تشهد العلاقات المصرية الإماراتية منذ تولي الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، زمام السُلطة في 8 يونيو 2014 أزهى فتراتها، فعلى المستوى الرسمي تلاحظ تقارب بل اتفاق وجهتي نظر البلدين تجاه القضايا الإقليمية والدولية، ففي الأزمات العربية ظل التنسيق بين قيادات البلدين هو الحاكم والمحدد لمسار اتجاهات الاستقرار والانضباط الداخلي في العديد من الدول الشقيقة. أما على المستوى غير الرسمي، فهنا نُشير إلى أن المزاج الشعبي في البلدين، يبدو عليه الاحترام المُتبادل، والتخوف على مستقبل العلاقات بين الطرفين، بل الحرص على مساندة قيادتيهما في السياسات الخارجية تجاه القضايا الإقليمية والدولية.
تأسيسًا على ما سبق، وفي ظل التقارب الواضح بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد، وهو ما ينعكس إيجابيًا على مُختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، يُحاول هذا التحليل التطرق إلى أبعاد العلاقات بين القاهرة وأبوظبي، ومُؤشرات تعاظمها.
أسس راسخة:
ثمة أبعاد تأخذها العلاقات المصرية الإماراتية، يُعد أهمها:
(*) الوسطية والاعتدال: تتناغم العلاقات المصرية الإماراتية في تعزيزها لقيم الوسطية والاعتدال والتسامح، باعتبارها أسسًا راسخة، تُمثل صحيح العقيدة الإسلامية التي عمل الإرهاب منذ التسعينيَّات على تشويهها، وهو الأمر الذي تتصدى له مصر دائمًا من خلال مؤسساتها الدينية، التي تعمل على بث روح التعايش والوئام بين الشعوب والأمم.
(*) تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات: تتبنى مصر والإمارات مشروع الحوار الحضاري بنزعته المستقبلية؛ لبناء مستقبل أفضل للإنسانية، وذلك عبر توظيف الإمكانات المُتاحة؛ لإيجاد أرضية مُشتركة للقاء والتفاهم بين الهويات الثقافية المُختلفة. وتتبنى مصر والإمارات فكرة الحوار مع الغرب عبر التعاون مع بابا الفاتيكان، وذلك بهدف إزالة الشوائب التي حاول المتطرفون ربطها بالدين الإسلامي الحنيف.
(*) التعاون المناخي: تُمثل قضية تغير المناخ فرصة للقاهرة وأبوظبي؛ لتأكيد التعاون والتنسيق، إذ تعمل مصر على نقل تجربتها في استضافة قمة المناخ (كوب 27) بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022 إلى دولة الإمارات التي ستستضيف بدورها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، بشأن تغير المناخ (كوب 28) أواخر هذا العام، خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر.
(*) مكافحة التطرف والإرهاب: تقوم السياسة الخارجية لكلٍ من مصر والإمارات على ضرورة رفض الإرهاب بمختلف صوره وأشكاله، وكذلك التصدي لداعميه ومموليه، بما في ذلك مُحاربة الأيديولوجيا المتطرفة. ووفق وزارة الخارجية الإماراتية، انتهجت دولة الإمارات في سبيل تحقيق ذلك أسلوبًا للوقاية من التطرف، عبر ضبط الخطاب الديني في المؤسسات الرسمية والمنابر والمناهج التعليمية. وتتعاون الدولتان في مكافحة أنشطة الجماعات الإرهابية، عبر التنسيق الأمني والمعلوماتي عالي المستوى.
(*) استعادة الاستقرار في المنطقة: تتبنى مصر والإمارات وجهة النظر التي تُعبر عن ضرورة استعادة استقرار الأوضاع في المحيط العربي عبر حل الأزمة الليبية، وإعادة دمج سوريا في محيطها العربي، وذلك كمقدمة لتحقيق الاستقرار في المنطقة التي تُعاني من آثار أحداث 2011. وظهرت مُؤشرات ما سبق، في تعاطي القاهرة وأبوظبي مع زلزال سوريا؛ إذ فتح البلدان جسورًا جوية لدعم السوريين والتخفيف من معاناتهم، إثر الزلزال المُدمر الذي ضرب مناطق من سوريا وتركيا في 6 فبراير 2023.
مظاهر التعاون الناعم:
(&) البعثات التعليمية والطبية: ساعدت البعثات التعليمية والطبية منتصف القرن الماضي والتي بدأت من القاهرة إلى الإمارات، في دعم وإرساء أسس النظام التعليمي والطبي، فعلى سبيل المثال يفتخر الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للإمارات حاكم الشارقة بتخرجه في جامعة القاهرة من بين مجموعة المبتعثين الإماراتيين في عام 1964. وتقدم الإمارات دعمها للمؤسسات الثقافية والتعليمية المصرية، مثل دعم مكتبة الإسكندرية، وجامعة الأزهر. ووصل عدد الطلاب المصريين الدارسين في الإمارات وفق هيئة الاستعلامات المصرية لنحو 70 ألفًا، وتقدم القاهرة العديد من التسهيلات للطلبة الإماراتيين للدراسة فيها.
