تعود جذور العلاقات المصرية الإماراتية إلى حقبة الزعيم جمال عبدالناصر والرئيس المؤسس وحاكم أبوظبي زايد بن سلطان آل نهيان، واجتمع الزعيمان على دعم وحدة الأمة العربية وتصفية الاستعمار، فكانت أبوظبي من أبرز الداعمين لمصر في إزالة آثار العدوان الإسرائيلي في مدن قناة السويس، كما دعمت مصر منذ الوهلة الأولى قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، في 2 ديسمبر 1971، وعلى مدار 50 عامًا من الشراكة الممتدة في كل مجالات التعاون واتساق الرؤى والأهداف تجاه القضايا العربية والدولية، تحولت العلاقات إلى تحالف استراتيجي.
أسس العلاقات الثنائية:
تأسست العلاقات على أسس متينة عمادها الفكر القومي العربي الذي احتل مكانة مركزية لدى زعماء البلدين، فكان قيام دولة الاتحاد دلالة بارزة على طي صفحة الاستعمار البريطاني من قواعد شرق السويس، وهو ما انعكس في الأهمية المحورية للعلاقات الثنائية في أجندة السياسة الخارجية المصرية والإماراتية، على النحو التالي:
(*) اتساق الرؤى والأهداف: يمتلك البلدان دورًا محوريًا في محيطهما الخليجي والعربي ويحدوهما سعي دائم لتحقيق الأمن والاستقرار ونزع فتيل الأزمات في المنطقة عبر الوسائل السلمية، وتحقيق سلام دائم وعادل يضمن قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حرية الملاحة البحرية عبر المضايق البحرية هرمز وباب المندب، وفي مياه الخليج وبحر عُمان وبحر العرب والبحرين الأحمر والأبيض المتوسط.
(*) وحدة الأمن القومي: مع الإيمان الراسخ بأن الأمن القومي العربي ككل لا يتجزأ، تقف العلاقات المصرية الإماراتية كركيزة ولبنة أساسية في بناء الأمن القومي العربي، وتمثل خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه في معادلات المنطقة، وهو ما يؤكد الرئيس المصري السيسي، أن أمن الإمارات جزء لا يتجزأ من أمننا القومي المصري، عقب الهجوم الإرهابي من جماعة الحوثي على منشآت مدنية.
مجالات التعاون المصري الإماراتي:
تتنوع مجالات التعاون بين دولة الإمارت العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، في إطار التحالف الاستراتيجي الراسخ بين البلدين وإيمانهما بوحدة المصير، ويمكن تأكيد هذا كما يلي:
(*) سياسيًا: ترسخت أواصر العلاقات المصرية الإماراتية، خلال عهد الرئيس محمد أنور السادات، وفي حرب السادس من أكتوبر المجيدة، وقفت دولة الإمارات والدول العربية النفطية في خندق واحد مع مصر وسوريا، عبر فتح جبهة ثالثة لحظر المنتجات البترولية عن الدول الداعمة لإسرائيل.
كما قدمت أبوظبي دعمًا ماليًا لخدمة المجهود الحربي المصري، وسارعت لإعادة العلاقات مع مصر، عبر استقبال الرئيس الأسبق حسني مبارك، بحفاوة بالغة في أبوظبي 1987، ودعى خلال القمة العربية في عمّان، بضرورة عودة مصر للحضن العربي، ليمهد الطريق أمام تلك العودة واستعادة القاهرة لمقر الجامعة العربية.
وخلال غزو الكويت 2 أغسطس 1990، كان زايد في مصر، حيث قاد والرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، جهود إنهاء الأزمة وحشد الدعم العربي، فيما أرسل الرئيس مبارك قوات مصرية لتأمين آبار النفط في الإمارات.
فيما كان عهد خليفة بن زايد شاهدًا على موقف تاريخي من دولة الإمارات في دعم الثورة المصرية في مواجهة تمدد تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها تنظيم الإخوان الإرهابي. فمنذ 2014، اتسع إطار التعاون ليشمل تعميق التشاور السياسي الدوري على مستوى الوزراء في مذكرة تفاهم بين وزارتي خارجية البلدين في 2017، لتنسيق المواقف في الملفات الإقليمية والدولية، في توسيع لمذكرة تفاهم سابقة في 2008، فضلًا عن اتساق رؤى القيادتين حول المخاطر والتحديات التي تعرض أمنهما واستقرار محيطهما العربي.
وخلال 9 أعوام، التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، محمد بن زايد آل نهيان، في أكثر من ثلاثين لقاءً بين القاهرة وأبوظبي، أو على هامش مناسبات دولية وعربية، كما حضر "محمد" أهم الفعاليات المدنية والعسكرية في مصر، منذ افتتاح قناة السويس الجديدة وحتى قواعد محمد نجيب وبرنيس وجرجوب العسكرية الأضخم، في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
(*) اقتصاديًا وتجاريًا: تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لمصر، فيما تمثل مصر خامس شريك تجاري عربي للإمارات، ويبلغ حجم التبادل التجاري 7.5 مليار دولار سنويًا، ويسهم المصريون في الإمارات بتحويل 3.4 مليار دولار سنويًا، لدعم الاقتصاد الوطني، ويتجاوز عددهم 400 ألف شخص.
