في ساحة العلاقات الدولية، تصبح الضغوط الدبلوماسية سلاحًا بارزًا، إذ يتشابك القانون والسياسة لتحقيق مصالح بعض الدول، وتشهد العلاقات بين إسرائيل وجنوب إفريقيا مرحلة جديدة من الصراع، يتجلى في محاولات إسرائيل للتأثير على موقف جنوب إفريقيا من خلال الكونجرس الأمريكي.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على الحملة الدبلوماسية المكثفة التي تشنها إسرائيل ضد جنوب إفريقيا، وكيفية استخدام الكونجرس كأداة لتغيير مسار القضية أمام المحاكم الدولية.
حملة دبلوماسية
الحملة الدبلوماسية الإسرائيلية ضد جنوب إفريقيا بدأت في الأسابيع الأخيرة، إذ وجهت وزارة الخارجية الإسرائيلية دبلوماسييها بتنفيذ حملة مكثفة، تهدف إلى الضغط على جنوب إفريقيا من خلال التعاون مع الكونجرس الأمريكي.
وفقًا لبرقية سرية أرسلتها الوزارة، تم توجيه الدبلوماسيين الإسرائيليين للتواصل مع أعضاء الكونجرس على المستويين الفيدرالي والمحلي، إلى جانب المحافظين والمنظمات اليهودية، بهدف تغيير موقف جنوب إفريقيا تجاه إسرائيل.
وتضمنت البرقية تأكيد ضرورة توضيح أن استمرار جنوب إفريقيا في دعم حماس واتخاذ خطوات مُعادية لإسرائيل في المحاكم الدولية، خاصة فيما يتعلق بقضية الإبادة الجماعية، سيؤدي إلى تكاليف باهظة على المستويين الاقتصادي والدبلوماسي.
تعليق العلاقات التجارية
ورغم أن تعليق العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا يعتبر غير مرجح، بسبب الأهمية الجيوسياسية للعلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أن إسرائيل تسعى لإبراز هذا السيناريو كجزء من الضغوط.
وطُلب من الدبلوماسيين الإسرائيليين دفع أعضاء الكونجرس نحو إصدار بيانات علنية تدين تصرفات جنوب إفريقيا تجاه إسرائيل، مع التهديد بفرض تداعيات اقتصادية على البلاد، كما تم توجيه الدبلوماسيين لتنظيم جلسات استماع في الهيئات التشريعية الأمريكية، لمناقشة سياسة جنوب إفريقيا تجاه إسرائيل.
حملة إعلامية
هذه الجهود لا تقتصر على العمل السياسي فقط، بل تشمل أيضًا تعزيز الحملة على المستويات الإعلامية، إذ دعت البرقية إلى جعل تلك الحملة علنية قدر الإمكان من خلال وسائل الإعلام الأمريكية ومنصات التواصل الاجتماعي، والهدف زيادة الضغط الشعبي والإعلامي على جنوب إفريقيا لتغيير موقفها.
كما تم توجيه الدبلوماسيين الإسرائيليين للعمل على دعم تقديم تشريعات ضد جنوب إفريقيا في الهيئات التشريعية الأمريكية على المستويين الفيدرالي والمحلي، ورغم أن هذه التشريعات قد لا تتحقق فعليًا، فإن مجرد طرحها ومناقشتها سيكون له تأثير كبير على سياسة جنوب إفريقيا.
مستقبل العلاقات
وتشير التطورات السياسية في جنوب إفريقيا إلى فرصة محتملة لتحسين العلاقات مع إسرائيل، وفي يونيو الماضي، تشكلت حكومة ائتلافية متعددة الأحزاب في جنوب إفريقيا بعد أن فقد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الأغلبية التي احتفظ بها لمدة 30 عامًا، إسرائيل ترى في هذه الحكومة الجديدة فرصة للتفاهم والحوار، بعيدًا عن سياسات المقاطعة والعقوبات التي اتبعتها الحكومات السابقة.
ووفق تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي، فإن إسرائيل تسعى من خلال الضغط على الكونجرس الأمريكي، لوقف تحركات جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، إذ تتهم الأخيرة إسرائيل بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، وهي مواجهة تُظهر مدى تعقيد العلاقات الدولية عندما تتشابك المصالح السياسية مع القانون الدولي.
أبعاد القضية الدولية
وتأتي هذه الضغوطات في ظل اقتراب الموعد النهائي الممنوح لجنوب إفريقيا لتقديم حججها إلى محكمة العدل الدولية، بحلول 28 أكتوبر 2024، في القضية التي تتعلق بانتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، وتتهم جنوب إفريقيا إسرائيل بارتكاب جرائم ذات طابع إبادة جماعية ضد الفلسطينيين خلال الحرب في غزة.
ويرى المسؤولون الإسرائيليون أن متابعة جنوب إفريقيا لهذه القضية قد تحمل عواقب وخيمة على العلاقات الثنائية بين البلدين، ويأمل المسؤولون أن تنتهج الحكومة الائتلافية الجديدة في جنوب إفريقيا نهجًا أكثر اعتدالًا تجاه إسرائيل وقضايا الحرب في غزة.
الجذور القانونية للقضية
في ديسمبر، رفعت جنوب إفريقيا قضيتها أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إسرائيل بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية في حربها المتواصلة على قطاع غزة المحاصر، مؤكدة أن تصرفات إسرائيل في غزة تعد بمثابة محاولة لتدمير جزء كبير من السكان الفلسطينيين.
ورغم نفي إسرائيل لهذه الاتهامات، إلا أن القضية تطورت وأصبحت محور اهتمام دولي، خاصة مع استمرار المحكمة في عقد جلسات ومناقشات حول القضية.
وبينما تتواصل الضغوط الإسرائيلية على الكونجرس وعلى جنوب إفريقيا، يبقى مستقبل هذه القضية القانونية مجهولًا، فهل ستستجيب جنوب إفريقيا للضغوط الدولية وتسقط القضية، أم ستواصل مسارها في محكمة العدل الدولية؟، الأيام المقبلة قد تحمل إجابات حاسمة لهذا الصراع الذي يعكس تعقيدات العلاقات الدبلوماسية والقانونية في عالمنا اليوم.