في 17 سبتمبر 2024، شهدت العاصمة المالية باماكو هجومًا إرهابيًا استهدف مدرسة الدرك العسكرية في فالادجي ومطار سينو موديبو كيتا الدولي.
يذكر أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تُعبر عن أكبر تحالف قاعدي حول العالم، أصدرت بيانًا أكدت فيه هجموها على مدرسة الدرك العسكرية، مُصرّحة بتنفيذها للعملية، التي أسفر عنها خسائر بشرية ومادية هائلة، فضلًا عن تدمير العديد من الطائرات المقاتلة، كما زعمت أنها دمرت ست طائرات عسكرية، بما في ذلك طائرة دون طيار، وألحقت أضرارًا بالغة بطائرات أخرى، إلى جانب إصابة البنية التحتية المدنية، مثل طائرة بوينج 737 الرئاسية، وطائرة كاسا للجيش المالي، وطائرة ATR-72 تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، وأضرمت النيران في العديد من المباني، وحظائر الطائرات والأجنحة.
تأسيسًا على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: لماذا تُطور جماعة نصرة الإسلام والمسلمين من عملياتها في مالي؟
بواعث متعددة
في سياق التوترات الأمنية والسياسية بمنطقة الساحل الإفريقي، تتنوع بواعث الهجوم الذي شنته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على مطار باماكو بين رغبتها في استعراض قدراتها وتحقيق مكاسب سياسية، ما يحمل دلالات متعددة تتمثل في:
(*) السيطرة على الخطوط اللوجستية: يمثل مطار سينو موديبو كيتا الدولي رمزًا للحداثة والانفتاح على العالم الخارجي الذي ترفض جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" معتقداته، إذ إنه وفقًا لمنطلقاتها الفكرية تُكفر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ما يُعرف بالنظام الدولي، باعتباره يحيد عن الشريعة الإسلامية، كما يُستخدم المطار لتوريد الإمدادات العسكرية والإنسانية، كما أنه وفقًا للمراقبين، فإن السيطرة على المطار يعطي الجماعة القدرة على عرقلة التحركات العسكرية والإمدادات الخارجية، وهو ما يعزز من موقف تنظيم القاعدة أمام الحكومة المالية التي تتلقى الدعم الأجنبي اللازم لمحاربة التنظيمات الإرهابية. لذا، يشير الهجوم على مطار باماكو الذي يُعد بوابة للسفر الدولي إلى نية الجماعة في إرباك التواصل الدولي بين مالي والدول الغربية، ومن ثم عزل مالي عن محيطها الإقليمي والدولي.
(*) رسالة أيديولوجية وتجنيد الأتباع: تسعى الجماعات الإرهابية دائمًا إلى الترويج لأفكارها، ومن ثُم جذب مُجندين جُدد باستقطابها الشباب الساخط على النظام المالي الحالي، ويُعد الهجوم على مطار باماكو الدولي ترويجًا لقدرات جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، إذ تمنح العمليات التي تنفذها الجماعة زخمًا دعائيًا يعزز صورتها أمام الجماعات الإرهابية الأخرى مثل تنظيم داعش الإرهابي الذي ينافس تنظيم القاعدة، ويسعى تنظيم القاعدة إلى إظهار تفوقه العسكري بتنفيذ هجمات تسهم في جذب انتباه الإعلام الدولي وتوجيه الأنظار إلى قدرة تنظيم القاعدة على تنفيذ عمليات نوعية ناجحة.
(*) رسالة سياسية: يدل الهجوم القاعدي على مطار باماكو الدولي على رغبة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في إرسال رسالة إلى الحكومة المالية والقوى الأجنبية تحديدًا فاجنر التي تنوب عن روسيا في مالي، مفادها أن الجماعة ما زالت تنتعش وتسعى لبسط نفوذها، وبالتالي الضغط على الحكومة والعناصر الأجنبية للانسحاب، فالهجوم على المطار، يعد رسالة قوية من تنظيم القاعدة بأنه لن يتوقف عن القتال وتنفيذ العمليات الإرهابية حتى انسحاب القوات، كما يمكن تفسير الهجوم بأنه وسيلة للضغط على الحكومة من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات، فلا نستبعد رغبة القاعدة في الحصول على تنازلات معينة مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى المحتجزين لدى الحكومة.
