"أتمنى أن أرتاح" هى الجملة التي كانت ترددها المطربة المغربية الكبيرة، الحاجة الحمداوية، في نهاية أيامها، بعد أن قطعت رحلة كبيرة من الفن والعطاء والتضحية والآمال، وظلت وحيدة تبحث عن ونس، وتاريخ فني لم يضمن لها قدرا من الأمان الكافي، فقد عاشت حتى آخر لحظة في حياتها تعمل وتبحث عن قوت يومها، وهو ما فسرته حينما سألها يوما أحد الصحفيين في مقابلة خاصة، قبل وفاتها بسنوات قليلة، لماذا لم تعتزلي؟ فأجابت: "أتمنى ولكن من يعيل أسرتي إذا توقفت فأنا الأم والأب وكل شيء بالنسبة لأسرتي".
احتفال جوجل
رحلة فنية طويلة للحاجة الحمداوية عنوانها "المعاناة"، ولكنها نجحت في أن تقدم إبداعا استحقت عليه أن يحتفي بها محرك البحث "جوجل"، اليوم في ذكرى ميلادها، ليشاهده العالم كله، ويبحثون عن اسمها ليعرفوا تاريخها الذي بدأ وهى في التاسعة من عمرها.
فن العيطة
انتمت الحاجة الحمداوية، التي ولدت عام 1930 في الدار البيضاء بالمغرب لأسرة فنية، فوالدها كان أحد عشاق فن العيطة، التي أصبحت هى أيقونته بعد مرور سنوات، وهو فن ينتمي إلى التراث المغربي، واعتماده الأساسي على الأشعار المجهلة التي لا يفهمها أحد سوى أصحاب الأرض، وكانوا يستخدمونه كشفرة سرية قديما لمواجهة الاستعمار الفرنسي، وشربته "الحمداوية" من ليالي السهر التي كان يقيمها والدها في منزلهم فتعلقت به.
تراث بالقصور الملكية
رفعت "الحمداوية" راية عائلتها، و ارتدت القفطان المغربي، وانتقلت إلى كل ربوع الأرض لتملأ العالم بفنها، وتنقل لهم تراث مدينتها، وتغنت بين البلدان والقصور الملكية، وحازت أغانيها على شهرة واسعة، حتى أن المطربة اللبنانية، ميريام فارس، طلبت منها أن تأخذ إحدى أغنياتها وتعيدها فوافقت على ذلك.
انكسار
رغم تلك الشهرة الواسعة، ولكن "الحمداوية" روت في مقابلة تليفزيونية، عن أنها مرت بظروف قاسية ماديا، منعتها فترة من نقل فنها إلى العالم، ولكنها استطاعت أن تتغلب على تلك الأزمة، وعادت لجمهورها، ولكن بعد فترة انكسرت وانطوت وعاشت أيامها الأخيرة في معاناة بعدما رحل ابنها الوحيد عام 2017، فدخلت المستشفى وتدهورت صحتها
نقل الراية
وببعض من الصلابة خرجت الحمداوية من تلك الأزمة، لكنها شعرت وقتها أن نهاية الرحلة قد اقتربت، فقامت بنقل الراية والتاريخ والتراث إلى الفنانة كزينة عويطة، وقدما سويا ديو بعنوان"جاضيا البحر" لتنهي بها تلك المسيرة العريقة المليئة بالكفاح.
رحيل
وفي الخامس من أبريل عام 2021 وعن عمر ناهز الـ 91 عاما، توقف دق البندير "الدف" الذي اعتادت أن تظهر به "الحمداوية" في حفلاتها وانطوت صفحة المعاناة والوحدة، وكسر سرطان الدم المحاربة ضد الاستعمار، ولكن لم تنطوِ صفحة المجد والتراث، ومازال إلى اليوم يتحدث الجميع عن الأيقونة الحاجة الحمداوية.