الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دوافع عقد قمة أوكرانيا للسلام في سويسرا

  • مشاركة :
post-title
قمة السلام الأوكرانية في سويسرا

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

يستضيف منتجع بورجنشتوك الواقع بالقرب من بحيرة لوسيرن في وسط سويسرا، يومي 15 و16 يونيو 2024، قمة دولية رفيعة المستوى حول السلام في أوكرانيا؛ لحشد الدعم لـ"صيغة السلام" الأوكرانية، التي أكدها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرارًا، وتم دعوة وفود من نحو 160 دولة لحضور القمة، إلى جانب ممثلين من آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.

وتعد القمة جزءًا من الجهود التي تبذلها أوكرانيا بشكل دائم منذ فبراير 2022؛ للحصول على الدعم الدبلوماسي لخطة السلام المكونة من 10 نقاط، التي تم الإعلان عنها في نوفمبر 2022، إلى أن أصبحت القمة السويسرية، بمثابة نقطة انطلاق مهمة على الطريق الطويل والمتعرج نحو السلام في أوكرانيا، فضلًا عن أنها تشكّل اختبارًا كبيرًا لنفوذ الدبلوماسية السويسرية.

قمة أوكرانيا للسلام في سويسرا

بناءً على ما تقدم، يسعى هذا التحليل للإجابة عن سؤال: ما دوافع وتحديات عقد قمة السلام التي دعا إليها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في سويسرا؟

دوافع القمة

جاءت القمة بمبادرة من الرئيس الأوكراني، الذي صرّح بأن قمة السلام في سويسرا، تهدف إلى إجراء محادثات حول عملية سلام محتملة في أوكرانيا على أعلى مستوى سياسي، من أجل استعادة سلامة أراضي أوكرانيا وانسحاب القوات الروسية، من خلال طرح منصة للحوار لتحقيق سلام دائم في أوكرانيا، استنادًا إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ناهيك عن تحديد خارطة طريق لكلٍ من روسيا وأوكرانيا، لتنفيذ عملية السلام المستقبلية التي سيتم الاتفاق عليها من الدول المشاركة. 

وأعلن زيلينسكي عام 2022، خلال قمة قادة مجموعة العشرين في إندونيسيا، عن النقاط العشر لصيغة السلام الأوكرانية، ولتنفيذ المخطط الأوكراني في عام 2023، عُقدت اجتماعات على مستوى سفراء أكثر من 80 دولة معتمدة لدى أوكرانيا، بالإضافة إلى أربعة اجتماعات لمستشاري السياسة الخارجية والأمن القومي؛ تمهيدًا لقمة السلام التي ستُعقد منتصف يونيو الجاري.

المؤتمرات الأربعة التي سبقت قمة السلام السويسرية بشأن أوكرانيا

وتتمثل النقاط الـ10 المكونة لصيغة السلام التي اقترحها زيلينسكي، التي تنطلق منها القمة، في الإشعاع والأمن النووي، الأمن الغذائي، أمن الطاقة، إطلاق سراح جميع السجناء والمبعدين، تنفيذ ميثاق الأمم المتحدة واستعادة السلامة الإقليمية والنظام العالمي، انسحاب القوات الروسية ووقف الأعمال العدائية، العدالة بإنشاء محكمة خاصة ضد روسيا، الحاجة إلى الحماية الفورية للطبيعة، منع التصعيد، وتحديد نهاية للحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث على التوالي وسط تحول كبير في زخمها.

تحديات ماثلة

تواجه قمة السلام السويسرية بشأن أوكرانيا تحديات، تتضح في غياب قوى دولية عظمى عن القمة، منها:

(*) غياب الصين: أعلنت الصين صراحةً في 23 مايو 2024، رفضها حضور قمة السلام السويسرية بشأن أوكرانيا؛ لإيمانها بأن القمة لن تؤتي ثمارها، ولن تكون منصفة سوى بحضور الطرف الروسي. وفي 31 مايو 2024، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج، أن قمة السلام لن تكون فعالة حتى تتحقق شروط ثلاثة، تتمثل في (اعتراف روسيا وأوكرانيا بصيغة السلام المطروحة، والمشاركة العادلة للطرفين، ومناقشة خطط عادلة للسلام الشامل). وسعت الصين لإبلاغ الأطراف المعنية بمخاوفها وافتراضاتها وعدم استيفاء القمة شروط بكين الثلاثة، مؤكدة وجود فجوة كبيرة بين العناصر المطروحة لنجاح القمة من وجهة النظر الصينية، وبين الترتيبات الصادرة للقمة. ورغبت كل من أوكرانيا وسويسرا في حضور الصين؛ نظرًا لأن غياب الصين يعرقل عملية السلام ويُحدث نوعًا من العزلة الدولية، واتهمت أوكرانيا الصين بالضغط على الدول للغياب عن القمة، لكن نفت الصين تلك المزاعم. ويبقى الحضور الصيني ضبابيًا ما بين إرسال ممثلين لمنع العزلة الدولية أو الامتناع عن إرسال وفد صيني لتجنُب العداء مع روسيا.

