الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

إلى أين وصل مستوى التحالف بين الأزواد والتنظيمات الإرهابية في مالي؟

  • مشاركة :
post-title
مقاتلون من الحركة الوطنية لتحرير أزواد

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

مع احتدام الصراع الروسي الأوكراني على الساحة السياسية الدولية، اتجهت الأنظار نحو مناطق جديدة لتصبح ميدانًا للتنافس بين القوى المتصارعة، وكانت منطقة غرب إفريقيا -تحديدًا مالي- من أبرز المناطق التي وقع الاختيار عليها لتصبح ساحة تنافس جيوسياسي، في ظل نمو تحالفات غير تقليدية بين الأزواد والتنظيمات الجهادية، خاصة مع انسحاب بعض القوى الغربية كفرنسا التي تراجع نفوذها التقليدي في دول التحالف الثلاثي (مالي ـ النيجر ـ بوركينا فاسو)، وسعت روسيا لسد الفجوة التي أحدثتها فرنسا عبر قنوات غير تقليدية، مثل مجموعة فاجنر التي يمثل وجودها جزءًا من سياسة القوة الاستباقية التي تعتمدها موسكو. ولم يقتصر الوجود الروسي في مالي على الوجود الأمني فحسب بل امتد إلى أبعاد أخرى جيوسياسية واقتصادية، حتى تتفادى روسيا العقوبات الغربية المرتبطة بحربها مع أوكرانيا، وعلى رأسها عقوبات فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ومن ثم تحاول روسيا بأن تجد ما يعوض خسارتها، فاتجهت أنظارها إلى مناطق مختلفة، لا سيما مالي.

تأسيسًا على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: إلى أين وصل مستوى التحالف بين الأزواد والتنظيمات الإرهابية بمالي؟

مُحفزات للتحالف

جاء الحديث عن تحالف بين التنظيمات الإرهابية وحركة الأزواد في مالي، بُناءً على عدة عوامل مهدت الطريق للتنسيق بينهما رغم الاختلافات الأيديولوجية، أبرزها:

(*) تعاون مُسبق: تغيب الأدلة في الآونة الأخيرة على وجود تحالف أو تعاون مباشر ومعاصر بين الجماعات المسلحة في مالي، على سبيل المثال، عام 2013، تحالفت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" مع حركة الأزواد للسيطرة على مدن في شمال مالي وتحقق الهدف بالفعل. وفي عام 2017، شكلت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" تحالفًا بين مجموعة من الجماعات والفصائل لتكوين قوة موحدة لتحقيق مصلحة مشتركة، علاوة على ذلك، يُلاحظ وجود تنسيق ميداني نسبي بين تنظيمات القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي في بعض المدن المالية، فالتحالفات الجهادية في مالي تتغير وفق الظروف الميدانية والمصالح المشتركة، ولم يكن التحالف أيديولوجيًا بالضرورة، بل كان تحالفًا تكتيكيًا ومصلحيًا، فحركة الأزواد تسعى إلى حليف قوي لمساعدتهم عسكريًا في مواجهة الحكومة المالية، في المقابل تسعى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" لتوسيع نفوذها، لتأسيس حكم إسلامي قاعدي متشدد.

(*) الهدف المشترك: من أجل السيطرة على شمال مالي، سعت التنظيمات الإرهابية وحركة الأزواد إلى التركيز على مصلحة كل منهم على حدا، إذ تسعى حركة الأزواد إلى إقامة دولة مستقلة للطوارق في إقليم أزواد، بينما كانت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" تسعى إلى توسيع نفوذها الإسلامي في ذات المنطقة، حتى تلاقت الأهداف في السيطرة على شمال مالي، ودفع ذلك الأمر كليهما للتحالف معًا؛ ومن ثم السيطرة على المدن والمناطق المهمة في شمال مالي، في عام 2013، تحالف الطرفان للسيطرة على مدن مثل تمبكتو وغاو وكيدال، حتى أصبحت تلك المناطق تحت حكم مشترك إلى حدٍ ما بين الطوارق والجماعات الإرهابية.

