في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، تم الإفراج عن مجموعة من الأمريكيين والألمان والسجناء الروس، مقابل إطلاق سراح ثمانية روس كانوا محتجزين في خمس دول مختلفة.
هذه الصفقة، التي وصفت بأنها "واحدة من أكبر وأعقد عمليات تبادل السجناء في التاريخ الحديث"، أثارت ردود فعل مُتباينة في ألمانيا وبولندا، مع مخاوف من تداعياتها المحتملة على الأمن الأوروبي والعلاقات الدولية.
وفقًا لما ذكرته صحيفة "بوليتيكو"، كان من بين الأمريكيين المفرج عنهم إيفان جيرشكوفيتش، الصحفي في صحيفة وول ستريت جورنال، الذي اعتقل في روسيا بتهم التجسس وحُكم عليه أخيرًا بالسجن لمدة 16 عامًا.
في المقابل، كانت "الجائزة الكبرى"، بحسب ما أشارت الصحيفة، لموسكو هي الإفراج عن فاديم كراسيكوف، الكولونيل المرتبط بجهاز الاستخبارات الروسي، والذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في ألمانيا لقتله معارضًا شيشانيًا في حديقة عامة ببرلين في وضح النهار عام 2019.
ردود الفعل الألمانية
المستشار الألماني أولاف شولتس، علق قائلًا: "لم يكن أحد يستسهل قرار ترحيل قاتل محكوم عليه بالسجن مدى الحياة بعد بضع سنوات فقط في السجن".
وأشارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إلى أن صفقة تبادل السجناء كانت "معضلة شديدة الحساسية" و"تؤدي بحق إلى الكثير من الحاجة للنقاش".
وفي السياق ذاته، نقلت بوليتيكو عن إنجا شولتس، المحامية التي مثلت عائلة المعارض الشيشاني المقتول، قولها إن العائلة شعرت "بخيبة أمل"، ووجدت القرار "غير مفهوم".
وأضافت شولتس: "كانت العائلة ترغب في المشاركة في محادثة واحدة على الأقل قبل اتخاذ القرار"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنهم "سعداء بكل حياة يمكن إنقاذها".
مخاوف من تداعيات أمنية
أثارت الصفقة مخاوف لدى منظمات حقوق الإنسان والسياسيين المعارضين في ألمانيا، حيث رأوا أن الإفراج عن قاتل مدان مقابل سجناء سياسيين، قد يمنح النظام الروسي نفوذًا إضافيًا.
ونقلت بوليتيكو عن رودريش كيسويتر، وهو سياسي بارز من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض، قوله: "هذا قد يشكل سابقة، أخشى أن يزداد خطر التخريب أو الإرهاب من قبل روسيا"، مضيفًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أظهر أن أتباعه ليس لديهم ما يخشونه من العواقب.
انتقادات في بولندا
لم تقتصر ردود الفعل على ألمانيا فحسب، بل امتدت إلى بولندا أيضًا، إذ تعرضت الحكومة البولندية لانتقادات من قبل حزب القانون والعدالة المعارض لعدم إدراج أندريه بوتشوبوت، وهو صحفي بولندي مسجون في بيلاروسيا ضمن الصفقة.
وفي المقابل، أفرجت بولندا عن بافيل روبتسوف، المعروف أيضًا باسم بابلو جونزاليس، وهو صحفي إسباني روسي اعتقل في فبراير 2022 بالقرب من الحدود مع أوكرانيا بتهمة العمل كعميل للاستخبارات الروسية.
تفاصيل الصفقة
كشفت بوليتيكو، نقلًا عن مسؤول أمريكي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن إقناع المستشار الألماني شولتس بالموافقة على الإفراج عن كراسيكوف كان أكبر عقبة أمام واشنطن لإتمام الصفقة.
وأضاف المصدر أن ألمانيا كانت في البداية مستعدة فقط للإفراج عن كراسيكوف مقابل المعارض المسجون أليكسي نافالني، وفقًا لما ذكره كريستو جروزيف، وهو صحفي استقصائي بلغاري ساعد في كشف الهوية الحقيقية لكراسيكوف للمحققين في برلين.
وبعد وفاة نافالني في بداية هذا العام، أوضح جروزيف في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" أنه "كان من الصعب جدًا إحياء الصفقة".
وأضاف أن ألمانيا واصلت السعي لإبرام صفقة بشرط فرض ثمن أعلى بكثير على بوتين: ثمانية سجناء بدلًا من واحد، بما في ذلك الألماني ريكو كريجر، الذي حُكم عليه بالإعدام في بيلاروسيا.