أدت محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى تزايد المخاوف من تصاعد العنف السياسي في الولايات المتحدة، الذي قد يهدد بمزيد من التوتر مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل. فقد أثار "ترامب" غضب أنصاره، الذين وصفوه بالبطل، مستغلين صورته وأذنه ملطخة بالدماء وقبضته مرفوعة ويبدو وكأنه يردد كلمة "قاتلوا".
من ناحية أخرى دفعت تلك المحاولة بالرئيس بايدن بوقف حملته مؤقتًا وسط مخاوف من تأجيج العنف السياسي قبل أشهر من الانتخابات. وتحرك بايدن سريعًا في محاولة لنزع فتيل التوتر، وندد بالهجوم ووصفه بأنه عنف سياسي غير مقبول وسحب الإعلانات الانتخابية التي تهاجم ترامب. وقال بايدن للصحفيين "لا مكان في أمريكا لهذا النوع من العنف؛ إنه أمر مقزز".
في ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل في محاولة للإجابة على تساؤل رئيس؛ هو: إلى أي مدى تؤثر محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق؛ دونالد ترامب على ترتيب أولويات القضايا الانتخابية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024؟
تزايد الاهتمام الانتخابي بقضايا الإرهاب الداخلي
قد ينجم عن محاولة اغتيال أي شخصية سياسية بارزة، مثل دونالد ترامب، عدة تأثيرات على قضايا الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة، مما قد يجعلها أولوية انتخابية له ولبايدن في الأشهر المقبلة. ويأتي في مقدمة هذه التأثيرات ما يلي:
(*) تصعيد التوترات السياسية: يمكن أن تزيد مثل هذه الحوادث من التوترات بين التيارات السياسية المتنافسة، مما يؤدي إلى زيادة الانقسامات والاستقطاب في المجتمع.
(*) تأثير على الخطاب السياسي والإعلامي: يمكن أن تؤدي محاولة الاغتيال إلى تغيير الخطاب السياسي والإعلامي، حيث قد تتبنى وسائل الإعلام والجماعات السياسية خطابًا أكثر حدة تجاه الإرهاب الداخلي والتطرف.
(*) تأثير نفسي على الجمهور: يمكن أن تؤثر هذه الحوادث نفسيًا على الجمهور، مما يؤدي إلى زيادة الخوف وعدم الثقة في قدرة الحكومة على حماية الشخصيات السياسية والمواطنين.
(*) زيادة نشاط الجماعات المتطرفة: يمكن أن تحفز محاولة اغتيال بعض الجماعات المتطرفة، سواء اليسارية أو اليمينية، على تصعيد نشاطها من خلال شن هجمات أو الترويج لأفكارها بشكل أكثر عدوانية.
أولوية قضية حمل السلاح
بموجب التعديل الثاني، يدعم الدستور الأمريكي حق المواطنين في حمل السلاح، مما يؤثر بشكل كبير على سياسات وتشريعات الأسلحة في الولايات المتحدة، حيث تتفاوت القوانين المتعلقة بحمل وشراء الأسلحة من ولاية إلى أخرى، مما يؤدي إلى تباين في مدى سهولة الوصول إلى الأسلحة عبر البلاد.
وتؤثر محاولة اغتيال شخصية بارزة مثل دونالد ترامب على قضية حمل السلاح في الولايات المتحدة بطرق متعددة من شأنها التأثير على السلوك الانتخابي للمواطنين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهو الأمر الذي قد يجعل من تلك القضية أولوية انتخابية متقدمة في الفترة المقبلة بفعل التأثيرات التالية:
(*) زيادة الدعم لقوانين حمل السلاح: قد يرى بعض الأفراد والجماعات أن محاولة الاغتيال تؤكد الحاجة إلى حمل السلاح للدفاع الشخصي وحماية النفس، مما يؤدي إلى زيادة الدعم لقوانين حمل السلاح.
