تقف فرنسا على أعتاب مرحلة سياسية حاسمة مع اقتراب الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة، إذ تتشابك المصالح السياسية وتتصارع الأيديولوجيات، لتجد الجمهورية الفرنسية نفسها في مواجهة تحديات غير مسبوقة، فمن جهة، يلوح شبح اليمين المتطرف بقوة غير معهودة، وفي الوقت نفسه، تسعى القوى التقليدية جاهدة للحفاظ على موطئ قدم في البرلمان المقبل.
خطوط ماكرون الحمراء
في خطوة حاسمة تعكس حدة الاستقطاب السياسي في فرنسا، أفادت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون أكد بشكل قاطع -خلال اجتماع مجلس الوزراء أمس الأربعاء- رفضه التام لأي شكل من أشكال التعاون مع حزب فرنسا الأبية (اليسار المتطرف) في أعقاب الانتخابات التشريعية.
وفي تصريحات نقلتها الصحيفة، شدد ماكرون على أن الانسحابات التكتيكية لصالح مرشحي اليسار في مواجهة التجمع الوطني (اليمين المتطرف) "لا تعني بأي حال من الأحوال الدخول في حكومة ائتلافية مع فرنسا الأبية".
وأضاف: "هذا الأمر غير وارد على الإطلاق".
هذا الموقف الصارم من ماكرون يعكس محاولة للموازنة بين ضرورة صد تيار اليمين المتطرف من جهة، والحفاظ على المسافة مع اليسار الراديكالي من جهة أخرى، وهو ما يضع الرئيس الفرنسي في موقف دقيق، إذ يسعى للحفاظ على تماسك معسكره السياسي وسط تحديات غير مسبوقة.
أتال يحذر
في سياق متصل، نقلت "ليزيكو" تحذيرات حادة أطلقها رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل أتال بشأن ما وصفه بمحاولات التجمع الوطني "تشويش" الجولة الثانية من الانتخابات.
وفي تصريحات تعكس حجم القلق داخل الأوساط الحكومية، أكد أتال أن "الهدف الأساسي من الجولة الثانية هو منع حصول التجمع الوطني على أغلبية مطلقة، نظرًا لما يحمله مشروعه من تعارض صارخ مع القيم الجمهورية الأساسية".
وأضاف أتال، في محاولة لحشد الدعم خلف معسكر ماكرون: "أن أفضل وسيلة لمواجهة خطر الأغلبية المطلقة للتجمع الوطني تكمن في التصويت لصالح مرشحينا"، ما يكشف عن استراتيجية واضحة تهدف إلى تصوير الانتخابات كمعركة مصيرية بين قوى الجمهورية والتيارات المتطرفة، في محاولة لاستقطاب أصوات الناخبين المترددين.
المجتمع المسلم
في تطور لافت يعكس عمق القلق داخل الأقليات الدينية في فرنسا، نقلت صحيفة "لاكروا" تصريحات مثيرة لشمس الدين حافظ، مدير المسجد الكبير في باريس، إذ عبر الأخير عن مخاوف عميقة إزاء ما وصفه بـ"مشروع اليمين المتطرف" الذي يرى أنه يسعى إلى تحويل المواطن المسلم إلى "كبش فداء" في المجتمع الفرنسي.
وفي خطوة غير مسبوقة، أطلق "حافظ"، بالتعاون مع شخصيات بارزة أخرى من العالم الإسلامي في فرنسا، ما أسماه "نداءً جمهوريًا" يدعو إلى "تعبئة شاملة" في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية.
وفي تصريحات قوية، حذر حافظ من أن "التجمع الوطني يسعى إلى خلق صراع وهمي بين المسلمين واليهود في فرنسا"، واصفًا هذا النهج بأنه "غير مقبول وغير محترم على الإطلاق".
هذه التحركات من قبل قيادات المجتمع المسلم في فرنسا تسلط الضوء على المخاوف المتزايدة من تأثير صعود اليمين المتطرف على التماسك الاجتماعي وحقوق الأقليات في البلاد.
تصاعد التوترات السياسية
وفي تطور يعكس حدة التوترات السياسية المتصاعدة، أوردت "ليزيكو" تفاصيل حادثة مثيرة للجدل تعرضت خلالها ماري دوشي، مرشحة التجمع الوطني في الدائرة الثالثة من منطقة سافوا، لاعتداء عنيف من قبل أحد التجار في سوق محلي.
وفقًا للتقارير، قدمت دوشي شكوى رسمية أمس الأربعاء، معلنة في الوقت ذاته تعليق حملتها الانتخابية على خلفية الحادث.
وفي إجراء سريع، تم وضع المشتبه به قيد الاحتجاز للتحقيق في تهم خطيرة تشمل "التهديد بالقتل المتكرر والإهانة والعنف".
هذه الحادثة، التي تأتي في خضم حملة انتخابية محتدمة، تثير تساؤلات جدية حول مستوى الاحتقان السياسي في الشارع الفرنسي، وقدرة السلطات على ضمان سير العملية الانتخابية في أجواء آمنة وديمقراطية.