(&) الفن والغناء: لم ينقطع التعاون الفني والثقافي بين مصر والإمارات، فمثلت زيارة كوكب الشرق "أم كلثوم" إلى أبوظبي؛ لإحياء ذكرى جلوس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على العرش، والتجهيز للاحتفال بقيام الاتحاد، فرصة للتقارب الفني والشعبي بين البلدين. وليس غريبًا أن يُقبل المصريون على اللون الفني الإماراتي الذي يُمثله الفنان حسين الجسمي، الذي أرَّخ للحظات مهمة في تاريخ الشعب المصري بعد ثورة 30 يونيو 2013.
(&) استضافة الأحداث الرياضية الكبرى: تُسهم استضافة السوبر المصري على الأراضي الإمارتية، فرصة للترويج للرياضة المصرية خارجيًا، كما أنه يُعبر عن حجم التنسيق والتفاهم الذي وصلت له العلاقات المصرية الإماراتية على جميع المستويات خاصة المستوى الشعبي. وفي هذا السياق، استضاف استاد 30 يونيو السوبر الإماراتي في 13 سبتمبر 2016. وتتجلى العلاقات بين الجانبين في اختيار أبوظبي لمصر لعقد "ماراثون زايد الخيري" الذي يُقام كل عام بإحدى المحافظات في مصر.
(&) تقدير إماراتي لإسهام المصريين في تخطيط الإمارات: دشنت إمارة أبوظبي شارعًا يحمل اسم المهندس المصري عبد الرحمن مخلوف، وذلك تقديرًا لإسهاماته في التخطيط العمراني لإمارة أبوظبي؛ حيث افتتح الشيخ خالد بن محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، عضو المجلس التنفيذي في ديسمبر 2021 شارعًا يحمل اسم المهندس المصري، وذلك تأكيدًا واعترافًا من الإمارات بالدور الذي لعبه المصريون في المساهمة في بناء دولة الإمارات. وقد نعى رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على صفحته الرسمية على تويتر وفاة الدكتور مخلوف في 15 ديسمبر 2021 واصفًا إياه بالمُخلص الذي عمل بصدق إلى جانب الشيخ زايد. وكانت قد كرمت الإمارات المهندس مخلوف في 2010 بمنحه جائزة أبوظبي.
انعكاسات ملموسة:
(*) التعاون في أوقات الأزمات: هناك مثل يقول يُعرف الصديق في وقت الشدائد، وكما كانت القاهرة أول مَن دعَّمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وسارعت للاعتراف به فور إعلانه ودعمته دوليًا، في المُقابل، لم تتخلف أبوظبي عن دعم الموقف المصري في جميع الظروف والأحوال؛ فكانت دولة الإمارات بقيادة مؤسسها الشيخ زايد آل نهيان من أوائل من وقفوا مع مصر في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وقال الشيخ زايد (رئيس الدولة في ذلك الوقت) كلمته التاريخية: "النفط ليس أغلى من الدم العربي". وفي السياق ذاته، كانت الإمارات من أوائل الدول التي أعادت علاقاتها بالقاهرة، بعد المقاطعة العربية إثر توقيع مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل، واستمر الدعم المُتبادل بين البلدين في المحافل والأحداث الدولية.
(*) المزاج الشعبي: كما أن المزاج الشعبي في الإمارات يميل إلى القاهرة دائمًا، كانت الفترة من يونيو 2012 حتى ثورة 30 يونيو 2013 التي أزاحت تنظيم الإخوان الإرهابي عن حكم مصر، تُعبر عن تخوفات المزاج الشعبي في مصر على مستقبل العلاقات المصرية مع العديد من الدول العربية، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة. فعلى مدار تاريخ العلاقات بين البلدين، يذكر الإماراتيون مصر بأنها وصية زايد، فيما يرى المصريون في الإمارات الدولة النموذج في التنمية والانفتاح والسند وقت الشدائد.
(*) القمم واللقاءات المُتبادلة: تعكس الزيارات المتبادلة بين الوفود الرسمية للبلدين مرحلة الشراكة الاستراتيجية التي وصلت لها علاقات البلدين، والتي تقوم على تنسيق المواقف وتبادل وجهات النظر حول دعم قضايا المنطقة. وقد جمع قادة البلدين خلال آخر 12 شهرًا 14 لقاءً وقمة بمتوسط لقاء كل 26 يومًا تقريبًا، وهو أمر يعكس حرص قادة البلدين على التنسيق والتواصل المُستمر. وتُعد دولة الإمارات أكبر مستثمر في مصر على الصعيد العالمي برصيد استثمارات تراكمي يزيد على 15 مليار دولار.
في الختام،تبرز ملامح وأسس التنسيق المصري الإماراتي، حجم التعاون المُتبادل على جميع المستويات. ويقوم هذا التعاون على أسس التناغم بين ثقافة الشعبين، وقد عبَّرت الإجراءات التي اتخذها الجانبان، وحجم التواصل المُستمر فيما بينهما منذ يونيو 2013 عن الإرادة الصلبة لدى القيادة السياسية في البلدين؛ بهدف مزيد من تنسيق المواقف، وكلها مسائل تصب في تعزيز التواصل والترابط بين شعبي البلدين.