بينما تتجه الأنظار نحو الانتخابات الأمريكية المرتقبة، يتصرف الجميع وكأنهم خبراء في التنبؤات السياسية، محاولين تحليل كل إشارة وتحرك صغير لرسم صورة واضحة لما سيحدث نوفمبر المقبل.
موقع "أكسيوس" الأمريكي وصف الوضع الأمريكي بـ"اللعبة المعقدة"، وسط تقلبات المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة، ما يجعل الانتخابات معركة شرسة، وأي ثقة في نتائج تنبؤية تعتبر بمثابة مخاطرة.
التقلبات الانتخابية المستمرة
منذ عام 2000، أصبحت الانتخابات الأمريكية ساحة معارك ضيقة للغاية، إذ تتقارب نسب التصويت بين المرشحين، ما يترك النتائج النهائية غير محسومة حتى اللحظة الأخيرة.
وأظهر استطلاع أمريكي حديث، نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" تنافسًا شديدًا بين الرئيس السابق دونالد ترامب ومنافسته كامالا هاريس، إذ حصل ترامب على 48% من الأصوات مقابل 47% لهاريس، ضمن هامش خطأ ±2.8%.
الأحزاب السياسية في حالة اضطراب
يبدو أن استطلاعات الرأي تؤدي إلى حالة من الفوضى في الأحزاب السياسية، الديمقراطيون يشعرون بالقلق، بينما يحتفل الجمهوريون على الرغم من أن الاستطلاع يظهر تعادلًا بين المرشحين.
ووفقًا لتقرير "التايمز"، لا يزال الناخبون غير متأكدين من هاريس، في حين أن قاعدة ترامب الانتخابية تظل قوية ومتماسكة، فيما أكد نيت سيلفر، خبير البيانات الانتخابية في تغريدة، أن السباق يميل نحو ترامب بسبب التحيز ضد الديمقراطيين في المجمع الانتخابي، وهي الحقيقة التي تؤثر على العديد من الانتخابات، وقد يتغير هذا المشهد بعد المناظرة المرتقبة بين هاريس وترامب في فيلادلفيا.
ومنذ عام 2000، لم يحدث تغيير جذري في البيت الأبيض أو مجلس الشيوخ أو مجلس النواب إلا مرتين، بمعنى أن النسب الانتخابية في الولايات المتحدة تظل متساوية إلى حد كبير بين الحزبين الرئيسيين، ما يجعل كل انتخابات جديدة معركة غير محسومة حتى النهاية.
ولو تغيرت بضعة آلاف من الأصوات في ثلاث ولايات، عامي 2016 و2020، لكان الخاسر هو الرئيس، وهذا يعكس مدى تأرجح النتائج الانتخابية في الولايات المتحدة.
السراب الشعبي
على الرغم من فوز الديمقراطيين في التصويت الشعبي بـ7 من الانتخابات الثمانية الأخيرة، فإنهم غالبًا ما يخسرون في المجمع الانتخابي، كما حدث مع جورج دبليو بوش، عام 2000، ودونالد ترامب في 2016، والسبب وراء هذا الفارق هو أن الديمقراطيين يميلون إلى التركيز في المدن الكبرى، بينما تظل الولايات ذات المساحات الواسعة تحت سيطرة الجمهوريين.
ومنذ عام 1980، زادت نسبة النساء اللاتي يصوتن في الانتخابات عن نسبة الرجال، وكانت الأغلبية تميل بشكل كبير نحو الديمقراطيين، وفقًا لـ"مركز المرأة الأمريكية والسياسة"، فإن النساء يشكلن عددًا أكبر من المسجلين للتصويت مقارنة بالرجال، بفارق يتراوح بين 7 و10 ملايين.
وفي 6 ولايات متأرجحة، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها "نيويورك تايمز" و"شركة سيينا" تفوقًا كبيرًا لهاريس بين الشابات، إذ بلغت نسبة تقدمها 38 نقطة (67% مقابل 29%).
أهمية الولايات المتأرجحة
وعلى الرغم من أن الأغلبية العظمى من الولايات الأمريكية تميل إلى التصويت لنفس الحزب في كل دورة انتخابية، إلا أن 7 ولايات متأرجحة تشكل نقطة الصراع الرئيسية بين المرشحين، ففي انتخابات 2024، تظل ولايات "الجدار الأزرق" مثل ويسكونسن وميشيجان وبنسلفانيا أساسية في معركة البيت الأبيض، إلى جانب ولايات حزام الشمس مثل أريزونا ونيفادا وجورجيا وكارولينا الشمالية.
فترامب، الذي يتمتع بقاعدة انتخابية ثابتة تصل إلى 45%، يواجه تحديًا كبيرًا في تجاوز هذا السقف الانتخابي، ففي كل من انتخابات 2016 و2020، لم يتجاوز نسبة 47%، وهذا يجعل من الأحزاب الثلاثة والمستقلين دورًا محوريًا في تحديد النتائج النهائية.
المعركة المستمرة
ومع وجود 33 ولاية على الأقل تشهد سباقات لمقاعد مجلس الشيوخ، تظل السيطرة على المجلس معركة مستمرة بين الحزبين، ويتمتع الجمهوريون بميزة في هذه الدورة، مع توقع فوزهم بمقعد فرجينيا الغربية بعد تقاعد السيناتور الديمقراطي جو مانشين، ويحتاج الديمقراطيون إلى الفوز بولايات مثل أوهايو ومونتانا للحصول على أغلبية 50-50 في مجلس الشيوخ.
وعلى الرغم من أن مجلس النواب يعتبر أسهل من مجلس الشيوخ من حيث التغيير في الأغلبية، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، فالتقسيم الجغرافي والفرز السياسي جعل من الصعب تغيير الأغلبية في العديد من الولايات، وفي عام 2024، صنف تقرير "كوك السياسي" 24 سباقًا في مجلس النواب على أنها متقلبة، مع تقاسم الجمهوريين والديمقراطيين لهذه المقاعد بالتساوي تقريبًا.
تغيير في قواعد اللعبة
لم يعد يوم الانتخابات هو اليوم الوحيد للتصويت، ومع زيادة التصويت المبكر في العديد من الولايات الرئيسية، بما في ذلك ولاية بنسلفانيا، يتوقع أن يتم الإدلاء بالغالبية العظمى من الأصوات قبل يوم الانتخابات، ويعكس هذا الاتجاه تغييرًا في طبيعة الانتخابات الأمريكية.
وفي ظل المشهد الانتخابي المتأرجح والمليء بالتحديات، تظل الانتخابات الأمريكية واحدة من أكثر العمليات الديمقراطية تعقيدًا، ومع كل تغيير صغير في الساحة السياسية، يزداد الغموض حول من سيحكم البلاد في السنوات المقبلة.