كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن حملة تأثير سريّة نفذتها إسرائيل، استهدفت المشرعين والمواطنين في الولايات المتحدة؛ بغرض تعزيز الدعم لعدوانها على غزة، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين ووثائق متعلقة بالعملية.
جنود رقميون
استنادًا إلى مصادر إسرائيلية مجهولة ووثائق سريّة، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى تخصيص وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية، المسؤولة عن تعزيز الروابط بين إسرائيل واليهود في جميع أنحاء العالم، تخصيص ميزانية ضخمة بلغت نحو مليوني دولار لتنفيذ هذه العملية الخفية، والتعاقد مع شركة التسويق السياسي "ستويك" في تل أبيب لقيادة الحملة.
بدأت الحملة في أكتوبر 2023، بالتزامن مع شنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي حربها على قطاع غزة في 7 أكتوبر، إبان عملية طوفان الأقصى، إذ تلقت عشرات من شركات البرمجيات الإسرائيلية الناشئة رسائل عبر البريد الإلكتروني وتطبيق واتساب في ذلك الشهر، تدعوها إلى حضور اجتماعات عاجلة لتصبح "جنودًا رقميين" لإسرائيل خلال الحرب، بحسب الرسائل التي اطلعت عليها صحيفة "نيويورك تايمز".
وجاءت بعض هذه الرسائل من مسؤولين حكوميين إسرائيليين، بينما صدرت أخرى عن شركات وكيانات ناشئة.
عُقد الاجتماع الأول في منتصف أكتوبر في تل أبيب، وبدا أنه تجمع غير رسمي، إذ يمكن للإسرائيليين تقديم مهاراتهم التقنية للمساعدة في جهود الحرب، حسبما قال ثلاثة من الحاضرين.
وأُخبر المشاركون في الاجتماع، الذي حضره أعضاء من عدة وزارات حكومية، أنه يمكنهم أن يكونوا "محاربين لإسرائيل"، وأن "الحملات الرقمية" يمكن أن تُشن نيابة عن البلاد، وفقًا لتسجيلات من هذه الاجتماعات.
أول حالة موثقة
أوضحت "نيويورك تايمز" أن هذه العملية تعد أول حالة موثقة لتنظيم الحكومة الإسرائيلية حملة للتأثير على الحكومة الأمريكية، بحسب ما قاله خبراء في مجال وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم أن الحملات المنسقة التي تدعمها الحكومات تعد أمرًا شائعًا، إلا أنه من الصعب عادةً إثباتها بحسب الصحيفة الأمريكية، إذ إنه من المعروف على نطاق واسع أن دولًا، مثل إيران وكوريا الشمالية والصين وروسيا والولايات المتحدة نفسها، تدعم جهودًا مماثلة حول العالم، لكنها غالبًا ما تخفي تورطها من خلال التعاقد مع شركات خاصة أو تشغيل هذه الحملات عبر دول أخرى.
استهداف النواب الديمقراطيين
أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الحملة الإسرائيلية السريّة استخدمت مئات الحسابات الوهمية عبر منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية مثل إكس "تويتر سابقًا" وفيسبوك، وإنستجرام.
وزعمت هذه الحسابات المزيفة أنها لطلاب أمريكيين ومواطنين قلقين على مصالح بلادهم، ونشرت تعليقات ومقالات مؤيدة لموقف إسرائيل من الحرب على غزة، في محاولة للتأثير على أعضاء الكونجرس الأمريكي، خاصة الديمقراطيين من أصول إفريقية وذوي البشرة السمراء، لدفعهم إلى مواصلة تمويل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
استخدام الذكاء الاصطناعي
وكشف تقرير "نيويورك تايمز" أن العديد من المنشورات التي نشرتها الحسابات المزيفة تم إنشاؤها باستخدام روبوت الدردشة "شات جي بي تي" القائم على الذكاء الاصطناعي.
كما أنشأت شركة "ستويك" المنفذة للحملة، ثلاثة مواقع إخبارية إنجليزية وهمية، تضمنت مقالات مؤيدة لإسرائيل، بعضها مسروق من وسائل إعلام شهيرة مثل شبكة "سي إن إن" وصحيفة "وول ستريت جورنال".
اكتشاف الحملة وتفكيكها
أشارت الصحيفة إلى أنه في شهر مارس الماضي، لاحظت منظمة "فيك ريبورتر (تقارير مغلوطة)"، وهي منظمة معنية بمراقبة المعلومات المضللة، حملة الحكومة الإسرائيلية، وفي الأسبوع الماضي، تم الإبلاغ أيضًا عن ذلك بواسطة شركة "ميتا"، التي تمتلك منصتي "فيسبوك" و"إنستجرام"، بالإضافة إلى شركة "أوبن أيه آي"، مالك "شات جي بي تي"، وقالت كلاهما إنهما عثرتا على عملية التأثير وعطلتاها.
ونقلت الصحيفة عن أتشيا شاتز، المدير التنفيذي لموقع "فيك ريبورتر"، قوله إن "دور إسرائيل في هذا الأمر متهور وربما غير فعال"، مشيرًا إلى أن حقيقة أن إسرائيل "أدارت عملية تتدخل في السياسة الأمريكية هو أمر غير مسؤول على الإطلاق".
وفي بيان لصحيفة "نيويورك تايمز"، نفت وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية أي تورط لها في العملية وأصرت على أنه لا علاقة لها بهذا الأمر.
وفي الوقت نفسه، قدرت "فيك ريبورتر" أن الحسابات المزيفة التي تم إنشاؤها من خلال الحملة جمعت ما يزيد قليلًا على 40 ألف متابع عبر منصات إكس و"فيسبوك"، وإنستجرام، وخلصت "ميتا" و"أوبن أيه أي" إلى أن عملية النفوذ الإسرائيلية فشلت في نهاية المطاف في إحداث تأثير واسع النطاق، وأشارتا إلى أن معظم متابعي هذه الحسابات المزيفة هم على الأرجح روبوتات.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في حالتين على الأقل، نشرت حسابات تحمل صورًا شخصية لرجال من ذوي البشرة السمراء منشورات تدعي أنها لـ "امرأة يهودية في منتصف العمر".
كما ظهرت الجملة نفسها "عليّ إعادة تقييم آرائي بناءً على هذه المعلومات الجديدة" في 118 منشورًا شاركت فيه الحسابات المزيفة مقالات مؤيدة لإسرائيل.