الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما تأثير مقتل "ولد شعيب" مؤسس داعش في مالي على مستقبل التنظيم بغرب الصحراء الكبرى؟

  • مشاركة :
post-title
تنظيم داعش فرع الصحراء الكبري في مالي

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

فى 21 يناير 2024، تلَقَى تنظيم داعش في الصحراء الكُبرى ضربة موجعة في ولاية ميناكا بمالي، إذ نجح الجيش المالي في القضاء على الشخصية الرئيسية والعقل المدبر للتنظيم "عبد الوهاب ولد شعيب"، في عملية عسكرية وقعت قُرب الحدود مع النيجر. وتضمنت العملية إنزالًا جويًا ناجحًا في منطقة ميناكا، تم القضاء خلالها على اثنين من مساعديه، وتعتبر عملية مقتل "ولد شعيب" جزءًا من "كليتجي"، وهي عملية مشتركة بين الجيش المالي وقوات برخان الفرنسية والأمم المتحدة، ونتج عنها تحييد عدد من الإرهابيين، بالإضافة إلى تدمير سيارتين و13 دراجة نارية.

يُذكَر أن القيادي عبد الوهاب ولد شعيب، يعد واحدًا من الشخصيات الرئيسية في تأسيس تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، كما أنه المسؤول الرئيسي عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها التنظيم في ولاية ميناكا، ويعد مقتل العقل المدبر لداعش الصحراء الكبرى، لحظة تحوُل حاسمة من المحتمل أن تؤثر على هيكلية التنظيم، وتفتح بابًا لتحديات وتغيرات جديدة في ساحة معركة مكافحة الإرهاب.

العقل المدبر لداعش الصحراء الكبرى "عبد الوهاب ولد شعيب"

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى تأثير مقتل "ولد شعيب" على مستقبل التنظيم بغرب منطقة الصحراء الكُبرى.

عوامل استمرار التنظيم:

تمكن فرع تنظيم داعش الصحراء الكبرى من فرض سيطرته في مالي، نتيجة عوامل مُحفزة تتمثل في:

(*) تغير الأنظمة الحاكمة: تقع ميناكا في المثلث الحدودي بين دول شهدت اضطرابات في نظم الحكم وتحولات في الآونة الأخيرة، ممثلة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ما يعني أن المناخ مُجهز بشكل قوى لتمدد وصعود تنظيم داعش الصحراء الكبرى، وبإمكانه استغلال الأوضاع الإقليمية لتهريب الأسلحة والمخدرات وتجنيد عدد كبير من الأفراد وتهجيرهم بطريقة غير شرعية للانضمام للتنظيم، نتيجة الظروف الإقليمية في إفريقيا، فما حدث متتابعًا في الأنظمة الحاكمة أفسح المجال لداعش الصحراء الكبرى لتنفيذ مزيد من الهجمات للانتصار على تنظيم القاعدة وحركة أزواد الانفصالية.

(*) هدف الهيمنة: يسعى داعش فرع الصحراء الكبرى إلى إقامة ولاية ميناكا؛ حتى تترسخ أقدامه في مالي التي تعتبر نقطة استراتيجية مهمة واقعة على الطرق المؤدية إلى ولايتي ميناكا وغاوا، فإعلان إمارة داعشية جديدة في ميناكا، يمثل الهدف الأسمى الذي يسعي التنظيم إليه، وعلى الرغم من عدم إعلان تلك الإمارة بشكل رسمي، إلا إنه واقعيًا أصبح داعش فرع الصحراء الكبرى مسيطرًا على الولاية، مع استمرار توافد عدد كبير من القيادات السابقة لداعش في العراق وسوريا إليها؛ لمتابعة الخطط التكتيكية الهادفة لصعود التنظيم.

(*) بيئة خصبة لنمو الإرهاب: مع التحديات التي تواجهها الحكومات المركزية في مدّ الخدمات التنموية في ميناكا، يستغل تنظيم داعش الصحراء الكبرى تردي الأوضاع في المنطقة، ويحاول بسط نفوذه وسيطرته على السكان، ويتبع استراتيجية الترهيب من أجل السيطرة والانتصار على تنظيم القاعدة المنافس له. لذلك، يقوم التنظيم بفرض السيطرة من خلال إغلاق القرى والمدن الكبرى التي انقطعت علاقاتها مع الحكومات المركزية، وفرض الإتاوات، وتهريب الأسلحة، وارتكاب الجرائم، ودعم الهجرة غير الشرعية لتجنيد أكبر عدد من الأعضاء لتنظيم داعش.

