بينما ساد الضجيج منذ إلقاء القبض عليه في فرنسا، اهتم الجميع بالرئيس التنفيذي لشركة "تيليجرام"، بافيل دوروف، لكن لو كان الأمر متروكًا للسلطات الفرنسية، فإن شقيق بافيل الأكبر، نيكولاي، الذي يلعب منذ فترة طويلة دورًا حيويًا في منصة التواصل الاجتماعي والرسائل المشفرة، التي أسسها شقيقه الأصغر، ينتمي إلى قائمة المطلوبين أيضًا.
وفق تقرير للنسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو"، فإن نيكولاي تم تصنيفه على أنه "العقل الحقيقي لتطبيق تيليجرام"، الذي يقف وراء التطبيق البالغ عدد مستخدميه نحو مليار مستخدم، وأنه حامي الخصوصية من أعين المتطفلين، بما في ذلك أعين الحكومات.
يقول التقرير: "في حين كان بافيل هو الوجه العضلي الذي يتنقل بين الطائرات لإنجاز العمليات ويسير باعتباره أمير التكنولوجيا الروسي، الذي يُغازل الأضواء، كان نيكولاي هو دعامته التقنية، كما كان ستيف وزنياك بالنسبة لصديقه ستيف جوبز، خلال الأيام الأولى لشركة أبل".
المعجزة الشابة
كان نيكولاي هو من وضع بروتوكول MTProto، الذي جذب العديد من المستخدمين بوعده بالأمن - بما في ذلك الذين لديهم نوايا سيئة - وأصبح صداعًا للسلطات الفرنسية.
وكان بافيل ذكر في مقابلة مع الناقد والصحفي الأمريكي تاكر كارلسون: "تمكن أخي، كونه عبقريًا، من إنشاء معيار التشفير الذي نستخدمه حتى يومنا هذا مع تغييرات طفيفة، إنه خبير في التشفير، وصمم المبادئ الأساسية لتشفير تيليجرام".
وفيما يبدو دليلًا على دور نيكولاي في الشركة، أصدرت السلطات الفرنسية مذكرة اعتقال بحقه، حسبما أفادت "بوليتيكو"، الأسبوع الماضي، لكن القبض على نيكولاي قد يكون أصعب من القبض على شقيقه، الذي اعتقل في 24 أغسطس لدى وصوله باريس على متن طائرته الخاصة.
ورغم فرار بافل من روسيا في عام 2014، أفادت بعض وسائل الإعلام الروسية بأن نيكولاي لا يزال داخل البلاد، كما أشارت الصحيفة إلى أن نيكولاي يحمل جواز سفر من سانت كيتس ونيفيس - مثل شقيقه - إضافة إلى الجنسية اللاتفية.
ويقول التقرير: "إن أغلب ما نعرفه عن نيكولاي يأتي إما من أخيه الأصغر، أو من زملائه السابقين، أو من مقالات الصحف الشعبية المشكوك في مصداقيتها، وإذا جمعنا هذه المعلومات معًا فإنها ترسم صورة لعبقري رياضيات غريب الأطوار لا يبالي بالحياة المادية".
وبحسب السيرة الذاتية للأخوين، التي كتبها الصحفي الروسي نيكولاي كونونوف، فإن نيكولاي دوروف كان يقرأ كتب علم الفلك عندما كان في الثالثة من عمره ويفهمها.
وقال بافيل، الذي لا يفوت فرصة أبدًا للإشادة بشقيقه، في مقابلته مع كارلسون: "ظهر على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون الإيطالي كطفل معجزة صغير يمكنه حل المعادلات التكعيبية في الوقت الحقيقي، وهو في العاشرة من عمره فقط".
وفي المدرسة، فاز نيكولاي بالعديد من أولمبيادات الرياضيات الدولية. ثم أصبح العقل المدبر في نادي النخبة من العباقرة في جامعة سانت بطرسبرج، وساعد الفريق في الحصول على المركز الأول ببطولة العالم في البرمجة التنافسية.
ويقال أيضًا إنه ألهم بافيل، الذي يصغره بأربع سنوات، للدخول في مجال برمجة الكمبيوتر، وعندما أطلق بافيل موقع "فكونتاكتي"، وهو المعادل الروسي لـ"فيسبوك"، عام 2006، قيل إن نيكولاي دعمه بالمشورة من بون في ألمانيا، حيث كان يدرس في ذلك الوقت.
وتضيف "بوليتيكو": "مع النجاح الهائل الذي حققه موقع "فكونتاكتي"، عاد نيكولاي إلى روسيا للعمل إلى جانب شقيقه كمسؤول فني رئيسي، جالبًا معه ذكائه الخاص، لكن الأهم من ذلك أنه قام بتجنيد أصدقاء شبابه الموهوبين".
رجل المطر
يشير التقرير إلى أن بافيل ونيكولاي دوروف يمثلان شخصية رجلين منعزلين منفصلين عن الحياة العادية، مثل التي استمتعا بها عندما كانا طفلين في سانت بطرسبرج، مدفوعين بنزعة ليبرالية شبيهة بنزعة إيلون ماسك.
ويضيف: "لكن في كثير من النواحي، نيكولاي هو النقيض لأخيه، وفي حين أن غرائب بافيل أكثر علنية، حيث يتفاخر بأطفاله البيولوجيين المائة، أو يتباهى بصدره المنحوت على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن غرائب نيكولاي أكثر خصوصية".
وفي الواقع، نجد أن الصور القليلة المتاحة للعامة له تظهر رجلًا أصلعًا، ممتلئ الجسم، يرتدي نظارة وبنطالًا غير مناسب. كما أن الروايات التي يحكيها من يعرفون نيكولاي تصفه بأنه "شخص ذكي للغاية، ولكن يتسم بعادات غريبة غير عادية".
ووصف أنطون روزنبرج، مهندس البرمجيات السابق في "تيليجرام"، الصديق القديم لنيكولاي عبقري البرمجة بأنه "طفل كبير، منفصل تمامًا عن الحياة الواقعية"، وبينما كان نيكولاي يجتاح عالم التكنولوجيا ببرمجياته، كانت والدته، التي كان يناديها بحب "القط الكبير"، تعتني "بكل خطوة تقريبًا" من حياته اليومية.
أيضًا، هناك مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الشعبية، نقل عن جيران العائلة قولهم إن اعتماد نيكولاي على والدته أثار الدهشة.
وقال أحد زملائه السابقين لصحيفة ميدوزا المستقلة، إن نيكولاي كان "نوعًا ما من رجال المطر"، في إشارة إلى الفيلم الأمريكي الشهير الصادر عام 1988، الذي يتناول حكاية رجل ذو قدرات عقلية استثنائية، ومصابًا بالتوحد في نفس الوقت.
وتنقل "بوليتيكو" عن جريجوري باكونوف، الذي التقى نيكولاي عدة مرات عندما كان هو نفسه أحد كبار المتخصصين في محرك البحث الروسي "ياندكس"، وصفه نيكولاي بأنه "رجل اتصالات جيد".
وقال باكونوف: "لا أستطيع أن أقول إنه غير مجهز للحياة الطبيعية. إن نيكولاي كان صريحًا وغالبًا ما كان يقدم حلولًا غير متوقعة للمشكلات التقنية".
وأضاف: "يتمتع بتكوين عبقري، وهو في مجمله مختلف عن الأشخاص العاديين. إنهم أشخاص يركزون بشكل مفرط على عملهم".