الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"المسافة صفر- 3".. "عذرا سينما" من شغف الفن للبحث عن الحياة

  • مشاركة :
post-title
مخرج الفيلم

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

الحرب غيّرت حياتي.. أصبحت مهمومًا بالبحث عن مياه للشرب ومكان آمن للعيش 
مخرج العمل: نزحت 8 مرات من منزلي وفقدت شقيقي خلال تصوير الفيلم
 وثّقت كل ما رأته عيني.. وكنت شغوفًا بالمشاركة في مشروع "المسافة صفر" 

 بدّلت الحرب الضارية حياة أهالي قطاع غزة، بل وأفقدتهم أحلامهم، وصار شغلهم الشاغل توفير مكان آمن للنزوح إليه هربًا من أصوات القذائف والفرار بأنفسهم من ملاحقة الموت لهم، وحتى إذا توافر لهم الأمان المؤقت فالبحث عن مأكل ومياه صالحة للشرب أصبح حلمًا بعدما استخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة تجويعهم كنوع من أدوات التعذيب لمن لم تطاله صواريخهم.

معاناة أهل غزة طالت الجميع حتى الفنانين وصنّاع السينما الذين أرغمتهم الظروف أن يعيشوا أوضاعًا قاسية بدلًا من الانشغال بتصوير أعمالهم، إلى جانب استهداف الاحتلال لهم حتى لا يسردوا حكاياتهم للعالم، فترجم المخرج الفلسطيني أحمد خميس حسونة هذه المشاعر في فيلم سينمائي يوثق التحولات الكبيرة التي حدثت في حياة الفلسطينيين وأهالي قطاع غزة عقب اندلاع أحداث السابع من أكتوبر 2023.

 "حسونة" بعد أن كان مهمومًا بالسينما وصناعتها، أصبح أقصى طموحه هو العيش في أمان مع ما تبقى من أفراد أسرته، فهو لا يزال يعاني من النزوح، وبعدما كان يشتكي من قصر مدة اليوم ورغبته أن يكون 48 ساعة أصبح طموحه أن يمر بسرعة الصاروخ هربًا من واقع مؤلم وقاسٍ، أصبح فيه الجميع بين عشية وضحاها إما نازحين مكلومين أو شهداء مقصوفين بنيران الاحتلال الإسرائيلي.

"عذرا سينما" الاسم الذي اختاره الفلسطيني أحمد خميس حسونة، عنوانًا لفيلمه، جسّد من خلاله معاناة آلاف الغزيين من الشمال -بالمنطقة الأصعب حاليًا بقطاع غزة- الذي صوره بين بقايا الدمار التي طالت كل شيء في القطاع، لينضم هذا العمل الوثائقي لسلسلة "المسافة صفر" التي يشرف عليها المخرج رشيد المشهراوي التي توثق جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

شغف مخرج العمل بالسينما كان المحرك الرئيسي لتقديم فيلم في ظروف قاسية تحت نيران القصف وحطام الدمار، ليكشف في حواره مع "القاهرة الإخبارية" عن كواليس العمل قائلًا: "كان لديَّ رغبة قوية للمشاركة في سلسلة "المسافة صفر"، وعندما عرض عليَّ المخرج رشيد المشهراوي تقديم فيلم عن شمال غزة لم أتردد، فكان لدي تزاحم بالأفكار، ولمدة شهرين لم نحدد ما نريده نظرًا للحالة النفسية التي نعيشها والنزوح من مكان لآخر، لكن بعد ما تحدثت معه عن تبدل أوضاعنا وكيف نعيش ازدواجية ما قبل وبعد الحرب، فقبل الحرب كان تركيزي منصبًا على السينما والتعلم الذاتي من مشاهدة الأفلام خاصة المصرية، وقراءة سيناريوهات النخبة، وتشاورت معه حول تغير أحوالي من شغف السينما والفن، للبحث عن الحطب ومياه للشرب والبحث عن مكان آمن للعيش فيه".

وتابع "حسونة" قائلًا: "وجودي بشمال غزة أعطي بُعدًا آخر لمشروع "المسافة صفر" بخلاف غالبية المخرجين الذين يوجدون في جنوب غزة".

المخرج الفلسطيني الذي فقد شقيقه خلال الحرب لم يتوان عن توثيق جرائم الاحتلال، فأصبح يصور كل ما يراه، ولذلك عندما عُرضت عليه المشاركة في المشروع لم يتردد بل أضاف ما صوره مسبقًا قائلًا: "تغيرت أحوالنا بعد السابع من أكتوبر، أصبح اليوم طويلًا وقاسيًا، وبدلًا من أن ننشغل بالسينما أصبحنا منهمكين بلقمة العيش في شمال غزة، كما أصبحت الأمور صعبة ومعقدة بها سياسة تجويع للأهالي والنزوح من مكان لآخر هربًا من القصف الذي استشهد فيه شقيقي، وبالتالي الحياة أصبحت ثقيلة، لكن لم أشعر باليأس، ففي كل مكان أذهب إليه أصوره لتوثيق ما يحدث، ولذلك بعد أن جاء مشروع "المسافة صفر" صوّرت بعض المشاهد المكملة للفيلم".

واجه "حسونة" تحديات كثيرة لإنتاج فيلم وثائقي في ظل حرب ضارية، ويقول عن ذلك: "لحظات قاسية على النفس، من يستطيع أن ينتج فيلمًا تحت نيران القصف، فخلال تنفيذ العمل نزحت 8 مرات من منزلي، وتوقف العمل، وفي أثناء المونتاج تم قصف أماكن قريبة منا، ففي خضم الحرب واجهت تحديات كثيرة مثل كيفية توفير مكان آمن وكهرباء في ظل انقطاع مستمر لها، ومحاولة توفير إنترنت لاستكمال الفيلم، فكل هذه الأشياء التي تبدو بسيطة عند الجميع كانت صعبة جدًا لدينا، ولذلك اضطررنا نبحث عن لوحات طاقة شمسية وشراء جهاز لتوليد الطاقة لنتمكن من إنتاج ومونتاج الفيلم".

آثار الدمار في كل مكان ومحاولات العدو طمس الهوية الفلسطينية والقضاء على كل أثر كانت من بين مخططات الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي، فيقول "حسونة": "تدمرت كل الأماكن الأثرية والبلدة القديمة بالكامل ومسرح رشاد الشوا، وأصبح لا وجود لأي معلم ثقافي في غزة ولا حياة للفنان وللإنسان عمومًا".

مخرج العمل أحمد حسونة

يبدو أن حلم توثيق ما حدث في غزة لم ينته، ومازال لدى "حسونة" رغبة قوية في سرد قصص إنسانية عنها وتوصيلها للعالم قائلًا: "هناك قصص كثيرة نستطيع أن نسردها، والمشاعر امتلأت ولا نستطيع أن نبوح بها ولكن ممكن بعد الحرب سأترجم هذه المشاعر في أفلام، حيث إن واقعنا لن يسرده غيرنا فنحن أصحاب التجربة، وإن بقينا أحياء سنتحدث عن كل جريمة ارتكبت وكل ساعة في أثناء الحرب".

لم يكن هذا الفيلم هو الأول في مشوار المخرج الفلسطيني حيث كان شغوفًا بتقديم أفلام قصيرة فضلا عن تجربة سينمائية طويلة حملت اسم"استروبيا" أو بمعنى أخر الخسارة غير الضرورية، وقد حاز على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 2019، وقد استغرق تصويرها 3 سنوات تقريبًا من الفترة 2016 حتى 2019.