الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أدنى معدل مواليد في 124 عاما.. اليابان أمام كارثة وشيكة

  • مشاركة :
post-title
تسجيل أدنى إحصاءات رسمية للمواليد منذ عام 1899

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في خطوةٍ تعكس حجم الأزمة السكانية التي تواجهها اليابان، كشفت بيانات وزارة الصحة اليابانية عن انخفاض معدل المواليد في البلاد للعام الثامن على التوالي؛ ليصل إلى 1.2 طفل لكل امرأة في 2023، بعيدًا عن المعدل المطلوب البالغ 2.1 طفل اللازم للحفاظ على استقرار عدد السكان.

وتُشير المعطيات إلى تفاقم أزمة انخفاض المواليد التي باتت تهدد مستقبل اقتصاد اليابان الرابع عالميًا، خاصة في ظل ديناميكيات سكانية مقلقة تشهدها معظم دول شرق آسيا.

تهديد الاقتصاد

أشارت صحيفة "نيوزويك" الأمريكية إلى أن معدلات المواليد في اليابان بلغت 1.2 طفل لكل امرأة في العام الماضي، بحسب إحصاءات وزارة الصحة اليابانية، بتراجع نسبته 0.25% عن عام 2015.

ويقع هذا المعدل بعيدًا عن معدل الإحلال البالغ 2.1 طفل لكل امرأة واللازم للحفاظ على استقرار عدد السكان في البلاد.

وتعكس هذه الأرقام المقلقة معضلة خطيرة تهدد اقتصاد اليابان الذي يعتبر الرابع عالميًا من حيث الحجم، إذ تواجه البلاد تحديات جمة ناجمة عن تراجع القوى العاملة وارتفاع معدلات الشيخوخة، في ظل تقلص حصيلة المواليد الجدد سنويًا، ما سيرهق أنظمة الضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية ويؤثر سلبًا على إنتاجية القطاعات المختلفة ويقوض القدرة التنافسية للاقتصاد الياباني.

تراجع المواليد في شرق آسيا

لا تقتصر أزمة انخفاض تراجع معدلات المواليد على اليابان وحدها، بل تشهدها جميع دول شرق آسيا تقريبًا بنسب متفاوتة، فقد سجلت الصين الشريك التجاري الرئيسي لليابان معدل مواليد منخفضا للغاية بلغ 1 طفل لكل امرأة فقط.

كما بلغ هذا المعدل 0.85 طفل في تايوان، و0.72 طفل فقط في كوريا الجنوبية، لتكون من بين أدنى المعدلات عالميًا.

وتدق هذه الأرقام المتدنية ناقوس الخطر في المنطقة التي تواجه تحديات ديموجرافية غير مسبوقة، إذ سيؤدي استمرار هذا الاتجاه إلى ارتفاع كبير في نسبة الاعتماد على القوى العاملة وزيادة الضغوط على أنظمة الرعاية الصحية والمعاشات، ما سيرهق اقتصادات دول المنطقة بأكملها.

تراجع قياسي

في تجسيد لحجم الأزمة السكانية التي تعيشها اليابان، لم يتجاوز عدد المواليد الجدد خلال العام الماضي 727,277 طفلًا، بحسب وكالة الأنباء اليابانية "إن إتش كي"، بانخفاض 43,482 طفلًا عن عام 2022، ويعد هذا العدد الأدنى منذ بدء تسجيل الإحصاءات الرسمية في البلاد قبل 124 عامًا في 1899.

واعتبرت وزارة الصحة الوضع "حرجًا للغاية"، وحذرت من مغبة تمادي هذا الاتجاه وآثاره السلبية على مستقبل البلاد.

كارثة ديموجرافية

تتوقع الحكومة اليابانية أن تشهد الفئة العمرية الشابة تراجعًا حادًا في الثلاثينيات من القرن الحالي، ما سيؤدي إلى وقوع كارثة ديموجرافية على المستوى الوطني.

