الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كواليس الصفقة التاريخية لتبادل السجناء بين الغرب وروسيا

  • مشاركة :
post-title
بايدن وهاريس يستقبلان السجناء المفرج عنهم في صفقة تبادل مع روسيا

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في تطور دبلوماسي غير مسبوق، نجحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في إبرام صفقة تبادل سجناء واسعة النطاق مع روسيا، وصفت بأنها الأكبر منذ الحرب الباردة، إذ أدت إلى الإفراج عن 16 شخصًا من جنسيات مختلفة كانوا محتجزين في السجون الروسية، وذلك نتيجة مفاوضات شاقة ومعقدة استمرت لأشهر وشملت العديد من الدول.

مسار المفاوضات

كشف "واشنطن بوست" عن الصعوبات التي واجهتها إدارة بايدن في بداية المفاوضات، فعلى مدى أسابيع كان المسؤولون الأمريكيون على أعصابهم، متخوفين من انهيار الصفقة في أي لحظة، إذ إنه وفقًا لثمانية مسؤولين أمريكيين وأوروبيين تحدثوا للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم، كان هناك قلق مستمر حتى لحظة إقلاع الطائرة التي تقل المفرج عنهم من موسكو.

وأشار التقرير إلى أن المفاوضات شهدت العديد من اللحظات الحرجة، فعلى سبيل المثال، خلال رحلة نقل السجناء، أبلغ مسؤول أوروبي أحد الصحفيين أن طائرة متجهة من موسكو إلى أنقرة عادت أدراجها، مما أثار مخاوف من إلغاء الصفقة.

وتبين لاحقًا أن هذا كان إنذارًا كاذبًا، لكنه سلط الضوء على مدى التوتر الذي ساد المفاوضات حتى اللحظات الأخيرة.

المفتاح الذهبي للصفقة

ووفقًا لمصادر واشنطن بوست، كان العنصر الحاسم في الصفقة هو الإفراج عن فاديم كراسيكوف، وهو عميل روسي مدان بقتل معارض شيشاني في برلين، في حين كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مهتمًا بشكل خاص بالإفراج عن كراسيكوف، الأمر الذي أثار حيرة المسؤولين الأمريكيين.

وكشف التقرير أن الروس طرحوا اسم كراسيكوف كجزء من صفقة محتملة في خريف 2022، عندما كانت الولايات المتحدة تسعى للإفراج عن بول ويلان ولاعبة كرة السلة بريتني جرينر.

في ذلك الوقت، بدا الاقتراح غير جدي، خاصة وأن كراسيكوف كان محتجزًا في ألمانيا وليس في الولايات المتحدة.

وأشار مصدر روسي مطلع على المفاوضات إلى أن "بوتين كان يفكر فقط في كراسيكوف"، وهذا الاهتمام الشديد من قبل الرئيس الروسي بكراسيكوف منح المفاوضين الأمريكيين ورقة ضغط قوية، لكنه أيضًا زاد من تعقيد المفاوضات.

دور ألمانيا المحوري

لعبت ألمانيا دورًا محوريًا في المفاوضات، إذ كان كراسيكوف محتجزًا لديها، وفقًا لواشنطن بوست، كانت برلين في البداية مترددة في الموافقة على الصفقة، خوفًا من إرساء سابقة خطيرة قد تشجع روسيا على اعتقال المزيد كأوراق مساومة.

وقال مسؤول ألماني كبير شارك في المفاوضات للصحيفة: "ماذا تفعل عندما يصبح ذلك نموذج أعمال؟"، مشيرًا إلى المخاوف من أن تصبح عمليات اختطاف الأجانب واحتجازهم وسيلة للضغط الدبلوماسي.

ومع ذلك، بعد مفاوضات مكثفة مع الولايات المتحدة، وافق المستشار الألماني أولاف شولتس على المضي قدمًا في الصفقة.

وفي اجتماع مع بايدن في البيت الأبيض في 9 فبراير، قال شولتس: "من أجلك، سأفعل هذا"، هذا التحول في الموقف الألماني كان حاسمًا في إنجاح الصفقة.

تأثير وفاة نافالني

شهدت المفاوضات انتكاسة كبيرة في 16 فبراير 2024 مع وفاة أليكسي نافالني، ووفقًا لتقرير واشنطن بوست، كان نافالني جزءًا محتملًا من الصفقة، وكانت وزارة الخارجية الأمريكية بدأت بالفعل في مناقشة إمكانية إدراجه في عملية التبادل.

وأدت وفاة المعارض الروسي إلى تعقيد المفاوضات بشكل كبير، فمن ناحية، أثارت غضبًا دوليًا وزادت من الضغوط على روسيا، ومن أخرى، حرمت المفاوضين من ورقة مهمة كانوا يأملون في استخدامها.

ومع ذلك، كشف التقرير أن الدبلوماسيين الأمريكيين سرعان ما تكيفوا مع الوضع الجديد.

بدلًا من التركيز على نافالني نفسه، بدأوا في العمل على قائمة من السجناء السياسيين المرتبطين به والمحتجزين في روسيا، ما سمح باستمرار المفاوضات رغم الصدمة التي أحدثتها وفاة نافالني.

دور سوليفان وبلينكن

في الأشهر الأخيرة قبل إتمام الصفقة، كثفت إدارة بايدن جهودها الدبلوماسية، ووفقًا لواشنطن بوست، لعب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، دورًا محوريًا في المفاوضات، إذ كان الأخير يتواصل بشكل مستمر مع نظرائه في ألمانيا وروسيا، ويعمل على تنسيق الجهود بين مختلف الأطراف المعنية.

كما أشارت الصحيفة الأمريكية إلى الدور المهم الذي لعبه وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إذ في مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، احتج بشدة على اعتقال الصحفي الأمريكي إيفان جيرشكوفيتش، قائلًا: "حكومتكم قد تجاوزت الحد".

إتمام الصفقة

في النهاية، نجحت الجهود الدبلوماسية في إتمام الصفقة، إذ تم الإفراج عن 16 شخصًا من روسيا، بينهم أمريكيون وألمان، مقابل الإفراج عن 8 روس كانوا محتجزين في الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى.

ووصف "سوليفان" الصفقة بأنها "أكبر تبادل للسجناء منذ الحرب الباردة"، مشيرًا إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها تبادل بهذا الحجم يشمل العديد من الدول.

ومع ذلك، يشير تقرير واشنطن بوست إلى أن هذه الصفقة تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية والدبلوماسية، فمن ناحية، تمثل نجاحًا كبيرًا للدبلوماسية الأمريكية وقدرتها على التفاوض حتى في أصعب الظروف. لكن من جهة أخرى، تثير مخاوف بأنها قد تشجع على احتجاز المزيد من الأبرياء كأوراق مساومة في المستقبل.