شعرت بالانتصار بعدما حوّلت قصة تهريب رفات والدتي لفلسطين إلى فيلم
"عائدة" تناول مرض الزهايمر وعلاقة الأم بابنتها
أطلقنا موقعًا إلكترونيًا لجمع اللاجئين الفلسطينيين بأرضهم
يظل حلم العودة إلى فلسطين في ذاكرة وعقل كل من هجرها بشكل إجباري من قِبل الكيان المحتل، وهو ما شكّل دافعًا قويًا لدى المخرجة اللبنانية الفلسطينية كارول منصور لرواية قصة حياة والدتها عايدة عبود، التي غادرت يافا وعمرها 21 عامًا، محمّلة بذكريات وتفاصيل يومية حوّلتها إلى صورة في فيلم "عائدة"، الذي تدور أحداثه حول عودة رفات جسد "عايدة" إلى يافا لدفنها في فلسطين متحدية القيود والصعوبات التي فرضها الكيان الإسرائيلي المحتل.
المخرجة كارول منصور تحدثت في حوار لموقع "القاهرة الإخبارية" عن تجربتها في الفيلم والسبب وراء تحويل قصتها الشخصية إلى عمل سينمائي، والتحضيرات والصعوبات التي واجهتها في العمل، ورسالته، ورأيها في قوة الفن لدعم القضية الفلسطينية، وتفاصيل أخرى نقرأها في هذه السطور:
كيف جاءت فكرة فيلم "عائدة".. وما الدافع وراء تقديمها؟
بدأت الفكرة عندما قررت توثيق قصة حياة والدتي "عايدة"، حيث كنت أفعل ذلك بشكل شخصي وعفوي من أجل الاحتفاظ بهذه الذكريات، وخصوصًا بعدما أصيبت والدتي بمرض الزهايمر، وبعد وفاتها كانت وصيتها دفنها في فلسطين وحرق جسدها، لذلك أخذت رفات والدتي معي إلى بيروت لأنني كنت أعيش في كندا، وبعدها بعام استطعت تهريب رفاتها إلى فلسطين عن طريق إحدى صديقاتي، كوني لبنانية لا يحق لي الذهاب إلى هناك، وعندما وصلت صديقتي إلى فلسطين، أرسلت لي مقطع فيديو قالت فيه "أهلًا وسهلًا.. عايدة وصلت إلى فلسطين"، ثم تواصلت معي المنتجة منى خالد، وقالت لي إن هذه القصة من الممكن أن تقدم في عمل سينمائي، لأنها تحاكي معاناة كل الفلسطينيين الذين هُجّروا من أرضهم ولم يستطيعوا العودة مرة أخرى، ومن هنا بدأت قصة الفيلم الذي تحمست لتقديمه لكونه يعبّر عن حياة الفلسطينيين بشكل عام وليس قصتي الشخصية.
ما الأسس التي اعتمدتِ عليها في فيلم "عائدة"؟
اعتمدت على ثلاثة أسس في هذا العمل، الأول في بيروت عام 2007، قبل أن تصاب والدتي بمرض الزهايمر، حيث كانت امرأة قوية قادرة على رواية ذكريات خروجها مع عائلتها من يافا إلى بيروت، وهاجس العودة إلى وطنها الذي لم يفارقها، والثاني في كندا بين عامي 2012 و2015، بعد إصابتها بالمرض وبدأت ذاكرتها تختفي تدريجيًا باستثناء ذكرياتها عن قصص طفولتها وحبها القديم في يافا، أما الثالث فيرتبط بمرحلة وفاتها، إذ شاركتني في هذه الرحلة المخرجة الأردنية تانيا حبجوقة والفلسطينية رائدة طه، باحثين عن منزل "عايدة" في يافا.