(*) الفراغ الأمني والصراعات المتجددة: عقب التوترات السياسية التي تعرضت لها مالي، منذ عام 2012، انهارت مالي بشكل جزئي، ما أتاح الفرصة للجماعات الإرهابية لاستغلال الفراغ الأمني والسياسي، وتركيزهم على الموارد الاقتصادية الغنية في شمال مالي، لشحن قوتهم وبسط نفوذهم في المنطقة، ومن ثم تقاسمت المصالح من خلال استفادة كل طرف من الآخر، فقدمت حركة الأزواد الدعم المحلي بالمنطقة، بينما وفرت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" القوة العسكرية والتنظيمية، وعقب إعلان الجيش المالي تنفيذ هجوم على بلدة "تينزاواتين" في الشمال، 27 يوليو 2024، بهدف كبح طموحات المتمردين الطوارق في السيطرة على منطقة "أزواد" والمطالبة بانفصالها عن باماكو، اندلعت المواجهات قرب الحدود مع الجزائر بين القوات المالية ومجموعة فاجنر من جهة، والمتمردين الانفصاليين بقيادة الطوارق من جهة أخرى، وكبدت حركة الأزواد القوات المالية وعناصر فاجنر الروسية المتحالفة مع الجيش المالي خسائر فادحة في منطقة كيدال شمال البلاد، ما أسفر عن مقتل 50 عنصرًا من قوات فاجنر و10 جنود ماليين، فيبدو أن تجدد الصراع في الآونة الأخيرة، سيجعل التحالف بين التنظيمات الإرهابية وحركة الأزواد قيد التطوير، للانتصار على الجيش المالي، وتكبيد مجموعة فاجنر خسائر جمة.

نقلات حاسمة

في ظل التحولات المفصلية التي تشهدها المنطقة، بات الحديث عن انتقال ساحة الصراع الروسي الأوكراني إلى الأراضي المالية نتيجة خطوات واقعية، تتمثل في:

(*) تدريب أوكراني للمتمردين الماليين: في الأول من أغسطس الماضي، أفادت صحيفة "لوموند" الفرنسية نقلًا عن مصدر عسكري في مالي، بأن مسلحين من الجماعات الانفصالية الإرهابية المنضوية تحت "الإطار الاستراتيجي للدفاع عن شعب أزواد" "MSA" توجهوا إلى أوكرانيا لتلقي تدريبات عسكرية باستخدام طائرات مسيّرة محملة بمتفجرات، بما في ذلك طائرات FPV والمسيّرات الثقيلة رباعية المروحيات، وهي أنواع لم تكن في متناول الجهاديين سابقًا، وأفادت المصادر بأن التدريب تم في منطقة تمبكتو المالية، وأكد المتحدث باسم الحركة وجود علاقات مع الأوكرانيين وقوى دولية أخرى، بينما عبّر بعض قادة الحركة عن قلقهم من إمكان انتقال الصراع الأوكراني إلى مالي. من جانبها، انتقدت روسيا التعاون الأوكراني مع التنظيمات والحركات الإرهابية، مشيرة إلى السجل التاريخي لأوكرانيا واستخدامها الأساليب الإرهابية.

(*) قرار حكومة مالي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا: الأحد 4 أغسطس 2024، أعلنت مالي قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا، متهمة مسؤولًا أوكرانيًا كبيرًا بالاعتراف بدور كييف في الهزيمة الثقيلة التي لحقت بالقوات المالية، 25 يوليو 2024، وبعد بضعة أيام، اتخذت النيجر قرارًا مشابهًا، وكان السبب الرسمي للقطع هو دعم أوكرانيا المزعوم للمتمردين الطوارق. ويعد قرار مالي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا قرارًا متسرعًا غير مدروس، لكن يحمل القرار تداعيات جيوسياسية واسعة النطاق، خاصة بعد حذف منشور للسفارة الأوكرانية في داكار بالسنغال على "فيسبوك" عبّرت خلاله عن دعمها للهجمات في مالي، ما دفع السنغال لاستدعاء السفير الأوكراني للحصول على تفسير. لكن، لا نستبعد أن تحذو دول إفريقية أخرى حذو مالي والنيجر في قطع العلاقات الدبلوماسية، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى أو بوركينا فاسو.

مستقبل الحضور الروسي

مع الحديث عن التحالف بين الأزواد والتنظيمات الإرهابية، هناك عدة سيناريوهات قد تجعل مالي أرضًا للتمدد الجيوسياسي المرتبط بالصراع الروسي الأوكراني، حيث:

