الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فرنسا

  • مشاركة :
post-title
بايدن وماكرون

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في باريس 8 يونيو 2024 الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا بدأت فعالياتها بحضور مراسم عند قوس النصر الشهير، ووجه الرئيسان -بايدن وماكرون- مع زوجتيهما التحية إلى المحاربين القدامى من البلدين، كما حضرا عرضًا عسكريًا في شارع الشانزلزيه في طريقهما إلى قصر الإليزيه. وشهدت الزيارة مناقشات لتقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وكذلك الاستعداد لقمة مجموعة السبع المقرر عقدها الأسبوع الجاري في مدينة باري الإيطالية، وكذلك قمة حلف شمال الأطلنطي "الناتو" والتي ستعقد في واشنطن يوليو المقبل. ووفقًا للتصريحات الرسمية الفرنسية.

أهمية الزيارة

تكتسب الزيارة أهميتها في هذا التوقيت من عدة عوامل:

(*) العامل الأول: أن الزيارة جاءت عقب مشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مراسم إحياء الذكرى الثمانين لعملية إنزال نورماندي على شواطئ فرنسا، والتي أسهمت في إنهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء وهزيمة دول المحور بقيادة ألمانيا، وما يحمله ذلك الاحتفال من رسائل سياسية للقوى الطامعة في الصعود الدولي على حساب الكتلة الغربية، جعلت الرئيس الأمريكي يبقى في فرنسا لمدة خمسة أيام متتالية من 5-9 يونيو 2024 ما بين المشاركة في الاحتفال بعملية الإنزال خلال الحرب التي شهدت الصعود الأمريكي كقطب دولي، ينافس الاتحاد السوفيتي في مرحلة اتسمت بالثنائية القطبية قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وتصعد الولايات المتحدة الأمريكية لقمة النظام الدولي كقطب مهيمن على تفاعلات النظام الدولي ككل.

(*) العامل الثاني: أن هناك رغبة أمريكية فرنسية في إظهار التقارب لا التنافس بين البلدين، وهو الأمر الذي تبنته الدوائر الرسمية في البلدين قبيل بدء الزيارة؛ حيث أكد البيت الأبيض طبيعة الزيارة الرسمية التي تعكس العلاقات الوثيقة بين البلدين، إذ ناقش الرئيسان بايدن وماكرون مجموعة واسعة من التحديات العالمية والقضايا الثنائية، كما أكد على ذلك التوجه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي بأن الطرفين يريدان إظهار أنهما أقرب مما كانا عليه في أي وقت مضى، وقد انعكست ملامح ذلك التقارب في حفاوة الاستقبال الفرنسي الرسمي للرئيس الأمريكي جو بايدن وزوجته جيل بايدن.

(*) العامل الثالث: أن الزيارة تجعل من فرنسا أطول محطة خارجية للرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي تتزامن مع حملته للانتخابات الرئاسية التي سيخوض منافستها مع الرئيس السابق، دونالد ترامب، وللمفارقة فإن ثمة مخاوف أمريكية أوروبية مشتركة من عودة ترامب إلى سدة الحكم، لاسيما أن تلك المخاوف تجسدها الخشية من عودة "الترامبية" إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ربما ستكون لها تداعياتها على تعزيز صعود التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا، وهو ما سيُسهم في تزايد موجة الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين، وتراجع دور المؤسسات لصالح الشعبوية، مما يمهد لحالة من الفوضى والتشرذم والانقسام داخل المجتمعات الغربية.

دلالات الزيارة

تعكس الزيارة العديد من الدلالات، التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(&) التوافق على دعم أوكرانيا: عكست الزيارة في أحد جوانبها التوافق الأمريكي والفرنسي على دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وكرر الرئيس الأمريكي بايدن خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس ماكرون على هامش الزيارة في 8 يونيو 2024 بأن بوتين لن يتوقف عند أوكرانيا، وأن أوروبا برمتها مهددة، مؤكدًا أن بلاده لن تدع ذلك يحصل، فالولايات المتحدة تقف بقوة إلى جانب أوكرانيا ولن تتراجع عن دعمها.

كما أعرب ماكرون عن أمله في أن يلتزم قادة السبع بتسليم جزء مما أقروه بتوفير مبلغ 50 مليار دولار لأوكرانيا، فيما أشار بايدن إلى أن "أوروبا أمدت أوكرانيا بما قيمته 107 مليارات دولار منذ انطلاق الحرب قبل أكثر من عامين".

(&) تعزيز التماسك الغربي: عكست الزيارة الرغبة الأمريكية الفرنسية في تعزيز التماسك الغربي، لمواجهة التحديات المشتركة التي أُدرجت على جدول المحادثات بين الرئيسين، منها الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب غزة وتطوراتها، والتعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتغير المناخي والذكاء الاصطناعي وسلاسل التوريد، لذلك وصف الرئيس الفرنسي ماكرون نظيره الأمريكي بايدن بأنه رئيس القوة الأولى في العالم، ولكنه يفعل ذلك بإخلاص شريك يحب الأوروبيين ويحترمهم، وعدد ماكرون القرارات المتشابهة التي اتخذها الطرفان، مثل السماح لأوكرانيا باستهداف مواقع داخل الأراضي الروسية، وتسليح وتدريب قواتها.

