في قلب أروقة الاتحاد الأوروبي، تتكشف معركة جديدة للسيطرة والقيادة، فأورسولا فون دير لاين، التي صُنفت كأقوى امرأة بالعالم، تُضاعف من هيمنتها على المفوضية الأوروبية، إذ تُعيد تشكيل فريقها للولاية الثانية.
وتلوح في الأفق تحديات داخلية وخارجية تهدد قدرة "فون دير لاين" على الحفاظ على هذه السيطرة، وسط تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية بالقارة الأوروبية، وفق تقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
استراتيجية حذرة
أثبتت أورسولا فون دير لاين، في اجتماع خاص مع البرلمان الأوروبي بستراسبورج، أنها قائدة لا تترك شيئاً للصدفة، وفي أثناء الكشف عن أعضاء فريقها الجديد بالمفوضية الأوروبية عمدت إلى إبقاء هوياتهم سرية حتى اللحظة الأخيرة، ما أثار استياء أعضاء البرلمان.
ورغم الانتقادات الموجهة إليها حول هذه السرية، فإنها واصلت بسط سيطرتها على المفوضية، إذ أظهرت قدرتها على إدارة فريقها بكفاءة، ما جعل جميع السلطات تتدفق إلى مكتبها.
صراع مع المعارضين
تُعد مواجهة أورسولا مع المفوض الفرنسي تييري بريتون، الذي كان أحد أبرز منتقديها، مثالًا بارزًا على طريقتها في التعامل مع المعارضين، فبريتون، الذي رشحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لولاية ثانية، وجد نفسه خارج الفريق التنفيذي بعد محادثات خلف الكواليس بين ماكرون وفون دير لاين.
واستقال بريتون بعد استبعاده، متهمًا فون دير لاين بـ"الحكم المشكوك فيه"، ومع ذلك، نجحت فون دير لاين في إجبار الحكومات الأوروبية على تقديم مرشحات نسائية لشغل مناصب المفوضية، وكافأت تلك الدول التي امتثلت لطلبها بمناصب مهمة.
تحديات داخلية وخارجية
ورغم بسط نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي، فإن فون دير لاين تواجه ملفات داخلية شاقة، بما في ذلك الحرب المستمرة في أوكرانيا، وعدم الاستقرار السياسي في فرنسا وألمانيا.
في الوقت ذاته، يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات في تحقيق أهدافه الطموحة، بشأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن تتفاقم هذه التحديات في ظل المنافسة القوية المدعومة من الصين والولايات المتحدة بمجالات الاقتصاد الأخضر.
تحذيرات من الانهيار
حذّر كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي من أن استمرار قوة فون دير لاين يعتمد على دعم الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي، ورغم تحالف الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي الذي يدعمها، فإنها قد تواجه صعوبات متزايدة في تمرير التشريعات، خاصة مع تزايد نفوذ اليمين المتطرف بالبرلمان.
ويشير المحللون إلى أن هذه التحديات قد تجعل فون دير لاين أكثر عُرضة للتقلبات السياسية، ما قد يهدد استقرارها في المستقبل.
ملفات أوروبية ساخنة
واحدة من أكبر التحديات التي تواجه فون دير لاين في ولايتها الثانية هي كيفية تحويل الاقتصاد الأوروبي إلى اقتصاد أخضر مع تقليل الانبعاثات الكربونية، وفي حين أن الاتحاد الأوروبي يسعى جاهدًا لتحقيق أهدافه البيئية، فإن المنافسة الشديدة من الولايات المتحدة والصين تضيف طبقة جديدة من التعقيد.
وأشار ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، إلى ضرورة إجراء إصلاحات جذرية لتجنب الانحدار الاقتصادي للاتحاد، لكن هذه الإصلاحات لا تحظى بإجماع واسع بين زعماء الاتحاد الأوروبي.
من المتوقع أن تتولى المفوضية الجديدة بقيادة فون دير لاين مهامها، ديسمبر المقبل، وهذه الفترة قد تمثل ذروة سلطتها داخل الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن الأشهر القادمة ستكشف ما إذا كانت فون دير لاين، قادرة على مواجهة التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي والحفاظ على سيطرتها، في ظل الأزمات الداخلية والخارجية المتزايدة.