يشكل انتقال السلطة في الولايات المتحدة دومًا لحظة متوترة بالنسبة للدبلوماسيين الأوروبيين، الذين يخشون أن تُـترَك القارة العجوز في البرد القارس إذا ما تحولت واشنطن بالكامل إلى التركيز على آسيا.
وبالفعل، خسر الأوروبيون حليفًا ثابتًا عندما انسحب الرئيس جو بايدن من السباق إلى البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر، إذ لا يشارك نائبته كامالا هاريس تجربته الطويلة الأمد مع أوروبا.
لهذا السبب، يأمل الأوروبيون أن يكون هناك منصب رفيع المستوى في السياسة الخارجية أو الأمنية لصديقهم فيل جوردون، الذي يعمل مستشارًا للأمن القومي لنائبة الرئيس (هاريس)، والمعروف أنه "مؤيد لأوروبا".
هكذا، قد يأتي الرجل الذي يمكنه توجيه السياسة الأمنية للولايات المتحدة في ظل رئاسة هاريس متحدثًا أربع لغات أوروبية، وكتب أطروحته عن الزعيم الفرنسي شارل ديجول، بل وترجم كتابًا للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.
ووفق صحيفة "بوليتيكو"، فإن جوردون، الدبلوماسي المحترف البالغ من العمر 61 عامًا، وبفضل شغفه بأوروبا "أصبح سلالة نادرة في واشنطن".
أمل أوروبا
يحمل "جوردون" خبرة هائلة بالنسبة للأوروبيين قد تعاونهم على المزيد من التقارب مع البيت الأبيض، فقد كتب عن السياسات النووية والدفاعية التي انتهجها الزعيم الفرنسي ديجول في زمن الحرب، وأسس مركز الولايات المتحدة وأوروبا في معهد بروكينجز في واشنطن، كما خدم في طاقم مجلس الأمن القومي في عهد بيل كلينتون، ثم أصبح مساعدًا لوزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية في إدارة أوباما الأولى.
ونقلت "بوليتيكو" عن كاميل جراند، الأمين العام المساعد السابق لحلف شمال الأطلسي ومسؤول وزارة الدفاع الفرنسية -الذي عرف جوردون لأكثر من عقدين- وصفه لمستشار هاريس بأنه "مطمئن للأوروبيين"، لأنه يعرفهم وهم يعرفونه وهو مهتم بالشؤون الأوروبية "حتى لو كان يدرك أن هذه الشؤون لم تعد الأساس والمحور في السياسة الخارجية الأمريكية".
بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن مخاطر الانتخابات الأمريكية في نوفمبر مرتفعة بشكل خاص، مع اشتعال الحرب في أوكرانيا.
ومن المرجح أن يؤدي فوز "دونالد ترامب-جيه دي فانس" إلى سياسة أكثر انعزالية في واشنطن، وهو الاحتمال الذي وصفه مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي للصحيفة بأنه "كارثة".
كما حذرت دول أقرب إلى روسيا، مثل بولندا، من أن الأوروبيين سوف يضطرون إلى الاستعداد لـ "تغيير" في العلاقات عبر الأطلسي، بغض النظر عن هوية الرئيس الأمريكي المقبل.
ولكن احتمالية تولي جوردون منصبًا رفيع المستوى في مجال الأمن القومي -وربما خلفًا لجيك سوليفان كمستشار للأمن القومي- يترك بعض الأمل في أن لا أوروبا ولا أوكرانيا سوف يتم تجاهلهما في أجندة هاريس الدولية.
وبحسب دانييل فريد، الذي سبق جوردون في منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية، فإن مستشار هاريس "يشبه خبراء السياسة الخارجية الأمريكيين الذين يعرفهم الأوروبيون منذ جيلين.. وهو يقدر بطبيعته ما فعله الاتحاد الأوروبي، ولا ينظر إليهم باعتبارهم منافسين أو متطفلين".
عدوى الفرنسية
تعود علاقة جوردون بالقارة العجوز إلى سنوات دراسته، فقد تعلم الفرنسية في الجامعة -وهو يتحدث كذلك الألمانية والإيطالية وبعض الإسبانية- وذهب إلى مدينة "تورز" التي تعود إلى العصور الوسطى في إطار برنامج تبادل طلابي في ثمانينيات القرن العشرين، حيث "أصيب بعدوى اللغة الفرنسية"، وفقًا لأشخاص عرفوه.
ثم أمضى الدبلوماسي الأمريكي، الذي يحضر مؤتمر ميونيخ للأمن بانتظام، معظم حياته المهنية المبكرة في الدراسة والعمل في شؤون أوروبا كباحث أكاديمي، وفي منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، أبدى اهتمامه بساركوزي، وزير الداخلية الفرنسي آنذاك.
كما ترجم جوردون -وهو مؤلف غزير الإنتاج لكتب عن فرنسا وألمانيا وتركيا والشرق الأوسط- كتاب ساركوزي الصادر في عام 2007، تحت عنوان "الشهادة: فرنسا وأوروبا والعالم في القرن الواحد والعشرين".
في ذلك الوقت، قال شخصان يعرفانه، إن جوردون أراد أن يقدم إلى حشد السياسة الخارجية الأمريكية أفكار أحد أكثر الرؤساء الفرنسيين تأييدًا للعلاقات عبر الأطلسي، والذي نجح -في نهاية المطاف- في إعادة دمج فرنسا في القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي.
والآن، أصبح جوردون من بين المسؤولين الأمريكيين الذين لا يرون في مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نحو أوروبا الأكثر استقلالية تهديدًا، بل يفهم جيدًا منطق الاستقلال الاستراتيجي الذي قد يبدو موجهًا ضد الولايات المتحدة، أو كما قال دبلوماسي فرنسي لـ"بوليتيكو"، إنه يعتقد -بشكل عام- أن أوروبا القوية هي في مصلحة الولايات المتحدة.