معه المنطقة العربية للتضامن العربي بين الدول الفاعلة والمؤثرة لحماية النظام الإقليمي العربي بهويته وقيمه ومصالحه، والحفاظ على وحدة الدولة العربية وسلامتها الإقليمية، وهي التصورات الحاكمة للإدراك المصري الإماراتي الداعم للاستقرار ليس فقط الإقليمي بل والعالمي أيضًا.