كيف كانت الاستعدادات لتوثيق التجربة.. وما التحديات التي واجهتك؟
بعد عام من وصول رفات والدتي إلى فلسطين، قررنا تصوير العودة عن طريق صديقتيّ تانيا ورائدة، وكنت وقتها أتابع معهما بالهاتف كل خطوة في الاستوديو، فكما ذكرت من قبل، أنا ممنوعة من دخول فلسطين، لذا استخدمنا في ذلك التوقيت 4 كاميرات للهواتف حتى لا ننسى أي مشهد، وكان التحدي في هذا العمل هو فكرة تهريب رفاتها، إذ كان ينتابني الشعور بالخوف بأن يتم القبض عليهما عند المعبر من قِبل الكيان المحتل، وأيضا الالتقاء بهما، فكل واحدة منا في مكان مختلف عن الآخر ولا يعرفن بعض، ولذلك التواصل كان عن طريق الهاتف فقط، ورغم ذلك لم نجد صعوبات في تقنية التصوير وخصوصًا أن الفلسطينيين رحبوا بالفكرة والتصوير.
والحقيقة أن كل المشاهد في فلسطين صعبة بالنسبة لي، فمنطقة يافا قريبة للغاية من بيروت، وعلى الرغم من ذلك لا أستطيع الذهاب إليها، وشعرت بالألم والحزن عندما وجدت أصدقائي في فلسطين يبحثون عن منزل والدتي، تذكرت الشوارع والمنازل وفي ذلك الوقت حاولت ألا أتأثر بما يحدث، فهذا الفيلم مزج بين المشاعر الجميلة والحزينة في الوقت نفسه، فالشعور الجميل أنني حققت أمنية والدتي بدفنها في يافا، أما الحزين كوني لم أرافق رمادها في رحلتها الأخيرة بذاتي، وتابعتها من خلال مكالمة فيديو هاتفية.
في ظل كل هذه التحديات.. ما الرسالة التي سعيت لتوصيلها للمشاهد؟
على الرغم من أن العمل شخصي لكنه من وجهة نظري جماعي، إذ يروي معاناة كل الفلسطينيين ممن عانوا التهجير في حرب 1948، والحكاية تدور حول شخصية "عايدة" التي تمثل فئة كبيرة من هذا الشعب المثابر، لذلك وجدت اسمها هو الأنسب كون والدتي اسمها "عايدة"، كما يتناول عودتها إلى وطنها مرة أخرى، وهناك جانب آخر يتحدث عن مرض الزهايمر وكيف للإنسان أن يتعامل مع مصاب هذا المرض، كما يتناول علاقة الابنة بوالدتها، وأيضًا الصداقة كون أن أصدقائي خاطروا جدًا بأنفسهم لتوصيل عايدة إلى وطنها وتحملوا مسؤولية كبيرة دون أن نري بعضنا ولكن جمعنا الفيلم.
وكيف كانت ردود الفعل عليه بعد هذه المعاناة؟
كانت ردود الفعل عليه إيجابية بشكل كبير من قِبل النقاد والجمهور في المهرجانات الدولية التي شارك فيها، فبهذا العمل لم أحقق فقط حلم أمي بالعودة بل تجاوزت ذلك إلى تحقيق انتصار على العدو رغم كل شيء.
هل مثّل نجاح الفيلمً دافعًا قويًا لاستقطاب المزيد من القصص عبر موقع إلكتروني انشأتموه أخيرًا؟
أطلقنا موقعًا إلكترونيًا بعد الفيلم، لجمع اللاجئين الفلسطينيين في أي مكان بأرضهم في فلسطين، عبر التواصل مع الأشخاص الذين يعيشون هناك، كما أطلقنا متحفًا افتراضيًا لجمع الممتلكات الفلسطينية، حتى لا يضيع تاريخها وأثق أنه قريبًا ستُحرر الأرض المقدسة من هذا الكيان الغاشم.
إلى أي مدى ترين أهمية الفن في دعم القضية الفلسطينية من وجهة نظرك؟
عندما بدأت في صناعة الأفلام، جعلتها وسيلة لنقل رسالة إلى العالم، منها التعرف على فلسطين بشكل أكبر وكشف كذب الكيان المحتل في أرض فلسطين، وإثبات حقهم في أرضهم، فكان الفيلم بالنسبة لي ليس مجرد عمل فني بل يمثل استمرار السردية الفلسطينية والذاكرة التاريخية وسنظل نحكي ونروي حتى تطهير أرضنا من الاحتلال.