أثار رئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، موجة من الجدل السياسي بعد قراره إزالة لوحة لرئيسة الوزراء السابقة، مارجريت تاتشر، من مكتبه؛ ما أشعل نقاشًا حادًا حول الرمزية السياسية والتراث الحزبي في المملكة المتحدة.
خلفية القرار
وفقًا لما نقلته صحيفة التليجراف البريطانية، فإن اللوحة التي رسمها الفنان ريتشارد ستون، كان قد كلفه بها رئيس الوزراء السابق جوردون براون في عام 2009. وكان الهدف الأصلي أن تبقى معروضة بشكل دائم في مقر رئاسة الوزراء، كتكريم لأول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ بريطانيا.
كشف توم بالدوين، كاتب سيرة ستارمر، عن تفاصيل قرار إزالة اللوحة خلال حدث نظمه مهرجان آي رايت للكتاب في جلاسكو.
وفقًا لبالدوين، أخذه ستارمر إلى الغرفة التي كانت تُعرف باسم "غرفة تاتشر"، واصفًا إياها بأنها "مكان يمكننا الذهاب إليه وإجراء حديث هادئ".
وعندما علق بالدوين على أن وجود اللوحة كان "مقلقًا بعض الشيء"، أومأ ستارمر بالموافقة، مشيرًا إلى أنه سيتخلص منها، وبحسب بالدوين، فقد نفذ ستارمر هذا القرار بالفعل.
هذا الكشف أثار تساؤلات حول دوافع ستارمر وراء هذا القرار، وما إذا كان يمثل تغييرًا في النهج السياسي لحزب العمال أم مجرد إعادة تنظيم للديكور في مقر رئاسة الوزراء.
انتقادات السياسيين
لم تمر هذه الخطوة مرور الكرام في الأوساط السياسية البريطانية، إذ سارع حزب المحافظين إلى انتقاد قرار ستارمر بشدة، متهمًا إياه بـ "وجود مشكلة مع النساء".
وجاء في تغريدة للحزب على منصة "إكس": "أخبرني أن لديك مشكلة مع النساء دون أن تصرح بهذا". ما يعكس حدة التوتر السياسي القائم بين الحزبين الرئيسيين في البلاد.
لم يقتصر الانتقاد على الحزب فحسب، بل امتد ليشمل شخصيات سياسية بارزة، إذ عبرت البارونة فوستر، رئيسة الوزراء السابقة لإيرلندا الشمالية، عن قلقها العميق إزاء هذا القرار.
وقالت في تصريح لها: "أعتقد أنه من "المقلق" أن يزيل رئيس الوزراء صورة أول رئيسة وزراء في تاريخ بلادنا من مكتب رئاسة الوزراء، إنه لا يستطيع إنكار دورها في أمتنا كأهم رئيسة وزراء بعد تشرشل، إنها ليست بداية جيدة من حزب العمال، فهي تبدو وكأنها خطوة انتقامية وتافهة."
زادت حدة الجدل مع دخول دام بريتي باتيل، وزيرة الداخلية السابقة والمرشحة لزعامة حزب المحافظين، على خط النقاش، إذ انتقدت ستارمر بشدة قائلة: "بعد 56 يومًا في المنصب، يبدو أنه يقضي وقتًا أطول في إزالة صور القادة المحافظين الإناث الأقوياء والعظماء، بدلًا من التركيز على حكم البلاد بقوة."
وأضافت باتيل في تصريحات نقلتها صحيفة التليجراف: "أعتقد أن هذا يخبرنا كل شيء حقًا عن أولوياته، أولوياته ليست في خدمة البلاد، أولوياته هي حرفيًا مجرد العبث بالهوامش، والاختباء وراء اللوحات العظيمة لرئيسات وزراء محافظات عظيمات، هذا هو السبب في أننا بحاجة إلى إخراجه من المنصب."
هذه التصريحات النارية من باتيل تعكس عمق الانقسام السياسي في بريطانيا وتشير إلى أن قضية إزالة اللوحة قد تتحول إلى نقطة خلاف رئيسية في الصراع السياسي المستقبلي بين حزبي العمال والمحافظين.
محاولة للتهدئة
في محاولة للدفاع عن قرار رئيس الوزراء وتهدئة الأجواء المشحونة، خرجت البارونة سميث، وزيرة التعليم في حزب العمال، للتعليق على الموقف.
وقالت في تصريحات لشبكة "سكاي نيوز": "أعتقد أنه قام بتعليق اللوحة في مكان آخر، على حد علمي، كير ستارمر كان قبل بضعة أشهر يتعرض للانتقاد؛ بسبب حديثه عمّا أعجبه في مارجريت تاتشر، والآن يتعرض للانتقاد بسبب نقل لوحتها".
وأضافت سميث أن "الشيء المهم بالنسبة لكير ستارمر هو على الأرجح أن يتعلم ما يمكنه من رؤساء الوزراء السابقين ولكن أن يمضي قدمًا فيما يفعله بنجاح كبير في قيادة البلاد". وشددت على أن "نقل لوحة من غرفة إلى أخرى ليس القضية الأكثر إلحاحًا في اليوم".
هذه التصريحات تعكس محاولة حزب العمال للتقليل من أهمية القضية وإعادة تركيز الانتباه على القضايا السياسية الأكثر إلحاحًا.
تناقضات في موقف ستارمر
من المثير للاهتمام أن موقف ستارمر من مارجريت تاتشر شهد تحولات ملحوظة خلال الأشهر الماضية، ففي ديسمبر من العام الماضي، أثار ستارمر جدلًا واسعًا بين أنصار حزب العمال، عندما أشاد بتاتشر في مقال نشرته صحيفة التليجراف.
في ذلك المقال، امتدح ستارمر تاتشر لإحداثها "تغييرًا ذا معنى" في بريطانيا.
وكتب قائلًا: "إن تحرير روح المبادرة الطبيعية لدينا" كان أحد إنجازات تاتشر الرئيسية.
هذه التصريحات أثارت غضب العديد من أنصار حزب العمال الذين يرون في سياسات تاتشر سببًا رئيسيًا للعديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها بريطانيا حتى اليوم.
وبحسب "التليجراف"، يأتي قرار إزالة لوحة تاتشر ليضيف المزيد من التعقيد إلى موقف ستارمر، هذه التناقضات الظاهرة في موقف ستارمر تثير تساؤلات حول استراتيجيته السياسية وقدرته على الموازنة بين مختلف التيارات داخل حزبه وفي المجتمع البريطاني ككل.