مع بروز قوة اليمين المتطرف في إيطاليا، وهو التيار الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، يُعاني المهاجرون القادمون عبر البحر المتوسط من ظروف احتجاز شديدة السوء، والتي أدانها المحامون ونشطاء اللاجئين، ووصفوها بأنها "ثقوب سوداء" لانتهاكات حقوق الإنسان.
وبينما تقول الحكومة الإيطالية إن المراكز، التي أنشئت عام 1999، ضرورية لردع المهاجرين عن المخاطرة بحياتهم لعبور البحر الأبيض المتوسط والوصول إلى أوروبا؛ تعهدت الحكومة التي تقودها ميلوني، ببناء المزيد من هذه المرافق في جميع أنحاء البلاد وكذلك في الخارج.
وقالت ميلوني في مقطع فيديو نُشر على منصة "إكس": "أريد أن أرسل رسالة واضحة إلى أولئك الذين يريدون دخول إيطاليا بشكل غير قانوني. من الأفضل ألا تفعلوا ذلك ولا تضعوا حياتكم في أيدي المهربين".
وأضافت: "في أي حال، إذا دخلت إيطاليا بشكل غير قانوني، فسيتم احتجازك وإعادتك إلى وطنك".
وتهدف هذه المراكز إلى احتجاز المهاجرين الذين يدخلون الأراضي الإيطالية بدون تأشيرة، ولا يحق لهم التقدم بطلب اللجوء، وتصنفهم سلطات إنفاذ القانون على أنهم "خطرون اجتماعيًا".
وفي وقت سابق من هذا العام، قامت الحكومة الإيطالية بتمديد فترة احتجاز الأجانب من 90 يومًا إلى 18 شهرًا.
سوء الأوضاع
كشف تحقيق أجرته "أسوشيتد برس" حول وفاة محتجز من غينيا سعى للحاق بأخيه في فرنسا، مدى سوء المعاملة التي يلقاها المهاجرون غير الشرعيين إذا ما وقعوا في قبضة السلطات الإيطالية، بعد طريق طويل من ابتزاز المهربين عبر الصحراء الكبرى وحتى الساحل التونسي، حيث ينقل المهربون آلاف المهاجرين من شمال إفريقيا إلى أوروبا على متن قوارب متهالكة.
ويسلك المهاجرون غير الشرعيين طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، الذي يُعرف بأنه أحد أخطر معابر الهجرة في العالم؛ وعبره لقي أكثر من 2500 شخص حتفهم، أو فقدوا، في العام الماضي وحده.
وتشير "أسوشيتد برس" إلى مركز للمهاجرين القاصرين في بلدة "كاسينو" في مقاطعة "فروزينوني" في منطقة "لاتسيو" جنوب إيطاليا؛ وهو المكان المفترض أن يعتني بالقاصرين غير المصحوبين بذويهم، لكنه "كان عنيفًا ومختلًا"، حسبما قال شهود.
وبحسب عاملين في المركز، كان المكان يفتقر إلى الخدمات الأساسية، مثل الملابس المناسبة والدعم النفسي والمترجمين. وكانت عمليات توصيل الطعام ومصروف الجيب وبطاقات المحمول نادرة، مما خلق توترات بين الشباب المقيمين.
أيضًا، في رسائل صوتية تم إرسالها إلى الموظفين وحصلت عليها الوكالة الأمريكية، أهانت مديرة مركز "كاسينو"، روسيلا كومبانيا، سكان المنشأة، واصفة إياهم بـ "المشاغبين"، وهددت بمعاقبتهم أو رميهم في الشارع. لكن سرعان ما تم إغلاق المركز بسبب نقص الموظفين المناسبين من قبل مكتب الخدمات الاجتماعية في كاسينو.
أمّا في مركز "بونتي جاليريا"، بالقرب من العاصمة روما، فكان التواصل مع العالم الخارجي شبه مستحيل بالنسبة للمهاجرين. كما لم يكن مسموحًا باستخدام الهواتف المحمولة، ولم يكن هناك سوى هاتف عام واحد مشترك بين عشرات المهاجرين.
وبينما تقتصر أيامهم على وجبات الإفطار والغداء والعشاء فقط، بالإضافة إلى بعض المواعيد الطبية وجلسات الاحتجاز المتفرقة؛ فعلى عكس السجون العادية -حيث يعمل النزلاء ويتعلمون ويقومون بأنشطة أخرى- لا يوجد في مراكز المهاجرين المؤقتة في إيطاليا سوى الملل.
وتحدث بعضهم عن المهاجرين الذين يؤذون أنفسهم في محاولة يائسة لإطلاق سراحهم من هذه المراكز.
وأظهرت مقاطع الفيديو من داخل المركز -استعرضتها وكالة "أسوشييتد برس"- بعض محاولات إيذاء النفس، بما في ذلك استخدام اثنين من المعتقلين لقضيب حديدي لكسر كاحل مقيم آخر بناء على طلبه.