(*) انسحاب القوات الدولية: إن الظروف الإقليمية الناتجة عن انسحاب قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أتاحت الفرصة للتنظيمات الإرهابية خاصة القاعدة وداعش الصحراء الكبرى من التمدد. كما سبق وغادرت القوات الفرنسية مالي؛ فيما تمكنت قيادة داعش الصحراء الكبرى من تنفيذ هجمات قتالية لتوسيع نفوذها وبسط السيطرة.

تداعيات مُحتملة:

من المُلاحَظ أن مقتل القيادي "عبد الوهاب ولد شعيب" له تداعيات على هيكلية التنظيم، يتمثل أبرزها في:

(*) استراتيجيات بديلة: المتكرر أن تنظيم داعش لا يُفصح عادًة عن مقتل زعيمه، إلا بعد الاستقرار على اختيار قائد خلفًا له، ويسعى التنظيم لوضع خطة طوارئ للتعامل مع سقوط قياداته. وعليه، تعد عملية قتل "ولد شعيب"، التي كانت على مرأى ومسمع الجميع، أحد مربكات التنظيم خلال العام الأخير. فعدم إعلان داعش عن خليفه حتى الآن، قد يكون سببه وجود نقاشات مؤثرة داخل مجلس شورى التنظيم، خاصة أنه يتبع آلية "البيعة المجهولة" التي تتسبب في اهتزاز ولاء عدد كبير من الأعضاء الرافضين لتلك الآلية في تعيين الخليفة.

(*) ارتباك داخل التنظيم: مع الفراغ القيادي الذي خلفه مقتل العقل المدبر "عبد الوهاب ولد شعيب"، من المحتمل مواجهة داعش فرع الصحراء الكبرى انقسامات داخلية حول تعيين قيادي، ما قد يتسبب في تعطيل بعض خطط وعمليات التنظيم المدروسة، ودخول التنظيم في مرحلة خمول في تنفيذ العمليات المخطط لها؛ نظرًا لغياب الشخصيات القيادية الكاريزمية. فمع الاستعانة بأحد قيادات الصف الثالث في التنظيم لرئاسة داعش فرع الصحراء الكبرى، سيتم إعادة رسم السياسات في ظل إدارة جديدة.

(*) تَمَدُد قاعدي: في ظل التنافس المحموم بين تنظيمي "القاعدة" و "داعش" في منطقة الصحراء الكبرى، سيسعى تنظيم القاعدة جاهدًا إلى توسيع نطاق عملياته في الصحراء الكبرى، مُستغلًا عدم الاستقرار الداعشي الذي فقد عقله المدبر، وبات داعش دون قيادة تحكم نشاط التنظيم. فمن المحتمل أن يرفع تنظيم "القاعدة" مستوى الضغوط على داعش، حد احتدام العلاقات بينهما.

(*) شن هجمات جديدة: مع المحاولات الدولية القائمة بشأن تصفية قيادات الصف الأول لدى تنظيم داعش، وفقدان داعش خلال الفترة (2020-2022) ما يقرب من ثلاث قيادات من رتبة "الخليفة"، وفقدان العقل المدبر للتنظيم فرع الصحراء الكبرى، تكَيَف التنظيم مع الضربات التي يتلقاها. لذلك من المرجح أن يسعى تنظيم داعش فرع الصحراء الكبرى إلي شن هجمات جديدة، نظرًا لمرحلة التمدد الداعشي في إفريقيا، والصعود نتيجة الهجمات المتتالية والعمليات القتالية.

(*) الدخول في مواجهات عسكرية: مع تكثيف الضغوط التي يواجهها داعش الصحراء الكبرى من الجيش المالي والحركات المسلحة الموالية له كالأزواد والقاعدة، من المرجح عقب مقتل العقل المدبر تكثيف الجيش المالي الجهود لمكافحة الإرهاب، وبالتالي الدخول في مواجهة عسكرية من قِبل القوات الوطنية والإقليمية والدولية خاصة قوة الساحل الخمس G5 وقوة برخان الفرنسية وبعثة الأمم المتحدة في مالي.

على ضوء ما سبق، يمكن القول إن مقتل "عبد الوهاب ولد شعيب" سيكون له انعكاسات مباشرة على فرع تنظيم "داعش" في منطقة الصحراء الكبرى، على نحو قد يدفعه إلى إعادة النظر في مساراته التنظيمية وارتباطاته الفكرية خلال المرحلة المقبلة. لكن دلالات العملية التي أسفرت عن مقتل العقل المدبر في مالي، حتى وإن أثرت في هيكلية التنظيم بالداخل، فلا تؤثر على وتيرة الانتشار التي يشهدها تنظيم داعش الصحراء الكبرى. ولا يمكن إغفال حقيقة نجاح الجيش المالي في تحقيق انتصار بملف مكافحة الإرهاب، على الرغم من الظروف المواتية التي تفتقر لدعم دولي يتصدى لهجمات داعش الصحراء الكبرى.