ـ أنا من مواليد غزة واعتدت على العمل في ظروف خطرة بفلسطين والأردن ولبنان
ـ أهالي غزة يعيشون أوضاعًا بشعة وسط صمت دولي وانحياز للرواية الإسرائيلية
يواصل المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، جولاته حول العالم لنقل نبض الواقع الفلسطيني جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، فبعد أن شارك في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، يعود للقاهرة التي يرتبط بعلاقة قوية بها وبفنانيها، إذ يتواجد كضيف شرف بملتقى "أولادنا" لفنون ذوي القدرات الخاصة، وذلك في إطار الاحتفاء بالسينما الفلسطينية.
دعم المواهب
يؤكد رشيد مشهراوي، في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية"، أنه حريص على المشاركة في هذا الملتقي في دورته الثامنة التي تقام حاليًا برعاية وزارة الثقافة المصرية، وأنها ليست المرة الأولى التي يشارك فيه حيث سبق أن شارك في دوراته السابقة وعضوية لجنة التحكيم، مضيفًا أنه من الفعاليات القريبة من قلبه، خاصة مشاركة الأطفال أحلامهم وطموحاتهم ودعم مواهبهم، وما يمتلكونه من طاقات إبداعية كبيرة.
عدم الوقوف كمتفرج
قبل 40 عامًا بدأ رشيد مشهراوي مسيرته الفنية الناجحة والتي انفعل فيها مع الأحداث التي جرت من حوله، قائلًا في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية": "نشأت في ظروف صعبة مرتبطة بالحرب، فأنا من مواليد غزة وأفلامي الأولى قدمتها فيها وحتى عندما كنت خارجها كنت أقدم سينما متنقلة وورش تدريب للشباب وقدمت مهرجان سينما الطفل بغزة، وأنا محسوب على غزة وهذا أمر أفتخر بها، وعندما اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر والتي لم تحدث مثلها من قبل في دمويتها ووحشيتها بتاريخ الكرة الأرضية، كان لا بد أن يكون لي دور فكان من الصعب أن أقف كمتفرج بدون أي رد فعل، فإسرائيل تقوم بعملية تطهير عرقي لأصحاب الأرض وأعداد ضخمة من الشهداء والنازحين وحالات تجويع وتشريد".
ظروف عمل خطرة
يضيف: "طول الوقت أدعم فلسطين من خلال أعمالي وأوظف كل أدواتي وأقدم قصصًا عنها فقبل ثلاثين عامًا حصد فيلمي والذي حمل اسم "حتى إشعار آخر" عام 1995 جائزة الهرم الذهبي وكان له علاقة بالانتفاضة الأولى في فلسطين وقدم في مهرجان القاهرة السينمائي أيام الراحل سعد الدين وهبة، وبعدها حصد فيلم "حيفا" أحسن فيلم لعدة سنوات وعرض في عدد من المهرجانات الدولية مثل "كان وتورنتو السينمائي"، وأنا عملت تحت الحرب في غزة، وتعرضت لظروف صعبة، والعمل بأقل الإمكانيات فلقد اعتدت على العمل في ظروف خطرة خلال الحرب ليس فقط غزة ولكن العراق ولبنان أيضًا، فهذه التجارب علمتني الكثير، حتى الأفلام التي قدمها الشباب من غزة أرى أنها تصنع لهم حياة وتجعلهم يشعرون بدورهم، وتوثق العلاقة بينهم وبين المكان الذي يعيشون فيه، كما أنها أعادت علاقتهم مع السينما، وقدموا فيها دور مهم".
أفلام جديدة
أشار إلى أن هناك عددًا من الشباب السينمائيين الذين سيكرر التعاون معه في أفلام جديدة، ولكنه لن يتخلى عن عمله كمخرج وصانع سينمائي قائلًا: "أنا شغوف بالسينما وأحبها وسأظل أعمل في الإخراج ولا يمكن أن أترك الساحة للمحتل ليروي قصصه من وجهه نظره فقط، فلن أكتفي بالإشراف على الأفلام فقد انتهيت من تصوير فيلم روائي طويل يحمل اسم "أحلام عابرة" وصورته في فلسطين وبيت لحم"
أضاف "كتبت سيناريو فيلم روائي طويل يحمل اسم "أولاد البلاد" وسأصوره قريبًا وأقدمه عام 2025 مع ممثلين محترفين ويشارك فيه عدة دول وإنتاج مشترك وأصوره بالأردن، وأنا كتبته قبل الحرب، وحتى بعد انتهاء الحب فأنا سأعمل شغلي ولسنا بحاجة لحروب لتقديم أعمال ولكن لدينا حياة وثقافة وتاريخ وفن وحياة، وأنا لا أريد لإسرائيل أن تحتل السينما".
رد فعل طبيعي
يبدو أن مشهراوي انفعل مع الأحداث التي كان شاهد عيان عليها، ليخرج شحنات الغضب التي يحملها في صدره تجاه الاحتلال في هيئة أعمال سينمائية ليقول عن ذلك: "ما أقدمه رد فعل طبيعي وتلقائي وأنا علاقتي وثيقة مع السينما والصورة مرتبطة بحياتي وكان دوري أن أقدم حكايات ولدي هاجس تاريخي، ومعظم السينمائيين من غزة وفلسطين الذين قدموا أفلامهم في مهرجانات دولية، كانوا نتاج ورش عمل قدمتها لهم مثل هاني أبو أسعد الذي قدم للأوسكار، وغيرهم على مدار 40 سنة".
نقطة فاصلة
يعود مشهراوي بالذاكرة لبدايات أفلامه التي كانت علامة فارقة في حياته وسلطت الضوء عليه، قائلًا في حواره: "لدي الكثير من الأفلام التي قدمتها في بداية مشواري واعتبرها نقطة محورية في حياتي، عرضت فيلم قصير بمهرجان برلين عام 1988، في الوقت الذي كان الراحل يوسف شاهين يعرض فيلم "إسكندرية ليه" وحقق فيلمي نجاحًا كبيرًا ولفت الانتباه لي، وأيضًا فيلمي "حتى إشعار آخر، حيفا" اللذين حصدا جوائز مميزة، لأنطلق للسينما الدولية، ومن حسن حظي أنني لم أعمل فقط في فلسطين ولكن الأردن والعراق ولبنان، أنا يهمني ما يحدث في الحياة العربية وأدرب سينمائيين في الهيئة الملكية بالأردن، وأرى من الطبيعي أن يكون لي دور مؤثر".
استنكار
يستنكر مشهراوي الأوضاع المزرية التي يتعرض لها أهالي سكان غزة مؤخرًا قائلا: "صحيح أن الظروف صعبة سواء في الانتفاضة الأولى أو الثانية وغيرها ولكن لم أرَ من قبل هذه الوحشية والدموية، ولم نكن نتوقع أن ما يحدث لنا الآن سيكون بهذه البشاعة أمام هذا الصمت والانحياز العالمي للرواية الإسرائيلية.
يواصل قوله "أنا عملت في ظروف صعبة ولكنني أرى أن هذه المرة هي أصعبهم، ولا استطيع أن أقارنه بما كنا نعيشه في السابق، فنحن نتحدث عن أكثر من 40 ألف شهيد، وأكثر من مليون نازح، و10 آلاف شخص تحت الأنقاض، ومشكلات نفسية للأطفال والنساء من هول ما شاهدوه، وتشريد وتجويع، فأنا أرى أن آثار الدمار التي خلفها الاحتلال تحتاج لأكثر من 10 سنوات لترميم الإنسان نفسه".