قدّم مسؤولون دفاعيون رفيعو المستوى وزعماء حكوميون من جميع أنحاء العالم حججًا متناقضة في العمل من أجل السلام والاستقرار الإقليميين خلال عطلة نهاية الأسبوع في سنغافورة، على هامش قمة شانجريلا الأمنية السنوية.
وفي بعض الأحيان، لم يتفق المندوبون على مجموعة متنوعة من القضايا، حيث كان هذا الحدث بمثابة منصة للولايات المتحدة والصين لاقتراح آليات مختلفة للشراكة والتعاون في المنطقة.
وسلّطت القمة الضوء أيضًا على التوترات والصراعات التي طال أمدها، بدءًا من النزاعات البحرية في بحر الصين الجنوبي إلى حرب غزة، فضلًا عن الحرب الروسية الأوكرانية، وسط اجتماعات مغلقة شارك فيها كبار القادة العسكريين.
الصين وأمريكا
بعد عامين من انقطاع الاتصالات العسكرية التقى وزيرا دفاع الصين والولايات المتحدة في سنغافورة، في اجتماع استمر 75 دقيقة، قدّم خلالها أكبر اقتصادين في العالم مسارات متميزة للتعاون الإقليمي، إذ روّج لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، لرؤية بلاده المتمثلة في شبكة واسعة من الشراكات مع دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ووصف "التقارب الجديد" لا يرتبط بتحالف أو ائتلاف واحد، بل "بمبادرات ومؤسسات متداخلة ومتكاملة". وشدد "أوستن" على أن الولايات المتحدة "ملتزمة بالكامل" بالتزامها تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفي المقابل، تحدث نظيره الصيني دونج جون عن "المبادئ الخمسة للتعايش السلمي" لبلاده المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر، والمساواة والتسامح المتبادل، والمنفعة والتعايش السلمي.
وأضاف: "شعبنا ضد أي محاولة لتحويل بلادنا إلى دول تابعة أو جرنا إلى مواجهات تكتلية.. شعبنا يحتقر أولئك الذين يحاولون تعزيز أنفسهم من خلال تلقي أوامر من القوى المهيمنة".
تايوان.. أولوية صينية
ووسط تصاعد التوترات عبر المضيق في الأسابيع الأخيرة، مع ترحيب تايوان برئيسها الجديد لاي تشينج تي (من الحزب التقدمي الديمقراطي المؤيد للانفصال عن الصين) خرجت الصين لتؤكد بقوة موقفها بشأن سياسة "صين واحدة"، مستبعدة أي انفصال عن البر الرئيسي للإقليم.
وتعتبر الحكومة الصينية تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، حيث أمضى وزير الدفاع الصيني دونج جون نصف وقت جلسة الأسئلة والأجوبة في حوار شانجريلا لتأكيد موقف بلاده فيما يتعلق بتايبيه.
وتحدث "دونج" عن "إجراءات حازمة" للحد من أي تحرك نحو استقلال الجزيرة، في حين حذّر من "التدمير الذاتي" لأولئك الذين يجرؤون على الفصل بين الإقليم والصين.
زيلينسكي يبحث عن الدعم
في ظهور شخصي مفاجئ، توجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى سنغافورة لتعزيز الدعم لـ"قمة السلام" العالمية المقرر عقدها في الفترة من 15 إلى 16 يونيو في سويسرا التي ستركز على الأمن النووي والأمن الغذائي والقضايا الإنسانية.
وقال زيلينسكي: "نحن بحاجة إلى دعم الدول الآسيوية"، وعلى وجه الخصوص، تسعى أوكرانيا إلى إقناع المزيد من الدول الناشئة فيما يسمى بالجنوب العالمي بالحضور، بما في ذلك الصين، التي قالت إنها لن تشارك دون تمثيل من روسيا. ويُنظر إلى الصين باعتبارها ركيزة حيوية لدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسبما ذكرت صحيفة "نيكي آسيا".
لكن الرئيس الأوكراني اتهم بكين بالعمل مع موسكو لمنع الدول من حضور المنتدى المقبل. وقال زيلينسكي إن روسيا تستخدم نفوذ الصين الإقليمي ودبلوماسييها لعرقلة القمة.
الفلبين تستغل القمة
وعلى وقع التوترات المستمرة بين الصين والفلبين في السنوات الأخيرة، انتقد الرئيس فرديناند ماركوس جونيور، الذي ألقى الكلمة الرئيسية في المنتدى "تصرفات الصين غير القانونية والقسرية والعدوانية والخادعة" دون أن يذكر اسم البلاد.
وردًا على سؤال جنرال صيني، قال "ماركوس" باقتضاب إنه إذا أدت التوترات في بحر الصين الجنوبي إلى مقتل مواطن فلبيني، فإن ذلك "سيدفع بلاده للحرب".
فيما أكد المسؤولون الفلبينيون الذين حضروا المنتدى، ومن بينهم وزير الدفاع جيلبرتو تيودورو، في بيان عقب اجتماعه أول أمس السبت مع نظيره الأمريكي لويد أوستن، أن الولايات المتحدة ترحب بالخطاب الرئيسي "البليغ" الذي ألقاه ماركوس.
وقال قائد خفر السواحل الفلبيني الأدميرال روني جافان للصحفيين إنه سعيد بخطاب ماركوس، مشيرًا إلى أن المهام الإنسانية إلى سكاربورو شول ستستمر "لأنه من واجبنا الأساسي الدفاع والحماية".
التطورات في غزة
على الرغم من بُعدها الجغرافي عن منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلا أن أزمة الشرق الأوسط المستمرة كانت من بين النقاط المحورية في منتدى سنغافورة الأمني، حيث أعرب قادة الدفاع في الدول ذات الأغلبية المسلمة إندونيسيا وماليزيا عن مخاوفهم بشأن الوضع المزري في قطاع غزة.
وفي خطاب خاص، أول أمس السبت، قال وزير الدفاع الإندونيسي والرئيس المنتخب برابوو سوبيانتو إن الاقتراح الجديد المقدم من إسرائيل الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار مع حركة حماس الفلسطينية هو "خطوة صحيحة مهمة" لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثمانية أشهر. ولا تقيم إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، علاقات رسمية مع إسرائيل.
وكجزء من هذا الاقتراح الجديد، تعهد "برابوو" بأن إندونيسيا مستعدة للمساهمة بقوات حفظ سلام "كبيرة" للحفاظ على وقف إطلاق النار المرتقب ومراقبته إذا لزم الأمر وطلبت الأمم المتحدة. وقال الزعيم القادم إن الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا مستعدة أيضًا لإجلاء وعلاج ما يصل إلى 1000 مريض من غزة.
وخلال الجلسة الأخيرة أمس الأحد، أشاد وزير الدفاع الماليزي محمد خالد نور الدين بتصريحات برابوو، مرددًا التعليقات القائلة بأن كوالالمبور "ترحب بالتأكيد وتدعم أي اقتراح" من شأنه أن يحقق وقفًا فوريًا ودائمًا لإطلاق النار.