الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مسارات مُقلقة.. ما تداعيات إنهاء الحكومة في مالي لاتفاق "السلم والمصالحة"؟

  • مشاركة :
post-title
رئيس المجلس العسكري في باماكو خلال الاحتفالات بعيد الاستقلال- أرشيفية

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في 24 يناير 2024، أعلنت الحكومة الانتقالية في مالي، إنهاء العمل باتفاق السلم والمصالحة الموقع بدولة الجزائر عام 2015، وذلك بأثر فوري مع الجماعات الانفصالية الشمالية (الطوارق). وكان الاتفاق يتضمن 68 بندًا، ويُعد من أهم بنوده "اعتراف العاصمة باماكو بخصوصية الإقليم الشمالي، في إطار الدولة الموحدة، وقبولها بالتوسع في تطبيق اللامركزية، لتتيح تمثيلًا أكبر لأبناء الشمال بالجمعية الوطنية، ورفع مستوى التنمية بالشمال، ليعادل نظيره بالإقليم الجنوبي".

في ظل انهيار "السلم والمصالحة"، واتخاذ القادة الجدد في مالي، مسار مكافحة الحركات المُتطرفة التي اجتاحت دولتهم منذ عام 2012، يبقى السؤال، هو: ما أسباب إنهاء اتفاق السلام والمصالحة الموقع بين الأطراف المالية، وحدود تأثير انهياره على الداخل المالي ودول الجوار، وما احتمالات تجدد الصراع بين أطراف الاتفاق؟.

مُبررات متنوعة:

وفقًا للمراقبين، بررت الحكومة الانتقالية في مالي، إنهاء الاتفاق، بأسباب داخلية وأخرى مرتبطة بدول جوار، يمكن التطرق إلى أهمها، كالتالي:

(*) اتهامات غير مبررة: بررت السلطة الانتقالية في دولة مالي، إنهاء اتفاق السلم والمصالحة، بحدوث تغير في مواقف الأطراف الموقعة على الاتفاق مثل الطوارق، واتهامهم بالعمل مع أطراف خارجية، كما أعلنت الحكومة الانتقالية في مالي عن بعض المبررات لإنهاء "اتفاق الجزائر" وصفها بعض المراقبين بالواهية، حيث زعمت السلطة في مالي، أن الدور الجزائري في بلادهم تسبب في عدم الاستقرار الداخلي، باعتباره يفرض وصايا على الأطراف الموقعة على الاتفاق.

يُذكر أنه خلال النصف الثاني من شهر يناير الجاري، قال المتحدث باسم الحكومة المالية الكولونيل عبدالله مايغا في بيانٍ على التلفزيون المالي، إنّ "المجلس العسكري يعزو مسؤولية إنهاء الاتفاق الذي يُعد ضروريًا لحفظ استقرار البلاد، إلى التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة". في الوقت نفسه، أكدت الجزائر في بيان صادر عن وزارة خارجيتها، أنها لم تتقاعس يومًا عن العمل على تنفيذ اتفاق السلام والمصالحة في مالي بإخلاص وحسن نية وتضامن لا يتزعزع تجاه مالي الشقيقة، معتبرة أن القائمة الطويلة من الأسباب المقدمة دعمًا للانسحاب من الاتفاق لا تتطابق إطلاقًا مع الحقيقة أو الواقع.

(*) فشل الوساطة الدولية: اعتبرت الحكومة الانتقالية بمالي، أن عدم قدرة الوساطة الدولية على ضمان تحقيق أمن واستقرار مالي من خلال امتثال الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة، مثل دافعًا قويًا لقيام السلطة في باماكو بإنهاء الاتفاق، مبررة ذلك بأن تراجع دور الوساطة الدولية، انعكس سلبًا على المنافع الأمنية المحققة لدولتهم، نتيجة عدم التزام المتمردين الطوارق ببنود الاتفاق والسعي للانفصال عن الدولة.

(*) حسابات روسية: إدراك الحكومة الانتقالية بدولة مالي، برغبة روسيا في إعادة ترتيب الأوراق في منطقة الساحل الإفريقي، كان بمثابة دافع لهم في إنهاء اتفاق "السلم والمصالحة"، فالملاحظ وفقًا للمراقبين أن روسيا لديها رغبة قوية في الحفاظ على التوازنات الجديدة بمنطقة الساحل الإفريقي، وأنها تسعى إلى تشكيل اتفاق وتقارب مع المجلس العسكري في مالي، معتبرين أن التقارب الروسي من السلطة في مالي، سببه الرغبة الروسية في توسيع النفوذ في منطقة الساحل، على أن تكون روسيا حاضرة في كل المناطق التي تسيطر عليها الأزواد والقوى المعارضة، بما لا يضر بالأمن الأمن الاستراتيجي الجزائري.

