يشهد اليسار الفرنسي حالة من الانقسام والتوتر الشديدين في الآونة الأخيرة، على خلفية الانتقادات الحادة التي وجهها النائب فرانسوا روفان لزعيم حركة فرنسا الأبية، جان لوك ميلينشون، ما يكشف عن عمق الخلافات داخل اليسار الفرنسي، وتثير تساؤلات حول مستقبل الحركة اليسارية في فرنسا.
استراتيجية ميلينشون تحت المجهر
كشفت صحيفة لوفيجارو الفرنسية عن انتقادات لاذعة وجهها النائب فرانسوا روفان، لاستراتيجية جان لوك ميلينشون وحركة فرنسا الأبية، إذ اتهم الحركة بتبني حملات انتخابية تستهدف الأقليات العرقية، ما أدى إلى تقويض مبدأ الشمولية الذي طالما تبناه اليسار الفرنسي.
وأشار روفان في كتابه الجديد إلى أن هذه الاستراتيجية أدت إلى تفتيت وحدة اليسار وخلق انقسامات عميقة داخل الحركة، هذه الانتقادات تسلط الضوء على التحديات التي تواجه اليسار الفرنسي في محاولاته للوصول إلى السلطة.
انشقاق روفان
شكل قرار فرانسوا روفان بالانفصال عن حركة فرنسا الأبية نقطة تحول مهمة في مساره السياسي وفي ديناميكيات اليسار الفرنسي ككل، إذ إنه وفقًا لما نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، جاء هذا القرار في توقيت حساس للغاية، وتحديدًا بين جولتي الانتخابات التشريعية، ما أثار العديد من التساؤلات حول دوافع روفان الحقيقية وخططه المستقبلية.
هذا التوقيت الاستراتيجي لإعلان الانفصال يشير إلى رغبة روفان في إحداث تأثير كبير على المشهد السياسي، فمن ناحية، يمكن اعتبار هذه الخطوة محاولة لتمييز نفسه عن نهج ميلينشون وتقديم نفسه كبديل معتدل داخل اليسار.
ومن ناحية أخرى، قد يكون هذا القرار مؤشرًا على طموحات روفان السياسية المستقبلية، ربما بهدف الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتجدر الإشارة إلى أن انشقاق روفان لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة لتراكم الخلافات والتوترات داخل حركة فرنسا الأبية، إذ كشفت صحيفة لوفيجارو عن وجود اختلافات جوهرية في الرؤى والاستراتيجيات بين روفان وميلينشون، خاصة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الناخبين من مختلف الخلفيات الاجتماعية والعرقية.
ردود فعل غاضبة من أنصار ميلينشون
لم تمر تصريحات روفان مرور الكرام، إذ أثارت ردود فعل غاضبة من أنصار ميلينشون وقيادات حركة فرنسا الأبية، ووفقًا لصحيفة لوفيجارو، وصل الأمر ببعض قيادات الحركة إلى اتهام روفان بالانزلاق نحو الفاشية، ما يعكس حدة الانقسام داخل صفوف اليسار الفرنسي.
هذه الردود تشير إلى صعوبة التوفيق بين التيارات المختلفة داخل اليسار، وتطرح تساؤلات حول إمكان توحيد الصفوف في المستقبل القريب.
انتقادات من الاشتراكيين والديمقراطيين الاجتماعيين
لم تقتصر الانتقادات على روفان وحده، بل امتدت لتشمل شخصيات بارزة أخرى في اليسار الفرنسي، إذ نقلت لوفيجارو، تصريحات للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، الذي أشار إلى "حدود التطرف" في إشارة واضحة إلى نهج ميلينشون.
وأضاف هولاند: "جان لوك ميلينشون ترشح مرتين ولم يصل إلى الجولة الثانية في كلتا المرتين"، في انتقاد واضح لفشل استراتيجية ميلينشون في تحقيق نتائج انتخابية ملموسة.
تفاصيل مثيرة من داخل الحركة
في سياق متصل، كشف روفان في كتابه عن تفاصيل مثيرة حول الممارسات الداخلية لحركة فرنسا الأبية، إذ الصحيفة عن روفان، إنه شعر بـ"الخجل" من المشاركة في ما وصفه بـ"حملة على أساس المظهر"، خلال الانتخابات التشريعية عام 2022.
وأوضح "روفان" أنه كان يستخدم صورة ميلينشون بشكل انتقائي في المناطق ذات الأغلبية من أصول إفريقية أو عربية، بينما كان يتجنب استخدامها في المناطق ذات الأغلبية البيضاء.
هذه الممارسات، وفقًا لروفان، تعزز الاتهامات الموجهة لحركة فرنسا الأبية بتبني نهج طائفي.
تداعيات الأزمة على مستقبل اليسار الفرنسي
تثير هذه الانقسامات والخلافات تساؤلات جدية حول مستقبل اليسار الفرنسي ككل، إذ نقلت لوفيجارو عن محلل سياسي فرنسي، إن "ميلينشون قضى على روفان في ذلك اليوم"، في إشارة إلى الطريقة التي تعامل بها ميلينشون مع مبادرة روفان لتشكيل "جبهة شعبية" واسعة.
هذه التطورات تطرح تساؤلات حول قدرة اليسار الفرنسي على توحيد صفوفه وتقديم بديل سياسي قوي في الانتخابات المقبلة، خاصة في ظل الانقسامات الحادة التي تعصف به حاليًا.