عواقب مُرتقبة
يترك الهجوم على مطار باماكو الدولي عواقب خطيرة على المشهد في مالي، حيث:
(*) زعزعة الاقتصاد المالي: صاحب الهجوم على مطار باماكو، تداعيات سلبية على الاقتصاد المالي، إذ يعطل الهجوم حركة الطيران التي تيسر عملية التجارة بين مالي والدول الأخرى، إلى جانب تأثر حركة السياحة والاستثمارات سلبًا، ما يزيد العبء الاقتصادي على الحكومة المالية التي تواجه العديد من التحديات المتعلقة بالاقتصاد المالي بالفعل. ناهيك عن تأثر المستثمرين الأجانب وشركات الطيران، من خلال إعادة التفكير في استثماراتهم وعملياتهم بمالي، ما يؤول إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني، وخلق أزمة جديدة متعلقة بالإمدادات تؤثر على تكلفة المعيشة.
(*) تأجيج الصراعات الإقليمية: يمكن أن تشهد مالي في الفترة المقبلة عقب الهجوم بالعاصمة باماكو مزيدًا من التوترات الإقليمية وزيادة حدة الصراع في المنطقة، تحديدًا بين الحكومة المالية ومجموعة فاجنر الروسية من جهة والتنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، فقد يدفع الهجوم الحكومة والقوات الدولية لتكثيف عملياتها العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية الصاعدة، فمن المتوقع اعتماد القوات المالية والدولية على الغارات الجوية والعمليات البرية لردع تلك التنظيمات، وبالتالي سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، ويحفز نجاح الهجوم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لتنفيذ عمليات أكبر في المنطقة.
(*) موجة جديدة من النزوح الداخلي: يؤدي الهجوم إلى ظهور موجة جديدة من النزوح الداخلي بفرار المدنيين من المناطق المتضررة إلى مناطق أكثر أمنًا، وبالتالي ستتعرض الدولة إلى أزمة إنسانية متفاقمة، وقد تواجه المنظمات الدولية صعوبة كبيرة في إيصال المساعدات الإنسانية للنازحين في ظل استهداف الجماعات الإرهابية للمطارات التي تنقل تلك المساعدات، ما يتمخض عنه تدهور أوضاع اللاجئين والنازحين داخليًا.
(*) التوترات العرقية والاجتماعية: تسبب الهجوم على مطار باماكو الدولي في حدوث موجة الاضطرابات بين بعض القبائل والأجهزة الأمنية، إذ حدثت مواجهات بين الشباب من الفولانيين -أكبر المجموعات العرقية في غرب إفريقيا- والأجهزة الأمنية. لذا، يُعد التحريض على العنف العرقي أخطر تداعيات الهجوم، نظرًا لأنه يهدد بنشوب حرب أهلية داخل مالي.
(*) الضغط على المجلس الحاكم: من المتوقع أن يؤدي الهجوم إلى إعادة النظر في التشكيل الحكومي الراهن، وحدوث تغييرات في المؤسسات الأمنية كالإطاحة بعدد من المسؤولين في الحكومة على رأسهم وزراء الداخلية والأمن، خاصًة أن المجلس الحاكم في مالي يتعرض لانتقادات شديدة؛ بسبب الفشل الذريع في منع الهجمات الإرهابية بالعاصمة باماكو.
(*) إعادة تقييم الاستراتيجية الروسية في مالي: لا شك أن الهجوم الدموي على مطار باماكو يضع روسيا في موقف حرج على الصعيد الدولي، إلى أن أصبحت أمام مفترق طرق بين رغبتها في القضاء على التنظيمات الإرهابية الصاعدة وتحقيق انتصارات لها باستخدام مجموعة فاجنر، وبين الاستجابة للرأي العام وردود الفعل الشعبية التي لا تعترف بمجهودات روسيا في تحقيق الأمن المالي، فمن المحتمل إعادة النظر في الخطط المتفق عليها بين روسيا وحكومة مالي؛ حتى تتم في مناخ أمني مستتب، خاصة في ظل الانتقادات الموجهة لفاجنر المتمركزة بالقرب من المطار المستهدف، وإثارة الشكوك حول تفويضها في مالي.
إجمالًا، يمكن القول إن الهجوم لم يكن هجومًا عشوائيًا، بل يعكس استراتيجية تتبعها الجماعات الإرهابية مثل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لاستغلال حالة عدم الاستقرار الداخلي التي تمر بها مالي من أجل تحقيق مصالحها. فاستهداف القاعدة لمطار سينو موديبو كيتا الدولي يبرز قدرتها على ضرب أهداف حيوية في قلب العاصمة رغم التدابير الأمنية المكثفة التي تتخذها الحكومة، فنلاحظ أن الاستجابة البطيئة لقوات الأمن المالية أثارت تساؤلات حول فعالية دفاعات الدولة في المواقع الاستراتيجية، ويبدو أن التوقيت مثاليًا للتنظيمات الإرهابية لإظهار ضعف الحكومة الانتقالية المدعومة من روسيا، ويعزز من مكانة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" مقارنة بالجماعات الإرهابية المنافسة لها.