(*) تكثيف الجهود الأوكرانية لمكافحة انتشار الدعاية الروسية في إفريقيا: عقب الهجوم الروسي الكامل على أوكرانيا، كثفت كييف جهودها لتعزيز حضورها في منطقة غرب إفريقيا، وحاولت اجتذاب أكبر عدد من الدول الإفريقية إلى صفها، وأسفر ذلك عن دعم دول إفريقية للقرارات الأوكرانية في الأمم المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، جرت عشرات المحادثات بين الرئيس الأوكراني ونظرائه الأفارقة، والعام الماضي، زار وفد من الزعماء الأفارقة بقيادة رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، كييف، وأجرى دميتري كوليبا، وزير الخارجية الأوكراني، جولة رابعة في إفريقيا، ناهيك عن ظهور بعثات دبلوماسية أوكرانية في سبع دول إفريقية، فلدى أوكرانيا 17 سفارة في الدول الإفريقية، وهو ما يفوق بشكل كبير عدد سفارات الدول الأوروبية المجاورة، ومن المتوقع بحلول نهاية 2024، أن يكون لدي أوكرانيا 20 بعثة دبلوماسية في إفريقيا، لمكافحة انتشار الدعاية الروسية بإفريقيا، ومن ثم العمل الأوكراني مع المنظمات الإفريقية، لمساعدة الأفارقة في فهم طبيعة وجوهر الحرب العدوانية التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا بشكل أفضل، وعلى الرغم من قطع كلٍ من مالي والنيجر العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا، إلا أنه من الصعب تقويض موقف أوكرانيا في إفريقيا بغض النظر عن مدى رغبة موسكو في ذلك.

(*) فتح جبهة جديدة للصراع الروسي الأوكراني على أراضي مالي: يبدو أن الأمور تؤول إلى فتح جبهة جديدة للصراع الروسي الأوكراني على الأراضي المالية، فمن المرجح بعد الانتصار الساحق الذي حققته أوكرانيا، يوليو الماضي، ضد مجموعة فاجنر الروسية، أن تسعى أوكرانيا لدعم المتمردين عسكريًا؛ لمحاربة فاجنر، ما يتمخض عن إطالة أمد الصراع الروسي الأوكراني. فانتقال ساحة المعركة بين موسكو وكييف إلى مالي، يمكن أن يتم بطرق غير مباشرة، وستسعى روسيا لدعم القوات المالية بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية التي تؤهلهم لإلحاق هزائم بالتنظيمات الإرهابية وحركة الأزواد باستخدام تقنيات التلاعب الإعلامي والهجمات السيبرانية، للتأثير على الحكومات الإفريقية، وشن هجوم عسكري على الطوارق في شمال مالي، ومن ثم توسيع نفوذها على منطقة الساحل الإفريقي.

(*) استراتيجيات روسيا لتجاوز أضرار الصراع مع أوكرانيا: من المرجح أن تشهد مالي زيادة في بناء أو استخدام القواعد العسكرية، حتى تتفادى فكرة تراجعها في منطقة غرب إفريقيا من خلال إقامة تحالفات دولية أيضًا. فنلاحظ بعد وقت قصير من الكمين الذي تعرضت له القوات المالية وقوات فاجنر، يوليو الماضي، كرر سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، التزام بلاده بمساعدة مالي في تعزيز قدرتها القتالية وتدريب العسكريين ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الملحة، ويبدو أنها محاولات من روسيا لكسب ثقة الأفارقة لتحقيق مصالحها، فروسيا في حاجة مُلحة للتغلب على العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب، من خلال استخدام الذهب السوداني الذي يسهم في إعادة الروبل إلى معيار الذهب، فالمكاسب السياسية التي تحققها روسيا في إفريقيا تشكل أهمية كبيرة أيضًا لجهودها الحربية، خاصة أن روسيا سعت إلى تصوير حربها على أنها نتيجة لاستفزازات حلف شمال الأطلسي التي أجبرت البلاد على الدفاع عن مصالحها.

إجمالاً، يمكن القول إن التدخلات الدولية المتزايدة في مالي تُلقي بظلالها على التحالف بين التنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة وداعش" من جهة وحركة الأزواد من جهة أخرى، إذ بينما تسعى بعض الفصائل الطوارقية إلى إعادة النظر في تحالفاتها مع الجماعات الجهادية لتحقيق مكاسب سياسية، تستمر التنظيمات الإرهابية في توظيف التحالفات المحلية لتأمين موطئ قدم لها في شمال مالي. وفي هذا السياق، جاءت الأحداث الأخيرة المتعلقة باحتمالية نقل التدريب العسكري الأوكراني إلى الأراضي المالية لتؤكد أن منطقة غرب إفريقيا ستجمع بين التطلعات القومية والتحالفات الجهادية والتدخلات الأجنبية، مع استغلال البيئة الهشة في مالي وصعود النفوذ الروسي هناك من خلال مجموعة فاجنر، ويستدعي الوضع اهتمامًا دوليًا لمراقبة تأثير الديناميات على استقرار المنطقة.