(*) تزايد الدعوات لتشديد قوانين السلاح: في المقابل، قد يستخدم المؤيدون لتشديد قوانين السلاح محاولة الاغتيال كدليل على الحاجة لتقليل الوصول إلى الأسلحة النارية ومنع الأفراد الخطيرين من الحصول عليها، مما قد يزيد من الضغط لتشديد القوانين.
(*) اشتعال النقاش العام حول السلامة والأمن: الحادثة يمكن أن تؤدي إلى زيادة النقاشات العامة حول مواضيع الأمن والسلامة، ودور الأسلحة في المجتمع، مما يؤثر على الآراء العامة والسياسات الحكومية.
بشكل عام، سوف يعكس تصويت الناخب الأمريكي في الانتخابات المقبلة هذا التأثير الذي يتوقف مداه على كيفية استجابة المجتمع والسياسيين للحادثة، ومدى تأثيرها على الرأي العام والسياسات المتعلقة بحمل السلاح.
اتجاهات موقف ترامب من حمل السلاح
يُعتبر الرئيس السابق دونالد ترامب من المؤيدين بشدة لحق حمل السلاح في الولايات المتحدة. وهناك بعض النقاط الرئيسية في موقفه، تشمل ما يلي:
(*) دعم التعديل الثاني للدستور: يؤكد ترامب باستمرار على دعمه القوي للتعديل الثاني للدستور الأمريكي، الذي يضمن حق المواطنين في حمل السلاح. يعتبر هذا جزءًا أساسيًا من حرياته الشخصية والدفاع عن النفس.
(*) معارضة القيود الصارمة على شراء السلاح: خلال فترة رئاسته، عارض ترامب بشكل عام فرض قيود صارمة على شراء وحمل الأسلحة الخفيفة. وقد عمل على حماية حقوق أصحاب الأسلحة من خلال معارضة التشريعات التي تسعى إلى تقييد هذه الحقوق.
(*) دعم حمل الأسلحة في المدارس: اقترح ترامب تسليح المعلمين وغيرهم من موظفي المدارس كوسيلة لتعزيز الأمن ومنع حوادث إطلاق النار في المدارس.
(*) العلاقات مع الرابطة الوطنية للبنادقNRA) : ) ترامب يتمتع بدعم قوي من الرابطة الوطنية للبنادق، وهي واحدة من أكبر المنظمات المؤيدة لحمل السلاح في الولايات المتحدة. وقد شارك في مؤتمراتها وتلقى دعمًا منها خلال حملاته الانتخابية. ففي مايو الماضي، حث الرئيس السابق دونالد ترامب أصحاب الأسلحة على التصويت في انتخابات عام 2024 أثناء خطابه أمام الآلاف من أعضاء الرابطة الوطنية للبنادق، التي أيدته رسميًا قبل اعتلاء ترامب المسرح في اجتماعهم السنوي في تكساس. وقال ترامب: “علينا أن نجعل أصحاب الأسلحة يصوتون”. "أعتقد أنكم مجموعة متمردة. لكن دعونا نكون متمردين ونصوت هذه المرة". وأضاف أنه إذا حصل الرئيس الديمقراطي جو بايدن على أربع سنوات أخرى، فإنهم سيأتون للحصول على أسلحتكم، بنسبة 100بالمئة. ووصف ترامب نفسه بأنه "أفضل صديق على الإطلاق لمالكي الأسلحة في البيت الأبيض"
بشكل عام، موقف ترامب يميل نحو دعم حق المواطنين في حمل السلاح ومقاومة التشريعات التي قد تفرض قيودًا على هذا الحق مع أهمية الأخذ في الاعتبار إلى دعم ترامب إجراءات محدودة لتحسين سلامة السلاح، مثل منع بيعbump stocks (الأجهزة التي تزيد من معدل إطلاق النار لبنادق نصف آلية)، بعد حادث إطلاق النار في لاس فيجاس عام 2017.