مراكز المهاجرين
يوجد في إيطاليا حاليًا 10 مراكز للمهاجرين في جميع أنحاء البلاد، مع القدرة على احتجاز 700 أجنبي رهن الاحتجاز الإداري في أي وقت؛ وفي الوقت الحالي، هناك اثنان مغلقان للتحديثات.
من الناحية النظرية، هدف المراكز هو الترحيل. لكن وفقًا لبيانات وزارة الداخلية الإيطالية، تم طرد 52% فقط من المهاجرين في مراكز الاحتجاز، ويتم إطلاق سراح الباقين في نهاية المطاف، ممن يصبحون غير قادرين على العمل أو تسوية أوضاعهم.
وقد دأبت جماعات حقوق الإنسان ومحامو حقوق الإنسان، منذ سنوات، على إدانة وتوثيق الظروف المزرية داخل سجون المهاجرين، بما في ذلك الافتقار إلى الخدمات الصحية الكافية، والإفراط في وصف الأدوية النفسية لإبقاء المعتقلين مخدرين، ومحدودية الوصول إلى محاميهم وأقاربهم.
ومن عام 2019 إلى عام 2024، توفي 13 شخصًا -خمسة منهم منتحرين- داخل مراكز الاحتجاز الإيطالية، والتي سجلت أيضًا مئات محاولات الانتحار وحلقات إيذاء النفس.
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن الكثير من هؤلاء "يقعون في حبال الاقتصاد السري أو يصبحون فريسة للجماعات الإجرامية".
ونقلت الوكالة عن ماوريتسيو فيجليو، خبير قانون الهجرة الناشط في جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة، وهي مجموعة مناصرة للمهاجرين، قوله: "إن نظام الاحتجاز والترحيل هو عامل محفز للفشل".
وقال: "ذلك لأن النتيجة النهائية لعملية الإعادة إلى الوطن تعتمد بشكل أساسي على إرادة البلد الأصلي للمهاجرين في التعاون مع إيطاليا. وفي كثير من الأحيان، تستند قراراتهم إلى أسباب سياسية مختلفة، لا علاقة لها بسلوك المعتقلين".
لكن، يُصر وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي على أن توسيع شبكة مراكز الترحيل يعد "عنصرًا أساسيًا" في استراتيجية الحكومة الشاملة للهجرة، مشددًا على أن الظروف الصعبة فيها هي نتيجة أعمال الشغب والتخريب التي يقوم بها المحتجزون.
وقال بيانتيدوسي، الذي دافع عن فعالية مراكز احتجاز المهاجرين: "ليست هناك نية لإنكار أي من حقوق الإنسان، ولكن في هذه المراكز يوجد أشخاص يمثلون ظروفًا خطرة أكدتها السلطات القضائية".
دولة ثالثة
على غرار المملكة المتحدة، تحاول إيطاليا الاستعانة بمصادر خارجية للهجرة إلى دول ثالثة.
وفي العام الماضي، وقعت الحكومة اتفاقًا مع ألبانيا يقضي بأن تحتجز الدولة غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي آلاف طالبي اللجوء نيابة عن إيطاليا.
وبموجب الاتفاق الذي مدته خمس سنوات، سيؤوي مركز احتجاز إيطالي في ألبانيا المهاجرين الذين يتم إنقاذهم من المياه الدولية، والذين سيتم نقلهم عادة إلى الموانئ الإيطالية.
وحتى الآن، ليس من الواضح كيف سيتم تنفيذ النظام، بينما -في الوقت نفسه- يشهد بناء المراكز في ألبانيا تأخيرات كبيرة. لكن هذا النهج الجديد أثار فضول غالبية الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، التي دعت إلى ترتيبات مماثلة في وقت سابق من هذا الشهر.
وتتمتع إيطاليا بمعدل منخفض للغاية من عمليات العودة الفعلية. ففي عام 2023، تم ترحيل 12٪ فقط من جميع المهاجرين الذين صدرت بحقهم أوامر الطرد إلى أوطانهم، وهو أقل بكثير من نسبة 19٪ المسجلة في الاتحاد الأوروبي.
ويسعى ميثاق الهجرة واللجوء الجديد للاتحاد الأوروبي إلى تسريع إجراءات اللجوء وترحيل الأشخاص غير المؤهلين للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
ومع إجراء الانتخابات البرلمانية في الاتحاد الأوروبي في يونيو المقبل، فإن العديد من السياسيين من يمين الوسط حريصين أيضًا على تبني موقف متشدد بشأن هذه القضية خوفًا من خسارة المزيد من الأصوات لصالح أمثال رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني وغيرها من الشعبويين ذوي الخطاب المناهض للمهاجرين.