الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بوتين والمأزق الأوكراني.. رحلة صراع بلا نهاية

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في خضّم النزاعات السياسية والعسكرية التي تعصف بالعالم، تبرز أزمة أوكرانيا كواحدة من أكثر النزاعات تعقيدًا وطولًا، منذ أن بدأت روسيا حربها على أوكرانيا قبل أكثر من عامين ونصف العام، إذ تسعى الولايات المتحدة لتحقيق هدفها المتمثل في إنهاء هذا الصراع المدمّر، إلا أن الاستراتيجية المتبعة في واشنطن تبدو عاجزة عن تحقيق هذا الهدف، إذ تقوم على افتراضات قد تكون بعيدة عن الواقع.

فهل يمكن أن يتغير موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. أم أن التمسك بسياساته تجاه أوكرانيا هو خيار لا رجعة فيه؟.. هذه التساؤلات تثير قلق واضعي السياسات في جميع أنحاء العالم، وتشكّل محور تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية الذي يسلّط الضوء على الديناميات المعقدة للحرب في أوكرانيا وأبعادها السياسية والاستراتيجية.

تحقيق توازن

بعد مرور عامين ونصف العام منذ الحرب الروسية الأوكرانية، تظل الاستراتيجية الأمريكية لإنهاء الحرب كما هي، بالاعتماد على فرض تكاليف كبيرة على روسيا حتى يدرك رئيسها فلاديمير بوتين أنه لا خيار أمامه سوى وقف الصراع، في محاولة لإحداث تغيير في حسابات التكاليف والفوائد.

ووفق التقرير، تسعى واشنطن إلى تحقيق توازن بين دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا من ناحية، وتقليل مخاطر التصعيد من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن هذا النهج يبدو عقلانيًا، إلا أنه يعتمد على فرضية قد تكون خاطئة، وهي إمكانية تغيير موقف بوتين.

وتشير الأدلة إلى أن بوتين لا يمكن إقناعه ببساطة فيما يتعلق بأوكرانيا، فهو متمسك بموقفه بشكل لا رجعة فيه، وبالنسبة له، يمثل منع أوكرانيا من التحول إلى معقل للغرب ضرورة استراتيجية، وقد تحمّل المسؤولية الشخصية لتحقيق هذا الهدف، بغض النظر عن التكاليف المترتبة على ذلك، لذا فإن محاولة إرغامه على الاستسلام ليست سوى ممارسة عقيمة تؤدي إلى إهدار الأرواح والموارد، وفق التقرير.

المناورة والمأزق

عندما أمر بوتين بالغزو، كانت الحرب اختيارية بالكامل، لم يكن هناك تهديد أمني مباشر يستدعي الحرب على أوكرانيا، وكان ذلك خيارًا واضحًا لبوتين، وقد لاحظ كبار المسؤولين الأمريكيين، مثل ويليام بيرنز وإريك جرين، أن المسؤولين الروس الآخرين لم يكونوا على دراية كاملة بقرار بوتين.

وحتى في اجتماع كبار مسؤولي الأمن عشية الحرب، بدت النخب الروسية غير متأكدة من ردودها، إلا أنهم اصطفوا خلف بوتين في نهاية المطاف، على الرغم من أن قلة منهم كانوا يدفعون نحو مواجهة تكلف روسيا الكثير قبل فبراير 2022.

وبما أنها حرب اختيارية، فإن بوتين يمتلك القدرة على وقفها في أي وقت، ومع تزايد صعوبة الموقف، قد يقرر تقليص خسائره، على الرغم من تصويره للحرب كضرورة وجودية لروسيا، فإن سحب القوات لن يهدد الدولة الروسية أو حتى حكمه الشخصي، ومع ذلك، يبدو أن بوتين لا يرى بدائل عن تحقيق هدفه، ما يعني أن استمراره في الصراع هو أمر متوقع.

تحليل غير دقيق

تستند السياسة الأمريكية تجاه روسيا إلى افتراض أن بوتين انتهازي بطبعه، وأنه يتحرك عند ملاحظة الضعف ويتراجع عند مواجهة القوة، ومع ذلك، فإن هذا التحليل لا يبدو دقيقًا فيما يتعلق بأوكرانيا، فتحركات بوتين في جورجيا عام 2008 وفي سوريا عام 2015 كانت بدوافع وقائية وليست انتهازية.

وعندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، من الصعب تفسير تردد بوتين في التوسع بعد ضم القرم في عام 2014 كتصرف انتهازي، بدلاً من ذلك، يبدو أن قراره بإطلاق تمرد منخفض المستوى في شرق أوكرانيا كان يهدف إلى الحد من خيارات كييف في السياسة الخارجية، وهو أمر يتناقض مع فكرة أن بوتين انتهازي ماهر.

نظرة بوتين

الحرب الروسية في أوكرانيا لا يمكن تفسيرها كحرب عدوانية انتهازية بقدر ما هي حرب وقائية تهدف إلى منع تهديد مستقبلي للأمن الروسي، فبوتين يرى في أوكرانيا دولة تتحرك بثبات نحو التحالف مع الغرب، ما قد يشكل تهديدًا داخليًا لروسيا، هذا الفهم للحرب يفسر لماذا لم يتوقف بوتين عن مواصلة الصراع رغم كل التكاليف المترتبة عليه.

وفي ظل عدم استعداد بوتين لإنهاء الهجوم على أوكرانيا، تظل الخيارات المتاحة محدودة، ويمكن للحرب أن تنتهي فقط عندما تفقد روسيا القدرة على الاستمرار في القتال، أو عندما يرحل بوتين عن السلطة، لكن انهيار الجيش الروسي أو تدهور قدراته بشكل كبير يبدو غير واقعي.

وبالنسبة للطريق الثاني، المتمثل في رحيل بوتين عن السلطة، فإن محاولة التعجيل بهذه العملية ليست عملية أيضًا، فواشنطن لديها خبرة محدودة في التأثير على السياسة الروسية، ومحاولة الإطاحة ببوتين قد تؤدي إلى تصعيد جديد.

استراتيجية واشنطن

وفي ضوء هذه التحديات، تبدو الاستراتيجية الأنسب لواشنطن هي اللعب على الوقت وانتظار رحيل بوتين، فيجب على الولايات المتحدة التركيز على دعم أوكرانيا لمنع المزيد من التقدم الروسي، وفرض التكاليف الاقتصادية والدبلوماسية على موسكو، مع الحفاظ على الموارد الأمريكية وتوجيهها بكفاءة.

ويبقى النهج الأمريكي تجاه الحرب في أوكرانيا قد يكون متفائلًا أكثر من اللازم، لكن التمسك بالموقف الحالي والاستعداد لليوم الذي يغادر فيه بوتين السلطة قد يكون الخيار الواقعي الوحيد لإنهاء هذا الصراع الطويل.