(*) غياب الرئيس الأمريكي جو بايدن: أعلن الرئيس الأمريكي سعيه لحضور احتفالات الذكرى الثمانين ليوم الإنزال واجتماع زعماء مجموعة السبع في إيطاليا يومي 13 و15 يونيو 2024، لكنه سيتخطى المناسبة السويسرية؛ ليحضر بدلًا من ذلك حملة لجمع التبرعات للحزب الديمقراطي في كاليفورنيا. وفي يوم الاثنين الموافق 3 يونيو 2024، أعلن البيت الأبيض، في بيان رسمي، أن نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، سيحضران مؤتمر السلام الأوكراني في سويسرا نيابة عن الرئيس الأمريكي، وأكد المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، أنه لا يوجد زعيم في العالم يدعم أوكرانيا أكثر من الرئيس بايدن. وفي يوم الجمعة الموافق السابع من يونيو 2024، دعت الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى دعم موقف أوكرانيا خلال قمة السلام العالمية في سويسرا. فيبدو أن غياب بايدن يُصعِّد من مخاوف زيلينسكي، الذي وصف غياب نظيره الأمريكي عن الحدث بأنه "هدية وفرصة للتصفيق لبوتين".

(*) غياب الأمين العام للأمم المتحدة: خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة 7 يونيو 2024، أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، لن يحضر قمة السلام السويسرية بشأن أوكرانيا الأسبوع المقبل، لكن سيتم إرسال ممثلين عن منظمة إلى مقر انعقاد القمة، وتم إبلاغ الأطراف المسؤولة عن التنظيم للقمة، ويبدو جليًا أن غياب الأمين العام للأمم المتحدة ينذر بالتشكيك حول قدرة القمة السويسرية في وضع مخرجات تنجح في تنفيذ خطة السلام من أجل أوكرانيا، وبات إرسال ممثلين عن المنظمة وسيلة لتفادي فكرة العزلة الدولية، خاصًة أن الأمم المتحدة تهدف دائمًا وأبدًا إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

(*) استثناء روسيا من الحضور: أعلنت وزارة الخارجية السويسرية أنه لم تتم دعوة روسيا لحضور القمة بشأن أوكرانيا، وأوضح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أن بلاده لا ترى حاليًا أي جدوى من دعوة موسكو لحضور قمة السلام العالمية في سويسرا، مضيفًا أن الاتصالات مع روسيا ستظل ضرورية بعد أن يعزز المجتمع الدولي موقفه. وقالت السلطات السويسرية إن عملية السلام دون روسيا غير ممكنة، وعلقت روسيا بأنها لن تشارك حتى لو دُعيت، فضلًا عن أن عدم مشاركة الصين حظي باستقبال جيد في روسيا.

وبالتالي، نجد أن الاستثناء الروسي من حضور القمة، تمخض عنه سعي الكثير من الدول لإعادة التفكير في حضور القمة، وأعلنت عدة دول انقطاعها عن الحضور شريطة حضور طرفي الصراع الروسي الأوكراني؛ حتى تتحقق التسوية السلمية للصراع، ولذلك أعلنت كل من (المكسيك، نيكاراجوا، باكستان، جنوب إفريقيا، الأرجنتين، السعودية، وغيرها) رفض المشاركة، مبررين ذلك بأن أوكرانيا فشلت في كسب الدعم الدولي لتأييد خطة السلام المطروحة، ووصفت روسيا القمة بأنها "مسرحية غير مجدية".

إجمالًا، يمكن القول إن الأجواء والظروف الراهنة التي ستُعقد فيها قمة السلام السويسرية بشأن أوكرانيا، لم تعط إشارة واضحة حول نجاح أو فشل القمة، لكن غياب الرئيس الأمريكي جو بايدن، والموقف الصيني المشروط، وعدم دعوة الطرف الروسي، أثار شكوكًا حول نجاح القمة في تحقيق أهدافها بشأن خطة السلام في أوكرانيا. وفي الأثناء، فإن رفض الكرملين جهود الوساطة الدبلوماسية السويسرية؛ للتباحث في مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية، أثار غصب روسيا، ما يقوض من فرص نجاح القمة في الوصول لصيغة سلام لطرفي الحرب. لكن في حقيقة الأمر، لن تشكل المفاوضات أولوية، ما دامت الحرب في أوجها ويتبع كل طرف الوسائل العسكرية للحصول على مكاسب تحافظ على حضوره الدولي.