الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فوز قد يتحول لهزيمة.. "صراع الزعامة" يهدد بتمزيق اليسار الفرنسي

  • مشاركة :
post-title
زعيم حركة فرنسا الأبية اليساري جان لوك ميلانشون

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

حقق اليسار الفرنسي نصرًا مفاجئًا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ليجد نفسه بعدها مباشرة في خضم معركة داخلية شرسة تدور رحاها حول من سيتولى قيادة التحالف الجديد، مُهددة بتحويل لحظة النصر إلى كابوس سياسي.

واستعرضت النسخة الأوروبية من مجلة "بوليتيكو" الأمريكية تفاصيل هذا الصراع المحتدم، وتداعياته المحتملة على مستقبل اليسار الفرنسي والمشهد السياسي في البلاد ككل.

نصر غير متوقع يفتح باب الصراع

كشفت المجلة عن المفارقة الدرامية التي يعيشها اليسار الفرنسي، إذ إنه بعد أن حقق تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" فوزًا مفاجئًا في الانتخابات البرلمانية، حاصدًا أكثر من 190 مقعدًا من أصل 577 في الجمعية الوطنية الفرنسية، وجد نفسه في موقف لم يكن مستعدًا له على الإطلاق.

ولفتت الصحيفة إلى أن هذا التحالف، الذي تشكل أساسًا لمواجهة اليمين المتطرف ومعارضة حركة الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطية، لم يكن يتوقع أن ينتهي به الأمر إلى فرصة حقيقية لتشكيل الحكومة، ما فتح الباب على مصراعيه أمام صراع داخلي محتدم، حول من يجب أن يقود هذا التحالف في مرحلته الجديدة.

معركة الأحزاب

تشير الصحيفة إلى أن الصراع على قيادة التحالف اليساري يدور بشكل رئيسي بين حزبين، وهما "فرنسا الأبية" و"الحزب الاشتراكي"، وكل منهما يدعي أحقيته في تولي زمام القيادة، مستندًا إلى حجج مختلفة.

فحزب "فرنسا الأبية" يؤكد أن لديه أكبر كتلة يسارية في البرلمان الجديد، ويشير إلى أدائه القوي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وتنقل الصحيفة عن قيادات الحزب تأكيدهم أن هذه العوامل تمنحهم الأحقية في قيادة التحالف وترشيح رئيس الوزراء.

في المقابل، يرفع الحزب الاشتراكي راية مختلفة، فهو يستند إلى نتائجه في الانتخابات الأوروبية، حيث حل أولًا بين القوائم اليسارية، مشيرًا إلى الزيادة الكبيرة التي حققها في عدد مقاعده البرلمانية مُقارنة بالأحزاب اليسارية الأخرى.

وترى قيادات الحزب، وفقًا لـ"بوليتيكو"، أن هذه المؤشرات تمنحهم الحق في قيادة المرحلة المقبلة.

رفض متبادل وحالة من الجمود

تكشف "بوليتيكو" عن تفاصيل مثيرة حول محاولات الأحزاب المتحالفة تقديم مرشحين لمنصب رئيس الوزراء، إذ وصل عدد المرشحين المقترحين إلى ستة على الأقل، لكن جميعهم قوبلوا برفض من طرف أو آخر داخل التحالف.

فعلى سبيل المثال، قدم حزب "فرنسا الأبية" أربعة من قادته، بمن فيهم الزعيم البارز والمرشح الرئاسي السابق، جان لوك ميلانشون، إلا أن جميع هؤلاء المرشحين قوبلوا برفض قاطع من قبل الاشتراكيين.

وفي المقابل، حين اقترح الاشتراكيون رئيس حزبهم أوليفييه فور، رفض حزب "فرنسا الأبية" هذا الاقتراح بشدة.

وتنقل الصحيفة تصريحًا لافتًا لزعيمة حزب الخضر مارين توندولييه، حيث قالت في مقابلة إذاعية: "إذا كان حزب فرنسا الأبية يريد شخصًا منه، والاشتراكيون يريدون اشتراكيًا.. فهذا ليس مثيرًا للاهتمام"، ما يعكس حالة الإحباط المتزايدة داخل التحالف من عدم القدرة على تجاوز الخلافات الحزبية الضيقة.

محاولات التوفيق

رغم حالة الجمود السائدة، تشير الصحيفة إلى بعض المحاولات للخروج من هذا المأزق، إذ كشفت عن اقتراح قدمه فابيان روسيل من الحزب الشيوعي الفرنسي في نهاية الأسبوع الماضي، متضمنًا ترشيح هوجيت بيلو، رئيسة إقليم لا ريونيون الفرنسي ما وراء البحار، لمنصب رئيس الوزراء.

وتوضح الصحيفة أن اختيار بيلو بدا للوهلة الأولى كحل وسط مقبول، فهي شخصية لها تاريخ في العمل مع مختلف أطياف اليسار، حيث خدمت كنائبة برلمانية لمدة 13 عامًا جنبًا إلى جنب مع الشيوعيين، ثم دعمت ميلانشون و"فرنسا الأبية" في الانتخابات الرئاسية لعام 2022 والانتخابات الأوروبية لعام 2024، كما أنها ترأس ائتلافًا يساريًا واسعًا في لا ريونيون يضم ممثلين اشتراكيين.

إلا أن هذه المحاولة للتوفيق باءت بالفشل أيضًا، إذ رفضت القيادة الاشتراكية في النهاية تأييد ترشيح بيلو، مما أدى فعليًا إلى إسقاط هذا الخيار وعودة المفاوضات إلى نقطة الصفر.

تصاعد التوتر

مع استمرار حالة الجمود وفشل كل محاولات التوفيق، تشير "بوليتيكو" إلى تصاعد حدة التوتر بين مكونات التحالف اليساري، إذ أعلن حزب "فرنسا الأبية" موقفًا متشددًا، مؤكد أنه لن يشارك في أي مناقشات حول تشكيل الحكومة حتى يتم استيفاء شرطين، وهما تخلي الحزب الاشتراكي عن رفضه قبول أي ترشيح غير ترشيحه، والثاني هو تأكيد الحزب الاشتراكي عدم استعداده للدخول في أي نوع من الاتفاقات مع معسكر ماكرون.

هذا الموقف المتشدد، قوبل بردود فعل متباينة داخل التحالف، فبينما حاول الحزب الاشتراكي الدفاع عن موقفه ونفي اتهامات تعطيل المفاوضات، سعى حزبا الخضر والشيوعيين إلى لعب دور الوسيط لإعادة حزب "فرنسا الأبية" إلى طاولة المفاوضات.

سباق مع الزمن

توضح الصحيفة أن الوقت ينفد أمام "الجبهة الشعبية الجديدة"، فالتحالف اليساري يواجه موعدًا نهائيًا حاسمًا يوم الخميس، عندما يبدأ النواب المنتخبون حديثًا أعمال المجلس التشريعي، وأول بند على جدول الأعمال هو انتخاب رئيس الجمعية الوطنية، وهو منصب لم يتفق التحالف اليساري على مرشح له حتى الآن.

وتحذر الصحيفة من أن فشل التحالف في الاتفاق على مرشح لرئاسة المجلس من شأنه أن ينهي فعليًا قدرة "الجبهة الشعبية الجديدة" على تقديم نفسها كمجموعة متماسكة والقوة الرائدة في السياسة الفرنسية.