البرنامج النووي الإيراني.. " بزشكيان" يبحث عن مخرج وواشنطن تترقب
أسفرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة عن فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، في تحول قد يعيد رسم خريطة العلاقات الدولية في المنطقة، إذ إن جراح القلب البالغ من العمر 69 عامًا، والذي كان وزيرًا للصحة سابقًا، حقق انتصارًا بحصوله على 53% من الأصوات، ليصبح أول رئيس إصلاحي لإيران منذ أكثر من عقدين.
ويثير هذا التطور الدراماتيكي تساؤلات عميقة حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني والعلاقات مع الغرب، وما إذا سيكون انتخاب بزشكيان بداية لفصل جديد في الملف النووي الإيراني؟
الملف النووي
يعد الملف النووي الإيراني حجر الزاوية في العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، إذ إنه وفقًا لصحيفة "مونيتور" الأمريكية، قد يفتح انتخاب بزشكيان الباب أمام إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والذي وضع قيودًا صارمة على الأنشطة النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الدولية.
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، وسعت إيران برنامجها النووي بشكل تدريجي.
وتشير التقديرات الأمريكية الحالية إلى أن الوقت اللازم لإيران لتجميع ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية واحدة انخفض من عام كامل إلى "أسابيع أو أقل".
في هذا السياق، صرح "بزشكيان"، خلال حملته الانتخابية، بأنه سيتفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات التي ألحقت أضرارًا فادحة بالاقتصاد الإيراني.
وقال في خطابه بعد الفوز: "لقد جئت للسعي من أجل السلام الدائم والطمأنينة والتعاون في المنطقة، وكذلك الحوار والتفاعل البناء مع العالم".
تحديات داخلية وخارجية
وتشير الصحيفة إلى أنه بالرغم من الوعود الطموح للرئيس المنتخب، فإن تحقيقها على أرض الواقع يواجه تحديات جمة، فداخليًا، لا يزال البرلمان الإيراني تحت سيطرة المحافظين المتشددين، كما أن المرشد الأعلى آية الله على خامنئي يحتفظ بالكلمة الأخيرة في جميع القضايا المهمة.
وقال على فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، في تصريحات لـ"مونيتور": "هناك الآن إرادة سياسية أكبر في طهران للتوصل إلى نوع من التفاهم مع الغرب من شأنه أن يجلب بعض الانفراج الاقتصادي".
ومع ذلك، أشار فايز إلى أن هذه الإرادة السياسية ستواجه اختبارًا حقيقيًا في ظل الضغوط الداخلية والخارجية، إذ تبقى العلاقات مع الولايات المتحدة متوترة بسبب عدة قضايا، منها دعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، واستمرار دعمها للجماعات المسلحة في الشرق الأوسط.
وأكد "بزشكيان"، في إحدى مكالماته الأولى بعد فوزه، استمرار دعم إيران لموسكو، كما أشار في رسالة إلى زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله إلى أن "دعم مجموعات المقاومة سيستمر بقوة".
حذر أمريكي
الموقف الأمريكي من التطورات الأخيرة في إيران يتسم بالحذر، إذ إنه في ردٍّ على سؤال حول إمكانية استئناف الدبلوماسية النووية في ظل رئاسة بزشكيان، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر: "دعونا ننتظر حتى يتولى منصبه أولًا".
وأضاف ميلر أن "الدبلوماسية هي الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق حل فعال ومستدام فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي"، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن واشنطن "بعيدة جدًا عن أي حل دبلوماسي ذي معنى في الوقت الحالي نظرًا لتصعيد إيران على جميع الجبهات".
وجوه مألوفة للغرب
من المتوقع أن يشكل "بزشكيان" فريق سياسة خارجية يضم دبلوماسيين ذوي خبرة معروفين لدى أعضاء إدارة بايدن الذين شاركوا في صياغة الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق الذي كان نظير جون كيري في المفاوضات الأصلية، نظم حملة لصالح بزشكيان ومن المرجح أن يبقى مستشارًا كبيرًا.
كما يُتوقع أن يعين بزشكيان نائب ظريف السابق، سيد عباس عراقجي، وزيرًا للخارجية.
وعلق "فايز" على هذا قائلًا: "الآن لدى الغرب مُحاور في طهران يمكنه التعامل معه، يفهم معجم الدبلوماسية الدولية".
العلاقات الإيرانية-الأمريكية
يرى المحللون أن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل العلاقات بين البلدين، ففوز ترامب قد يعني عودة سياسة "الضغط الأقصى" من العقوبات، بينما قد تسعى إدارة بايدن أو أي رئيس ديمقراطي آخر إلى التوصل لاتفاق محدود يهدف إلى كبح الطموحات النووية الإيرانية.
وفي هذا السياق، قال فالي نصر، أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة "جونز هوبكنز": "انتخاب بزشكيان، سواء كان ترامب أو بايدن بعد يناير، يمنح الغرب فرصة لاختبار المياه لمعرفة ما إذا كانت عملية دبلوماسية جادة حول احتواء القضية النووية وخفض التصعيد ممكنة أم لا".