تداعيات مُحتملة:

من المحتمل أن يؤدي انهيار اتفاق "السلم والمصالحة" إلى تداعيات سلبية، داخلية في مالي، بل قد تؤثر على دول الجوار ومنطقة الساحل الإفريقي، ويمكن رصد أهم هذه التداعيات كالتالي:

(-) تصاعُد نشاط الجماعات الإرهابية: من المرجح أن يؤدي إنهاء العمل باتفاق السلم والمصالحة في مالي -مع التطورات السابقة التي أدت إلى انسحاب قوات حفظ السلام، بالإضافة إلى فشل عملية "برخان" الفرنسية- إلى تزايد نشاط الجماعات الإرهابية في مالي ودول جوارها. فقد تسعى الجماعات الإرهابية، سواءً المتنافسة أو المتشابكة إلى استغلال الفراغ الأمني في مالي، وبالتالي تمدد من نفسها في هذه المنطقة وتنشط من عملياتها الإرهابية.

(-) أزمة نزوح في دول الجوار: من المحتمل أن يؤدي قيام الجماعات الإرهابية بإعادة نشاطها -الذي يصاحبه تراجع مستوى الخدمات الحكومية- إلى قيام السكان المحليين بالنزوح إلى الدول المجاورة لمالي، وهنا يرجح بعض المراقبين أن مسارات النزوح ستتجه إلى دولتي "الجزائر وموريتانيا"، وهذا ما يشكل ضغطًا جديدًا على دول جوار مالي، التي تسعى إلى تأمين حدودها؛ وبالتالي زيادة التكلفة الأمنية على حكوماتها.

(*) تجدُد الصراع مع الأزواد: قراءة وتحليل تصريح "بكاي أغ أحمد"، أحد مؤسسي الحركة الوطنية لتحرير أزواد، الذي قال فيه إنه "مع استمرار عدم تنفيذ اتفاق الجزائر، قد تذهب الحركات الأزوادية للتصعيد بخيارات منها إعلان دولة مستقلة في الإقليم"، يُشير إلى احتمالات تجدد الصراع بين أطراف اتفاق السلم والمصالحة، وبالتالي قد يشهد الداخل المالي مزيدًا من الاضطرابات خلال الفترة المقبلة.

(*) التأثير على الانتخابات: من المُرجح أن يؤدي تمسك الحكومة الجديدة بالانفراد بالسلطة، وعدم مشاركة أطراف "اتفاق الجزائر"، إلى صراع المناطق بدولة مالي، الذي يصاحبه صعوبة إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها خلال فبراير 2024، وعليه قد يُقرر من قبل الحكومة المالية أو الأطراف الدولية تأجيل الانتخابات لحين استقرار الأوضاع، وبالتالي تستمر المجموعة الانتقالية في السلطة، وهو ما يعني احتمالات حدوث تغير كامل في السياسة الخارجية لمالي مع أطراف التعاون والصراع القديمة خلال الفترة المقبلة.

(*) تعزيز التواجد الروسي: من المرجع أن تسعى روسيا إلى الاستفادة الكاملة من إعادة ترتيب الأوضاع في منطقة الساحل الإفريقي، بالتالي توسيع نفوذها في منطقة الساحل، خاصة أنه من مصلحتها في هذه الفترة أن تبقى حاضرة في المنطقة التي تشهد تغيرًا في شكل التنافس الدولي بعد خروج فرنسا، وعليه ستعزز روسيا وجودها في مالي، من خلال الحضور المؤكد في كل المناطق التي تسيطر عليها الأزواد والجماعات المتصارعة مع السلطة الانتقالية في مالي، وإن كان هذا يتم على حساب الدور الجزائري، إلا أن الحسابات الروسية تدرك أهمية الأمن القومي الجزائري، باعتباره داعمًا لمصالحها في المنطقة.

في النهاية، يُمكن القول إن إقدام الحكومة المالية على خطوة إنهاء العمل باتفاق السلم والمصالحة الموقع عام 2015، لا يبشر بوضع أمني مستقر في مالي والدول المجاورة؛ نظرًا لأن الاتفاق يضع حدودًا للتوترات القائمة، سواءً من جهة التنظيمات الإرهابية أو الحركات الأزوادية أو مجموعة "فاجنر" الروسية. ولذلك، أعلنت مالي في 25 يناير 2024 – بعد يوم من قرار إنهاء الاتفاق- عن السعي إلى تشكيل لجنة لتنظيم حوار سلام وطني؛ لتفادي حدة التداعيات المُشار إليها وعدم اللجوء لاستعمال منطق القوة أو السلاح في المنطقة.

وأخيرًا، فإن عجز الماليين في الحفاظ على اتفاق، حتى وإن لم يتم تنفيذ جميع بنوده على أرض الواقع، إلا أنه إطار يحكم التصعيد في المنطقة، خاصةً أن مالي أخيرًا من الدول التي شهدت تمردًا على نظام الحكم، كما النيجر وبوركينا فاسو.