الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

طموحات متباينة وتحديات مشتركة.. صراع ثلاثي على قيادة اليسار الفرنسي

  • مشاركة :
post-title
رافائيل جلوكسمان وفرانسوا روفان وفرانسوا هولاند

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

يشهد اليسار الفرنسي تحولات جذرية، مع سطوع ثلاثة وجوه بارزة تسعى لملء الفراغ القيادي الذي تسبب به غياب جان لوك ميلانشون عن المشهد السياسي في الفترة الماضية.

وسلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على طموحات وتحديات كل من رافائيل جلوكسمان وفرانسوا روفان والرئيس السابق فرانسوا هولاند، المتنافسين الجدد على قيادة اليسار الفرنسي

صعود مفاجئ

برز "جلوكسمان" كنجم صاعد في سماء السياسة الفرنسية بعد أدائه المفاجئ في الانتخابات الأوروبية، ووفقًا لـ"لوموند"، حقق نتيجة مذهلة بحصوله على 13.8% من الأصوات، ما أعاد الحياة إلى الحزب الاشتراكي، الذي كان يعاني من تراجع شعبيته.

رافائيل جلوكسمان

هذا النجاح سرعان ما واجه تحديًا غير متوقع مع حل الجمعية الوطنية الفرنسية، ما ألقى بظلال من الشك على مستقبله السياسي، ورغم هذه النكسة، يبدو جلوكسمان مصممًا على المضي قدمًا، إذ يخطط لعودة قوية في الخريف، وصرح لـ"لوموند" قائلًا: "سأكرس جهودي لظهور تيار اشتراكي ديمقراطي في المجتمع.. أنا مقتنع بأن هذا هو المستقبل".

وأضاف: "هناك توقعات لاشتراكية ديمقراطية قوية في الجوهر ولطيفة في الشكل، بدون مبالغة".

يواجه جلوكسمان تحديًا في توسيع قاعدة حركته، وأشارت الصحيفة إلى أن الحركة تكافح لجذب شخصيات سياسية بارزة، رغم أن هناك إشارات إلى اهتمام محتمل من قبل آن هيدالجو، عمدة باريس الاشتراكية.

انشقاق جريء

فيما شكل قرار فرانسوا روفان بالانفصال عن حركة فرنسا الأبية نقطة تحول مهمة في مساره السياسي، إذ وفقًا لـ"لوموند"، جاء القرار في توقيت حساس بين جولتي الانتخابات التشريعية، مما أثار تساؤلات حول دوافعه وخططه المستقبلية.

ووصف التقرير روفان بأنه "حالة فريدة، هامشي وفي دائرة الضوء في آن واحد، مهووس بالتفرد"، ما يعكس التحديات التي يواجهها في تحديد موقعه الجديد في المشهد السياسي الفرنسي، فبينما كان يخطط لإطلاق حركة سياسية جديدة، أدى حل الجمعية الوطنية إلى تعقيد خططه وإجباره على إعادة التفكير في استراتيجيته.

فرانسوا روفان

وفي مقابلة مع "لوموند"، كشف "روفان" عن دوافع انفصاله قائلًا: "كان عليّ أن أقطع الحبل مع جان-لوك ميلانشون لأتمكن من التنفس".

ويعكس هذا التصريح عن رغبة روفان في الاستقلال السياسي، لكنه يضعه أمام تحدٍ كبير يتمثل في تجنب العزلة وبناء تحالفات جديدة.

وأشارت "لوموند" إلى أن روفان يواجه صعوبات في الاندماج مع التيارات اليسارية الأخرى، فرغم دعوته المبكرة لتوحيد اليسار، لم يتمكن من الاستفادة سياسيًا من هذا الموقف، كما أن انتقاداته الحادة لأداء اليسار وتصريحاته المثيرة للجدل تثير تساؤلات حول قدرته على بناء تحالفات فعالة.

عودة هادئة

وعلى النقيض من جلوكسمان وروفان، يتخذ الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند مقاربة أكثر هدوءً وحذرًا، إذ إنه وفقًا لـ"لوموند"، عاد إلى البرلمان كنائب عن منطقة كوريز، في خطوة يراها مراقبون تمهيدًا لعودة محتملة إلى الساحة السياسية الوطنية.

وفي تصريحاته للصحيفة، أكد "هولاند" على رغبته في إعادة تقوية الحزب الاشتراكي، قائلًا: "أريد أن يستعيد الحزب الاشتراكي قوته، وأن يستعيد ثقته بنفسه، وأن يطور سلطة حكيمة.. على الحزب الاشتراكي أن يقود اليسار"، ما يعكس رؤية هولاند لدور محوري للحزب الاشتراكي في إعادة تشكيل اليسار الفرنسي.

الفرنسي السابق فرانسوا هولاند

وأشار التقرير إلى أن عودة هولاند تثير قلق القيادة الحالية للحزب الاشتراكي، خاصة في ظل العلاقات المتوترة بينه وبين الأمين الأول للحزب، أوليفييه فور، إلا أن هولاند أكد أن عودته ليست لتصفية حسابات، بل "لتقديم إجابات على أزمة البلاد وتعزيز الديمقراطية الاجتماعية".

رغم نفيه لأي طموحات رئاسية مباشرة، ألمح هولاند إلى دور مستقبلي في تشكيل قيادة اليسار، موضحًا: "إذا أكد الحزب الاشتراكي نفسه، فليس لديّ شك في ظهور تجسيد قيادي، سنجده، وسأساعد في ذلك".

وتترك هذه التصريحات الباب مفتوحًا أمام احتمال عودة هولاند إلى الواجهة السياسية بشكل أكبر في المستقبل.

آفاق غامضة

رغم الاختلافات في المقاربات والطموحات، يواجه جلوكسمان وروفان وهولاند تحديات مشتركة في سعيهم لإعادة بناء اليسار الفرنسي. لكن تقف عدة عوائق رئيسية في طريق نهضة اليسار وتوحيد صفوفه، بحسب "لوموند".

ويأتي في مقدمة هذه التحديات الانقسامات الداخلية التي تعصف بالأحزاب والحركات اليسارية، إذ تعاني من خلافات عميقة حول الاستراتيجيات والأيديولوجيات، ما يعوق بشكل كبير جهود التوحيد.

كما يشكل صعود اليمين المتطرف تحديًا آخر كبيرًا يواجه اليسار الفرنسي، إذ أشارت "لوموند" إلى أن نمو شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة يمثل عقبة كبيرة أمام اليسار في استقطاب الناخبين، ما يضع اليسار أمام معضلة صعبة، وهي: كيف يمكنه الحفاظ على مبادئه وقيمه الأساسية مع تقديم خطاب يجذب الناخبين الذين قد يميلون نحو اليمين المتطرف بسبب مخاوفهم الاقتصادية والأمنية؟