(&) تبديد المخاوف الأوروبية: تعتقد العديد من الاتجاهات أن زيارة بايدن إلى فرنسا في هذا التوقيت تُسهم في تبديد المخاوف الأوروبية، من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما أن ثمة رؤية أوروبية تعتقد بأن الولايات المتحدة لا تقدم الدعم الكافي لأوكرانيا لمواجهة روسيا، بما يعرض الأمن الأوروبي لتهديدات معقدة.

صحيح أن الولايات المتحدة أقرت دعم أوكرانيا وإمدادها بأسلحة تمكنها من استهداف العمق الروسي، وهو ما جعل الرئيس ماكرون يشكر بايدن على ما يقوم به بالنسبة لأوكرانيا -معتبرًا أن ما يحصل هناك يقرر مصير الأمن والاستقرار في أوروبا- إلا أن الولايات المتحدة تسعى لأن يستوعب الأوروبيون الدرس، بأنهم غير قادرين على حماية أمنهم بعيدًا عن المظلة الأمريكية، وهي أحد العوامل المفسرة للاستدراج الأمريكي لروسيا داخل المستنقع الأوكراني، وهو أحد التوجهات التي لا تزال صالحة لتفسير الموقف الأمريكي من الحرب الروسية الأوكرانية.

(&) المنافع المتبادلة: هناك اتجاهات فرنسية ترى أن زيارة بايدن إلى فرنسا، تحمل في طياتها منافع أمريكية فرنسية متبادلة، فبايدن يسعى للظهور بمظهر المدافع الأول عن العالم الحر ضد روسيا عبر مساندة أوكرانيا اقتصاديًا وعسكريًا، وتسويق تلك الصورة الإيجابية خلال حملته الانتخابية التي تواجه منافسة شرسة من مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، برغم إدانته قضائية، كذلك فإن ماكرون يسعى لتسويق التقارب الأمريكي الفرنسي، برغم سعيه لدعم الاستقلالية الأوروبية ورفض هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على أوروبا إلى إظهار مكانة فرنسا على المستويين الأوروبي والعالمي.

(&) محورية تفاعلات الشرق الأوسط: إن تصريح ماكرون خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس الأمريكي بايدن على هامش الزيارة الذي، أشار لتصميم البلدين على وجود تنسيق وثيق في المحادثات مع إسرائيل من جانب ومع لبنان وجميع الأطراف المعنية، يعكس محورية تفاعلات الشرق الأوسط على أجندة مناقشات الرئيسين، حيث شدد الرئيس الفرنسي على ضرورة مضاعفة الجهود؛ من أجل منع حصول انفجار إقليمي خصوصًا مع لبنان، حيث يتم التشارك مع الولايات المتحدة الأمريكية لضرورة التوصل لمحددات من أجل خفض التصعيد على الخط الأزرق.

أما بالنسبة لغزة فطالب الرئيس ماكرون بوقف فوري لإطلاق النار، وفتح الباب أمام الحل السياسي الذي من شأنه الدفع باتجاه سلام عادل ودائم يستجيب للتطلعات الأمنية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، كما جدد ماكرون دعم فرنسا للمقترح الشامل الذي طرحه بايدن، معتبرًا أن الوضع في رفح والخسائر الإنسانية أمور لا يمكن قبولها، والأمر نفسه ينطبق على رفض إسرائيل فتح جميع المعابر أمام تدفق المساعدات الإنسانية، ودعا لأن يتحرك مجلس الأمن، وأن يلعب دوره في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

مجمل القول؛تعكس زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى فرنسا وحفاوة الاستقبال الرسمي، الرغبة الأمريكية الفرنسية المشتركة في تجسيد التماسك الغربي ضد التهديدات المعقدة، والتي يأتي في مقدمتها التهديد الروسي للأمن الأوروبي، ورفض عودة "الترامبية"، وتفاعلات منطقة الإندوباسيفيك، ومشكلات سلاسل التوريد، غير أن إظهار ذلك التماسك الغربي ضد التهديدات المشتركة، لا يمكن أن يحد من طموحات فرنسا الراغبة في دعم استقلال أوروبا، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية التي توظفها للحفاظ على مكانتها كقطب دولي، بما دفعها لحرمان فرنسا من صفقة الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية لأستراليا، في إطار تحالف "أوكوس" الذي ضم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا، والتي وصفها ماكرون بـ"الطعنة في الظهر" من الحلفاء التي لا تزال مصالحهم هي القاطرة الأهم لعلاقاتهم.