في ظل الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها المملكة المتحدة، برز تطبيق تليجرام كمنصة رئيسية يستخدمها المتطرفون اليمينيون لنشر أفكارهم والتخطيط لأعمال العنف.
وسلطت صحيفة "بوليتيكو"، الضوء على الوضع المقلق، حيث يتمتع المتطرفون بحرية غير مسبوقة على هذه المنصة، ما يثير تساؤلات حول مسؤولية منصات التواصل الاجتماعي وقدرة الحكومات على التعامل مع هذه التحديات.
ساحة مفتوحة للتطرف
وقالت الصحيفة إن تطبيق تليجرام أصبح ملاذًا آمنًا للجماعات اليمينية المتطرفة في بريطانيا، إذ استخدمت الجماعات اليمينية المتطرفة المنصة لتخطيط هجمات على مراكز الهجرة وتبادل فيديوهات وأدلة لصنع القنابل الحارقة خلال أعمال الشغب الأخيرة التي اجتاحت المملكة المتحدة.
وقال ماثيو فيلدمان، المتخصص في التطرف اليميني بجامعة يورك: "لطالما اعتبر اليمين المتطرف والفاشيون والنازيون الجدد تليجرام مساحة آمنة لتبادل آرائهم"، ما يؤكد على خطورة الوضع وحجم المشكلة التي تواجهها السلطات البريطانية.
شرارة العنف
بعد مقتل ثلاثة أطفال في هجوم بالسكاكين في ساوثبورت أواخر يوليو، شهدت المملكة المتحدة موجة من الاضطرابات، ووفقًا لـ"بوليتيكو"، تم إنشاء قنوات على تليجرام جمعت عشرات الآلاف من الأعضاء، واستُخدِمت لتعبئة المتظاهرين اليمينيين المتطرفين، وتم مشاركة مواقع على التطبيق استهدفت بأعمال عنف واسعة النطاق وتدمير للممتلكات، بما في ذلك مسجد في ساوثبورت.
تحرك تليجرام
في خطوة غير معتادة، أغلقت إدارة تليجرام بعض القنوات الأكثر فظاعة، بما في ذلك قناة باسم "ساوثبورت استيقظي" التي جمعت أكثر من 13,000 عضو، وصرحت الشركة في بيان لها: "يسمح تليجرام بالتعبير السلمي بغض النظر عن الانتماء السياسي، لكن الدعوات إلى العنف محظورة صراحة بموجب شروط خدمة تليجرام".
وعلق تيم سكويريل، مدير الاتصالات في معهد الحوار الاستراتيجي، على هذه الخطوة، قائلًا إنها على الأرجح بسبب احتواء القنوات على مواد يمكن اعتبارها "إرهابية"، وأضاف أنه من النادر جدًا أن يقوم تليجرام بإغلاق قناة بأكملها.
التباين في التعامل مع المحتوى المتطرف
وأشارت الصحيفة إلى وجود تباين في تعامل تليجرام مع المحتوى المتطرف، فبينما تتخذ المنصة إجراءات صارمة ضد الحسابات المرتبطة بتنظيم داعش، يبدو أنها أكثر تساهلًا مع المجتمعات اليمينية المتطرفة، ونقلت بوليتيكو عن ضابط شرطة سابق رفيع المستوى في مكافحة الإرهاب قوله: "بصراحة، إذا قال شخص أسمر شيئًا فظيعًا، فسيتصدى له تليجرام على الفور، أما إذا قاله شخص أبيض، فلست متأكدًا من أنهم سيفعلون ذلك".
وفقًا للصحيفة، شهد تليجرام نموًا كبيرًا خلال جائحة كورونا، وأصبح موطنًا لمنظري المؤامرة من جميع الأطياف، وقال سكويريل: "أصبح مكانًا حقيقيًا للتواصل والاختلاط وإعادة نشر المحتوى الخاص بهم.. الكثير من هذه الشبكات لم تختف بعد انتهاء الجائحة".
التحديات التنظيمية والقانونية
يواجه المشرعون البريطانيون تحديات كبيرة في التعامل مع تليجرام، فعلى عكس منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، يصعب الوصول إلى تليجرام نظرًا لعدم وجود مقر له في المملكة المتحدة.
وصرح مسؤول حكومي بريطاني لـ"بوليتيكو" قائلًا: "ماذا يمكننا أن نفعل حيال تطبيق مقره في دبي، ويستخدمه الروس للتضليل؟ من الأفضل استهداف الأشخاص الذين يستخدمون هذه التطبيقات لتنظيم العنف بدلًا من المنصات نفسها".
مستقبل التنظيم والرقابة
مع دخول قانون السلامة على الإنترنت الجديد في المملكة المتحدة حيز التنفيذ في نهاية العام، تُثار تساؤلات حول مدى التزام تليجرام بهذه القوانين، إذ يتوقع فيلدمان أن تليجرام "سيفعل أقل ما يمكن حتى تكون هناك تهديدات موثوقة لأرباحهم".
في المقابل، صرح متحدث باسم الحكومة البريطانية: "نتوقع من شركات وسائل التواصل الاجتماعي أن تأخذ مسؤولياتها على محمل الجد، وهذا يشمل مواجهة المواد المضللة والتحريضية المستضافة على منصاتها".