يبلغ عدد الشركات الإماراتية في السوق المصرية 1300 شركة بإجمالي الاستثمارات الإماراتية 20 مليار دولار، تخطط أبوظبي لزيادتها بنسبة 75 في المئة، خلال 5 أعوام، لتبلغ 35 مليار دولار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يتقدم محفظة الاستثمارات الإماراتية في مصر بواقع 55 شركة وإجمالي استثمارات 2 مليار دولار، يليها قطاع التمويل باستثمارات 1.7 مليار دولار موزعة على 49 شركة، وفي القطاع العقاري توجد 118 شركة باستثمارات 814 مليون دولار، وفي المرتبة الرابعة استثمارات صناعية في 131 شركة بنحو 544 مليون دولار، يتبعها 275 شركة في القطاع الخدمي بواقع 343 مليون دولار، ثم في القطاع السياحي تستثمر 48 شركة قرابة 260 مليون دولار، فيما تتوزع باقي الاستثمارات في قطاعات الطاقة والزراعة.
وفي نوفمبر 2019، أطلقت أبوظبي التنموية القابضة وصندوق مصر السيادي، منصة استثمارية في مشروعات اقتصادية وتنموية تقدر بنحو 20 مليار دولار، لتمويل حزمة استثمارات استراتيجية في قطاعات الخدمات اللوجستية والخدمات المالية ومشروعات البنية التحتية والتكنولوجيا والعقارات والسياحة والصناعات التحويلية ومجالات الطاقة الأحفورية والمتجددة.
وفي أبريل 2022، وقع البلدان مذكرتي تفاهم لإنتاج الهيدروجين الأخضر عبر تحالف استراتيجي بين شركة الإمارات لطاقة المستقبل "مصدر"، وشركة حسن علام للمرافق، بهدف التعاون في إنشاء وتطوير محطات الهيدروجين في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وساحل البحر الأبيض المتوسط، بإجمالي طاقة إنتاجية 480 ألف طن سنويًا بحلول 2030.
ووقع البلدان مع المملكة الأردنية اتفاق الشراكة الصناعية التكاملية في مايو الماضي، الذي انضمت إليه مملكة البحرين لاحقًا، بإجمالي استثمارات 10 مليارات دولار، ويستهدف دعم التكامل الاقتصادي وتعظيم القيمة المضافة لصناعات الدول المشاركة، خاصة في مجالات "الأسمدة، الأغذية، الأدوية، المنسوجات، المعادن، والبتروكيماويات".
(*) ثقافيًا ودينيًا: يمتلك البلدان تقاربًا ثقافيًا ودينيًا يبرز في إجلال قادة دولة الإمارات العربية المتحدة لعلماء الأزهر الشريف، واستضافة مدينة العين لأول فروع جامعة الأزهر خارج مصر، وتسهم أبوظبي في دعم الأنشطة العلمية والبحثية وترميم المؤسسات التعليمية الأزهرية.
وكان لبعثات المعلمين والمهندسين والأطباء المصريين، دور حيوي من مرحلة تأسيس دولة الاتحاد، على رأسهم المهندس عبدالرحمن مخلوف، الذي تولى تخطيط مدينة أبوظبي، وكرمته حكومة الإمارة بإطلاق اسمه على أحد شوارعها.
(*) عسكريًا: على غرار الأبعاد السياسية والاقتصادية المتميزة، ازدهرت العلاقات العسكرية بين مصر والإمارات، خلال الفترة الأخيرة، مدفوعة بالتعاون بين جيشي البلدين، لمجابهة التهديدات الإرهابية وأمن الحدود وضمان حرية الملاحة البحرية في الممرات والمضايق الاستراتيجية.
ويشمل التعاون إجراء التدريبات العسكرية المشتركة جوًا وبحرًا وبرًا، مثل تدريبات "زايد" الذي انتهت نسخته الثالثة في 2021، وتدريبات "صقور الليل" 2019، وتدريبات "خليفة" البحرية، كما يشترك البلدان في العديد من الفعاليات التدريبية المشترك مع الأشقاء العرب مثل تدريبات "سيف العرب".
كما يشترك البلدان في العديد من الفعاليات التدريبية الإقليمية والدولية، منها تدريبات ميدوزا الدورية مع اليونان وقبرص، ومع الجانب الأمريكي في التدريبات البحرية "تحية النسر" في 2016، و"استجابة النسر" في 2018، وتدريب هرقل الذي عُقدت النسخة الثانية منه في أغسطس 2022، بقاعدة محمد نجيب، بمشاركة المملكة العربية السعودية واليونان وقبرص.
في النهاية، يمكن التأكيد أن العلاقات المصرية-الإماراتية استمرت على وتيرة واحدة من التماسك الصلب، خلال الـ50 عامًا الماضية، وهو ما يمثل نموذجًا ملهمًا للعلاقات العربية-العربية، وهو ما انعكس على تقارب البلدين لدرجة الاتساق الكامل في القضايا والأزمات المصيرية.