وحذرت السلطات من أن الوقت يداهم البلاد لاتخاذ إجراءات عاجلة لتحفيز مستويات الإنجاب قبل حلول تلك الفترة الحرجة، موضحة أن الحكومة تمتلك حتى تلك المرحلة الفرصة لمعالجة هذه المشكلة.

طوكيو.. الأقل خصوبة

تنعكس تداعيات أزمة انخفاض المواليد في اليابان جغرافيًا أيضًا، إذ شهدت العاصمة طوكيو واحدًا من أدنى المعدلات في البلاد بواقع 0.99 مولود لكل امرأة فقط.

وحلت منطقة هوكايدو الشمالية الثانية من حيث انخفاض المعدلات بواقع 1.06 مولود لكل امرأة، تلتها محافظة ميياجي شمال شرق البلاد بمعدل 1.07.

في المقابل، سجلت منطقة أوكيناوا أعلى معدل خصوبة ببلوغه 1.6 مولود لكل امرأة.

تأخر سن الزواج

يرتبط انخفاض معدلات المواليد في اليابان ارتباطًا وثيقًا بتراجع عدد حالات الزواج في البلاد، حيث سجل العام الماضي أدنى معدل زواج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد بلغ عدد الزيجات 474,717 حالة فقط، بانخفاض نسبته 6% مقارنة بعام 2022، وفق إحصاءات وزارة الصحة، ويعزى ذلك إلى اتجاه متنام لتأخير سن الزواج في اليابان لأسباب اقتصادية واجتماعية متعددة.

وتجدر الإشارة إلى أن أقل من 3% من المواليد في اليابان يأتون خارج إطار الزواج الرسمي، ما يجعل لانخفاض معدلات الزواج تأثيرًا كبيرًا على حصيلة المواليد السنوية.

ويرى محللون أن تراجع الزواج يعود إلى عوامل مثل ارتفاع تكاليف المعيشة وانشغال الشباب بمتطلبات العمل، إضافة إلى التحولات الاجتماعية وتغير النظرة للزواج كضرورة للإنجاب.

حزم تحفيزية للأنجاب

في محاولة للتصدي لهذه الأزمة السكانية المتفاقمة، أعلن رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، أن رفع معدلات الإنجاب يشكل أولوية قصوى لحكومته.

وفي هذا السياق، خصصت الحكومة 25 مليار دولار لمساعدات رعاية الأطفال على مدى 3 سنوات، في إطار مساعيها لتشجيع الأسر على الإنجاب.

كما أكد كيشيدا عزم حكومته على مضاعفة الإنفاق الوطني على قطاع رعاية الأطفال خلال العقد المقبل، بهدف تذليل العقبات المالية أمام الأسر الراغبة في الإنجاب وتوفير بيئة مناسبة لتربية الأطفال.

وتشمل الحزمة الحكومية أيضًا تقديم حوافز مالية لشركات القطاع الخاص التي تتبنى سياسات صديقة للأسرة.

حلول مبتكرة

إلى جانب الجهود الحكومية المركزية، باتت الحكومات المحلية في اليابان تطلق مبادرات مبتكرة لتشجيع المواطنين على الزواج والإنجاب. ففي حين تنظم بعض البلديات لقاءات تعارف جماعية لجمع العازبين، تستعد حكومة العاصمة طوكيو لإطلاق تطبيق مواعدة رقمي يقتصر استخدامه على العازبين الراغبين في الزواج.

ويتطلب التطبيق من المستخدمين تقديم وثائق تثبت عزوبيتهم، إضافة إلى توقيع التزام بالزواج.

ويأمل القائمون عليه أن يسهم في تشجيع الشباب العازب على البحث عن شريك حياة بشكل جدي، في محاولة لمعالجة الاتجاه المتزايد لتأخر الزواج الذي يرى البعض أنه أحد أسباب تراجع المواليد.