موقف جو بايدن من حمل السلاح
يميل موقف الرئيس جو بايدن من حمل السلاح الخفيف نحو تشديد القوانين والرقابة للحد من العنف المرتبط بالأسلحة. ويتمتع جو بايدن بسجل يبلغ 40 عامًا في محاولة انتزاع الأسلحة النارية من أيدي المواطنين الأمريكيين بالقانون. فهناك بعض النقاط الرئيسية في موقفه هذا تشمل ما يلي:
(*) تشديد الفحص الخلفي: يدعم بايدن يدعم تشديد عمليات الفحص الخلفي (background checks) لجميع مبيعات الأسلحة، بما في ذلك المبيعات الخاصة وعبر الإنترنت، لضمان عدم وصول الأسلحة إلى الأشخاص غير المؤهلين أو الخطيرين.
(*) حظر الأسلحة الهجومية والمخازن الكبيرة: يدعو إلى حظر الأسلحة الهجومية ذات القدرات العالية والمخازن الكبيرة (high-capacity magazines)، مشيرًا إلى أن هذه الأسلحة تستخدم في العديد من الحوادث العنيفة.
(*) إلغاء الحصانة القانونية لشركات تصنيع الأسلحة: يسعى لإلغاء الحصانة القانونية التي تحمي شركات تصنيع الأسلحة من المسؤولية القانونية عن الجرائم التي تُرتكب باستخدام أسلحتها
(*) توسيع برامج "الأعلام الحمراء": يدعم بايدن تشريع "القوانين الأعلام الحمراء" (red flag laws)، التي تسمح للسلطات بمصادرة الأسلحة من الأفراد الذين يعتبرون خطرًا على أنفسهم أو الآخرين بناءً على تقارير من أفراد الأسرة أو المسؤولين.
(*) الاستثمار في برامج الوقاية من العنف: يشجع بايدن على زيادة الاستثمار في البرامج المجتمعية التي تهدف إلى الوقاية من العنف والحد من انتشار الأسلحة في المجتمعات الأكثر عرضة للعنف.
باختصار، موقف بايدن من حمل السلاح الخفيف يركز على تشديد القوانين وزيادة الرقابة لضمان استخدام الأسلحة بشكل مسؤول ولتقليل حوادث العنف المرتبطة بها.
إجمالا، يمكن القول إن محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي؛ دونالد ترامب السابق قد فرضت نفسها على السباق الانتخابي المقبل في الولايات المتحدة الأمريكية. فمن شأن هذه المحاولة التأثير على ترتيب أولويات القضايا الانتخابية لترامب ولمنافسه؛ الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ليصبح في مقدمة هذه الأولويات قضايا العنف السياسي والإرهاب الداخلي، وحمل السلاح. فمن المرجح أن تعزز هذه المحاولة خلال الفترة المقبلة، التأييد لترامب نتيجة تنامي الشعور بالظلم والغربة لدى مؤيدوه تجاه الطبقة السياسية في البلاد. ففي غضون ساعات من إطلاق النار، أرسلت حملة ترامب رسالة نصية تطلب من الناخبين المساهمة في الحملة، وجاء في الرسالة "إنهم لا يلاحقونني، بل يلاحقونكم".
فما بين الفعل المرتبط بتلك المحاولة التي ترتب عليها مكاسب انتخابية لترامب (فوفقا لمنصات التنبؤ السياسي وصلت احتمالية فوز ترامب إلى 70%، فيما انخفضت نسبة فوز بايدن إلى 16%)، وبين رد الفعل من جانب بايدن في محاولته لتقليل هذه المكاسب، يبدو إمكانية تغير أولويات القضايا الانتخابية التي سيتضمنها الخطاب الانتخابي لكل من ترامب وبايدن في الفترة المقبلة. وهو الأمر الذي من شأنه زيادة اشتعال المعركة الانتخابية في قادم الأيام حول كل ما يرتبط بتلك المحاولة وفي مقدمتها تلك القضايا التي قد تسبق في أولويات الأجندة الانتخابية لكل منهما قضايا أخرى تقليدية محورية وحاسمة في قرار تصويت الناخب الأمريكي لمرشح دون سواه؛ مثل قضايا الاقتصاد، الهجرة وأمن الحدود، والصحة.